تثور مخاوف البعض عندما يُطلق النداء بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتصل إلى درجة الفزع أحياناً من الشريعة ذاتها، حين يركز البعض من الإخوان المسلمين والسلفيين، على تطبيق الحدود. نلفت النظر بدايةً إلى أن بعض الإخوان والسلفيين عندما يتحدثون عن الشريعة أو يعبرون بسلوكهم وفكرهم عنها، لا يعبرون حق التعبير. فهذا الفصيل من الإخوان يبدو مخيفاً للكثيرين حين يحصر الكفاءة فى الزواج بين الإخوان بعضهم بعضاً وليست بين الإخوان وآخرين من المجتمع، ويبدو مخيفاً حديث بعض السلفيين عن هدم الأضرحة، أو قيام البعض مبكرين بهدمها فعلاً ولما يصلوا بعد إلى الحكم (فكيف إذا وصلوا؟)، وحين يتحدثون عن تطبيق الأحكام لا المبادئ فقط. ومع ذلك لا يجوز أن يخيفنا كل هذا، وما يطمئننى أن فى رموز الإخوان والسلفيين رجالاً يستطيعون التمييز بين مقتضيات العصر القديمة ومقتضيات العصور الحديثة، ولديهم القدرة على فهم صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان. على أن الضمان الكامل والحقيقى هو الشريعة الإسلامية ذاتها، والتى تقوم على أسس فى التطبيق إن رُوعيت تمنع الانحراف أو المغالاة؛ فتطبيق الشريعة يقوم على محورين: 1- الوحى، ممثلاً فى النصوص القطعية التى لا تقبل التأويل، وذلك فى المسائل الثابتة عبر الزمان والمكان؛ فالأحكام بدورها ثابتة فى هذه المسائل كالعقائد، لا تقبل الاجتهاد، وبعد هذا ثمة نصوص عامة تمثل مبادئ عامة ترسى مقاصد للتشريع مثل قوله تعالى: «إن الله يأمر بالعدل»، فالأمر هنا متمثل فى مقصد للتشريع. وهذا النوع من النصوص يؤدى دوراً يتحقق فى المبادئ الكلية للشريعة والهدايات التى توجه العقل، وتجعل المشرع يدور فى إطارها الواسع لاختيار أنسب السبل لتحقيق العدل أو تحقيق المصلحة، دون ارتباطٍ أو تقيدٍ بحكمٍ ما كان موجوداً فى عصور ماضية، حيث للمشرع أن يتجاوز الوسيلة التى كانت تحقق العدل فى زمن مضى إلى وسيلة أخرى. والنوعان من الوحى سواءً كان قطعى الدلالة أو ظنى الدلالة لا يستقل كل منهما أو هما معاً بالتشريع بل يسلمان المشرع إلى العقل. 2- العقل، وهو المصدر الثانى للتشريع المتمثل فى القياس. وهنا تبدو الشريعة الإسلامية على أكمل وجوه المرونة. فالقياس بمصادره من الاستحسان والمصالح المرسلة يكشف عن الدور البشرى المدنى الذى يقوم عليه الفقه الإسلامى، فالعقل فى عملية القياس يستفيد من الخبرة الإنسانية بجميع مصادرها، حتى إن كانت غير إسلامية. فالرسول نفسه استفاد من الخبرة البشرية الفارسية فى غزوة الخندق، و«عمر بن الخطاب» استفاد من النظام الإدارى فى الإمبراطورية الفارسية. إنها شريعة العقل بامتياز، مضافاً إليه هدايات الوحى ومعالمه العامة، خاصةً أن النصوص تتناهى والحوادث لا تتناهى، مما يستوجب إعمال العقل فى الأمور الدنيوية وقد قال رسولنا الكريم: «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، وقال أيضاً: «إذا جئتكم بشىء من عند الله فخذوه، وإذا جئتكم بشىء من عندى، فإنما أنا بشر».