مظاهرة شارك فيها عدد من المحامين أمام دار القضاء العالى أمس، تعبيراً عن رفضهم لقانون القيمة المضافة، الذى وافق عليه مجلس النواب، وصدّق على تطبيقه رئيس الجمهورية. بمقاييس الوقت المظاهرة كبيرة، وبمقاييس التجربة التى عاشها المصريون بعد ثورة 25 يناير المظاهرة محدودة، لكنها فى كل الأحوال خطوة فارقة فى علاقة النظام السياسى الحالى ببعض فئات المجتمع المصرى التى بدأت شكاواها من الغلاء تتحول إلى أفعال احتجاجية على الأرض. ينتمى المحامون فى أغلبهم إلى الطبقة الوسطى، بشرائحها المختلفة (الدنيا والمتوسطة والعليا)، قليل منهم يسكنون أعلى الطبقة، وكثرة تقبع فى المنطقة الوسط، أما الغالبية فترقد فى الشريحة الدنيا، ومثل المحامين فى ذلك كمثل الأطباء والمهندسين والضباط وأساتذة الجامعات وغيرهم من قطاعات الطبقة الوسطى. لا بأس، فتلك طبائع الأشياء، لكنّ ثمة جديداً طرأ على حياة هذه الفئات جميعها، جراء الغلاء، إذ بدأت كل شريحة تتراجع إلى الشريحة التالية لها، فوقع قطاع لا بأس منهم فى براثن الفقر، ومن لم يقع حتى الآن يوشك على الوقوع!. فموجات الغلاء تتوالى، وكل يوم يجدّ فيه جديد، بدءاً من التفكير فى زيادة تكلفة فواتير خدمات الكهرباء والمياه والغاز وخلافه من جديد، ومروراً بالكلام عن خفض الجنيه من جديد، أو تعويمه أمام الدولار، وهو أمر بات وشيكاً، يشهد على ذلك تصريحات العديد من المسئولين، التى لا تتوقف عن الحديث عن هذا الموضوع، وانتهاءً بما هو متوقع من زيادة فى أسعار السولار والبنزين نتيجة خفض دعم المشتقات البترولية خلال السنة المالية الحالية (2016/ 2017). فى سياق هذه الأوضاع يمكن أن نفهم التحرك الأخير للمحامين، كقطاع من قطاعات الطبقة الوسطى، ضد حالة الغلاء التى تجتاح الشارع، فقد ذكرت لك غير مرة أن الطبقة الوسطى هى الأكثر تضرراً من الإجراءات التى تنتهجها الحكومة، فى إطار ما يسمى ببرنامجها للإصلاح الاقتصادى، فهى تدفع النصيب الأكبر من فاتورة الغلاء فى المطعم والمأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج والسفر ورسوم الخدمات وغير ذلك، ولا يمنع هذا أيضاً من وقوع الكثير من الأضرار على أفراد الطبقة الفقيرة، خصوصاً أن الغلاء أصبح يمس سلعاً أساسية يستخدمها الجميع، مثل السكر والأرز والزيت وخلافه. والسؤال: هل من الممكن أن يتمدد هذا الحراك ليشمل قطاعات جديدة من أبناء الطبقة الوسطى، غير المحامين. المسألة فى كل الأحوال رهن بالقدرة على التحمل وحسابات المكسب والخسارة، بمعنى أن كثيرين يتململون من الضغوط المعيشية التى يعانون منها، وليس لديهم أمل فى أن تخف هذه الضغوط مستقبلياً، بل لديهم توقع بأن تزيد، لكنهم فى المقابل يعانون قدراً كبيراً من اليأس من فكرة التغيير. فلا خلاف على أن أبناء الطبقة الوسطى مثلوا المحرك الأول لثورتى يناير ويونيو، وفى المرتين ازدادت حياتهم تعقيداً، وبالتالى فالرهان على جديد فى مسألة التغيير أمر يلفه اليأس. المصرى دائماً ما يردد «الأعور خير من الأعمى»، لكن يبقى أن لكل شىء حدوداً، فتيئيس الناس من القدرة على العيش قد يدفعهم فى لحظة إلى تبنى تلك النظرية الشهيرة للمصريين: «ضربوا الأعور على عينه.. قال خسرانة خسرانة»!.