كل الحكاية لسان مخبوء داخل فم، والفم جزء من الوجه، والوجه منحوت، والنحت يُبرز تفاصيله حادة مدببة، تشى بصرامة وقوة، تذوب على الفور ما إن يبدأ اللسان فى الحركة، ينطلق فى سرعة خاطفة فيصيب الهدف، ويعود بلهفة إلى مخبئه، يرتسم على الوجه تعبير ساخر، يظهر بوضوح فى جانب الفم المائل قليلاً لأسفل، والحاجب الكثيف المرفوع كثيراً لأعلى، يتحول الوجه الساخر، واللسان الحاد بلثغته الواضحة إلى ماركة مسجلة، حقوقها محفوظة لجراح القلب الشاب ذى الأعوام التسعة والثلاثين، الذى يعرفه الناس فى بر مصر باسم «باسم يوسف». من وسط غبار ثورة 25 يناير أطل «باسم» على الجماهير للمرة الأولى، ظهر لخمس دقائق فقط على موقع «يوتيوب» من خلال عرض ساخر تناول فيه دعوات معارضى الثورة بإخلاء ميدان التحرير قبل تنحى الرئيس السابق مبارك، عرض الطبيب الشاب مقاطع فيديو للمعارضين متبوعة بتعليقاته الساخرة، وكانت المفاجأة أن حققت الدقائق الخمس نسبة مشاهدة عالية على موقع الإنترنت، كانت دافعاً، على ما يبدو، لأن يواصل «باسم» تقديم عروضه الساخرة القصيرة. مثل الحجر فى مياه الحياة الراكدة جاء «البرنامج»، رسالته كانت السخرية من كل الأحداث غير المنطقية التى راحت تجرى على أرض مصر منذ انتهاء الثورة حتى الآن، حالة أشبه بالجنون سيطرت على أداء بعض السياسيين والتنفيذيين والشخصيات العامة، ولأن الجنون لا يمكن مواجهته سوى بجنون مماثل، حقق «البرنامج» جماهيرية واسعة، لا يفل الجنون إلا الجنون، ولا سبيل لمعالجة اللامنطقية سوى السخرية منها. عبر «البرنامج»، يتحول باسم يوسف إلى شخصية جماهيرية، يتابعه على موقع «تويتر» ما يقرب من 700 ألف شخص، ويشاهد برنامجه على «يوتيوب» ملايين المشاهدين، يستضيفه مقدم البرامج الأمريكى جون استيورات على فضائية «سى إن إن»، وتجرى الصحف العالمية عنه تقارير تقول فيها إنه «أشجع إعلامى مصرى»، ينتقل من شاشة لأخرى ببرنامجه، ويحصل فى النهاية على مسرح حقيقى يسجل فيه برنامجه وسط جماهير حقيقية، يتخللهم نجوم فى الغناء والتمثيل والإعلام سعوا لحضور تسجيل البرنامج، تنفجر ضحكات المتابعين داخل المسرح وخارجه على المقاهى وفى المنازل وقت عرض البرنامج، ليس أصعب من أن تُضحك بالسخرية شعباً ساخراً بطبعه، تعوّد على السخرية من كل شىء، سلاحه النكتة، وعدته اللسان «لا فى يده سيف، ولا تحت منه فرس».