تسعى الحكومة المصرية إلى إحداث روابط اقتصادية وتجارية مع الحكومة العراقية، لكي لا تتأثر العلاقات بين البلدين بالتوترات السياسية التي قد تحدث بين الحين والأخر. وقال الدكتور إبراهيم نوار، المتحدث باسم وزارة التجارة والصناعة المصرية، أن هناك اتفاقاً مشتركاً بين الجانبين المصري والعراقي على زيادة التعاون بين البلدين، متوقعاً زيادة المعاملات التجارية بين الطرفين، خاصة بعد أن يتم تشكيل مجلس الأعمال المشترك بين البلدين الذي سيجتمع خلال الفترة المقبلة بعد تشكيل الجانب العراقي. واعتبر نوار أن الزيارة التي قام بها وفد مصري، يعد الأعلى مستوى منذ عقود، ويرأسه رئيس الوزراء، هشام قنديل، وستة وزراء أخرين، زيارة ناجحة وحققت كافة الأهداف. وقال إن زيادة التعاون التجاري وتشكيل مجلس أعمال البلدين سيلعب دوراً قوياً لخلق شبكة مصالح مشتركة بينهما، حتى لا تتأثر العلاقات الاقتصادية بالتوترات السياسية. واتفق الجانبان العراقي والمصري على تشكيل مجلس أعمال مشترك سعياً لتحديد منطقة صناعية مشتركة في مجال الإعمار والبناء والصناعات المختلفة وتوفير العمالة المدربة. وفيما يتعلق بالمستحقات المالية على الحكومة العراقية للجانب المصري، قال نوار: "هناك ديون عسكرية وديون المصريين الذين عملوا في العراق وفوائد تلك الديون، ولا توجد خلافات على أصل الدين، وتم الاتفاق على آلية لتسوية بقية المشاكل المتعلقة بفوائد تلك الديون، هناك تفاهم تام بين الطرفين في هذا الأمر". وأضاف نوار: تم الاتفاق على صادرات نفطية عراقية إلى مصر، قد يكون هناك اتفاق للحصول على النفط مقابل تلك الديون، تلك المسألة لم تتضح بعد. ووافقت العراق على إمداد مصر بأربعة ملايين برميل من النفط شهرياً، وطلبت مصر مد خط أنابيب من العراق إلى الأردن ثم إلى مصر لكي يتم تكرير البترول العراقي في مصر ويصل قيمة إنشاء هذا الخط، بحسب مسئولي الحكومة المصرية، إلى ما يقارب 17 مليار دولار، وسيساهم ذلك في توفير حوالي 4 آلاف طن سولار لسد جزء من الفجوة بين إنتاج مصر من السولار الذي يبلغ 22 ألف طن يومياً، والاستهلاك الذى يصل إلى 35 ألف طن. وقال نوار: كانت هناك مسائل عالقة وغير مبررة من الجانب العراقي، مثل حظر صادرات الألبان المصرية إلى العراق، وهو الأمر الذى تسبب في خسائر كبيرة لشركات الألبان المصرية، وتم تسوية تلك المسألة خلال الزيارة. ووافقت الحكومة العراقية على رفع الحظر المفروض على الصادرات المصرية من منتجات الألبان والتي بلغت قيمتها عام 2011 نحو 80 مليون دولار قبل الحظر. ويخشى البعض أن تكون التسهيلات الممنوحة من الحكومة العراقية للحكومة المصرية في هذا التوقيت، هي محاولة من حكومة نور المالكي لإحتواء غضب السنة العراقيين، من خلال التقرب إلى مصر التي تعتبر أكبر دولة سنية في المنطقة، أو قد تكون العراق محطة وسط للتقارب المصري الإيراني، وأن تكون تلك التسهيلات الأخيرة ما هي إلا تسهيلات إيرانية غير مباشرة. إلا أن نوار يرى أن تلك الزيارة قد لا يكون لها أي بعد سياسي، فهي بمثابة محاولة مصرية عراقية لإعادة العلاقات التجارية المصرية العراقية إلى ما كانت عليه قبل عام 1990. وأضاف: "إن العراق كانت أكبر شريك تجاري لمصر قبل عام 1990، اليوم التجارة المشتركة بين البلدين أقل من 600 مليون دولار وهو مستوى "هزيل" بالنسبة لبلد يعاد بنائها بالكامل كالعراق، وبالنسبة لمصر التي كانت شريك تجاري هام لها، فالطرفان حريصان على إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه". وقال: "لا أعتقد أن يكون هناك تدخلات من قبل دول لتحسين العلاقات بين البلدين، فكلا البلدين يهتمان بعودة الاستقرار في المنطقة، فالزيارة كانت طبيعتها اقتصادية إلى حد كبير، رغم وجود وزير الخارجية مع الوفد، إلا أن أهميتها الاقتصادية أثقل من الجانب السياسي. ووعدت العراق مصر، بتقديم تسهيلات إلى رجال الأعمال، وتشجيع حركة السياحة بين البلدين، بالإضافة إلى تشجيع العمالة المصرية على العمل في العراق، خصوصا في مجال التعليم والتشييد. ونفى تلك الشكوك أيضاً السفير إبراهيم يسري، مساعد وزير الخارجية ومدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية الأسبق، وقال: "لا أعتقد أن يكون هناك تقارب سياسي في نظري، الحكومة الحالية تبحث عن موارد جديدة فقط، وهي الآن ليست مهيأة للدخول في تفاهمات سياسية". وأضاف: "إن رئيس الوزراء العراقي قد يسعى إلى استغلال الزيارة لتحقيق تقارب سياسي بإعطائهم تسهيلات وتحقيق تقارب اقتصادي، أما بالنسبة لمصر، فلا أعتقد أن تكون تلك الزيارة غرضها تحقيق تقارب سياسي". ويري يسري أن مصر تسعى إلى أن تكون هناك تفاهمات اقتصادية تمثل نقطة ارتكاز تخلق من خلالها مصالح بين البلدين تكون أقوى من أي خلافات سياسية. وقال السفير جمال بيومي، رئيس اتحاد المستثمرين العرب، إن مصر تسعى خلال تلك الفترة إلى إحداث التقارب الاقتصادي مع كل البلدان خاصة العربية، بغض النظر عن الخلافات السياسية، فهذا ليس ضمن أولويات مصر الآن التي تواجه مشاكل داخلية قد يكون ترميم الاقتصاد بداية لحلها، فالحديث عن تفاهمات سياسية مع دول قد يكون أمر لاحق بعد هدوء الأوضاع في الشارع. وأضاف أن على العراق سداد مديونياته لمصر سواء الحوالات الصفراء الخاصة بالعاملين المصريين حيث تصر العراق على دفع أصل المبلغ وليس القيمة الحقيقية له، بالإضافة إلى أن العراق تدين لمصر بمبالغ كبيرة منذ عام 1983 أثناء الحرب العراقية الإيرانية، حيث كانت بعض الدول ترفض بيع الأسلحة للعراق وكانت مصر تشترى الأسلحة وتزود العراق بها. وأوضح بيومي أن التعاون الاقتصادي بين العراق ومصر سيكون قوة اقتصادية كبرى في المنطقة.