يعيد اليسار المصرى تنظيم صفوفه الآن فى إطار استعداده لتطوير قدراته التنظيمية والسياسية والجماهيرية بما يمكنه من التحول إلى قوة جماهيرية قادرة على القيام بدورها كطرف أساسى فى الصراع الدائر حول مستقبل مصر، وتحديد أبعاد هذا المستقبل انطلاقاً من أهداف ثورة 25 يناير (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية). ولا يخفى على أحد أن هذه الشعارات الأربعة ذات طابع يسارى وديمقراطى، خاصة أن القوى الأساسية التى فجرت الثورة كانت تضم فى صفوفها قوى يسارية عديدة. وفى ظل معاناة المصريين من الفقر والبطالة وتهميش فئات واسعة من السكان لا يمكن أن يتشكل مستقبل مصر بعيداً عن دولة ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية، دولة قادرة على تبنى سياسات التنمية المعتمدة على النفس، تنمية إنسانية عمادها تطوير قدرات البشر باعتبارهم الثروة الحقيقية لمصر. ولا يمكن أن تبنى هذه الدولة فى غيبة دور فاعل لليسار المصرى. ولكن هذا الدور يتطلب جهداً شاقاً من كل أحزاب ومنظمات اليسار لإعادة البناء وطرح رؤية سياسية وبرنامج محدد لمستقبل البلاد فى مواجهة رؤى القوى السياسية الأخرى، وكسب عضوية جديدة واسعة النطاق وخاصة من الأجيال الجديدة التى تقود حالياً النضال ضد قوى الثورة المضادة، وتدفع فى اتجاه مواصلة عملية التغيير وصولاً إلى الهدف ببناء دولة ديمقراطية عادلة. من أهم مظاهر إعادة البناء فى صفوف اليسار تأسيس أحزاب يسارية جديدة مثل حزب التحالف الشعبى الاشتراكى الذى يضم طيفاً واسعاً من اليساريين من منابع فكرية ورؤى سياسية ومدارس تنظيمية متنوعة، ولهذا فإن الحزب يقوم على أساس احترام تعدد التوجهات السياسية داخله ويبحث عن صيغة مناسبة لتأكيد هذا المبدأ فى بنائه التنظيمى وحياته الداخلية. وهناك أيضاً الحزب الاشتراكى المصرى الذى يضم عدداً لا بأس به من قيادات اليسار فى جيل السبعينات أولئك الذين قادوا الانتفاضة الطلابية وتصدوا لسياسات الانفتاح الاقتصادى والتبعية للولايات المتحدة والصلح المنفرد مع إسرائيل، وقاوموا مظاهر الاستبداد والديكتاتورية والاستغلال الرأسمالى والظلم الاجتماعى، ولدى هذا الحزب كوادر ذات خبرات جماهيرية وفكرية لها أهميتها فى النضال السياسى الراهن، وهناك أيضاً حزب العمال والفلاحين الذى يتميز فى الساحة بالإصرار على مواصلة النضال الثورى من أجل تحقيق أهداف ثورة 25 يناير كاملة، يضاف إلى هذا العديد من الجماعات اليسارية التى تنشط فى مواقع مختلفة وفى ظل شعارات متنوعة. ويدخل فى سياق إعادة البناء فى صفوف اليسار وإعادة تنظيم قوى اليسار لأوضاعها انعقاد المؤتمر العام السابع لحزب التجمع الوطنى التقدمى يوم الأربعاء 27 فبراير الماضى وانتخاب قيادة جديدة للحزب من الأجيال الأصغر سناً (اللجنة المركزية - المكتب السياسى - الأمانة العامة - الأمين العام - رئيس الحزب). كما أن حزب التحالف الشعبى الاشتراكى سيعقد مؤتمره العام الأول يوم 15 مارس الجارى ويستكمل بذلك هيكله القيادى وينتخب الهيئات القيادية المركزية ليتهيأ بذلك للدخول فى مرحلة أرقى فى نضاله السياسى ويواصل دوره الثورى. كما أن عملية إعادة ترتيب الصفوف شملت مشاركة قطاع من الاشتراكيين الثوريين وهم أعضاء تيار التجديد الاشتراكى فى بناء حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، وكذلك المناقشات الجارية بين حزب التحالف والحزب الاشتراكى المصرى لتوحيد الحزبين، وربما تمتد هذه العملية إلى أحزاب يسارية أخرى. لأنه كما أوضحنا فإن اليسار لا يمكن أن يكون طرفاً أساسياً فى الصراع الدائر حول مستقبل البلاد ما لم يكن قوة جماهيرية موحدة. وليس هناك مبرر لاستمرار تشرذم اليسار فى جماعات متعددة لا تختلف كثيراً فى رؤيتها السياسية. إن المبرر الوحيد للتعددية فى صفوف اليسار هو الاختلاف الجوهرى فكرياً وسياسياً، وما عدا ذلك هو تفريط فى حق الشعب المصرى يحرمه من الطرف الأقدر على الدفاع عن مصالحه الأساسية وهو اليسار المصرى. وإذا تمت الوحدة فى صفوف اليسار يمكن عندها توثيق علاقات النضال المشترك مع النقابات العمالية المستقلة واتحاد الفلاحين المصريين ونقابات الفلاحين والصيادين واتحاد أصحاب المعاشات والمنظمات الجماهيرية والشعبية مثل حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير. وبهذا يمكن قيام تحالف يسارى شعبى عريض قادر على المشاركة الفعالة فى صياغة مستقبل البلاد، وضمان التعبير عن مصالح الطبقات الكادحة وتحسين أحوالها المعيشية. وأخيراً فإن عملية إعادة ترتيب أوضاع اليسار المصرى تتضمن تولى جيل جديد زمام القيادة فى تنظيماته السياسية ورحيل الجيل الذى قاد هذه المنظمات منذ بداية السبعينات حتى الآن. وهذا التجديد سوف يدفع بدماء جديدة فى شرايين اليسار تمنحه قدرات نضالية أكبر بمشاركة الشباب فى قياداته الجديدة.