بلغ حجم عمالة الأطفال فى مصر وفق تقديرات منظمة العمل الدولية، 2.2 مليون طفل، بحسب ما قال يوسف القيروطى، مدير المنظمة، الذى دعا اتحاد النقابات العمالية للقيام بدوره الحقيقى لحماية حقوق العمال، لافتا إلى أن برامج التأمين الاجتماعى فى مصر من أكثر دول العالم تكلفة ويجب على الحكومة المصرية الالتفات لذلك إذا أرادت العدالة الاجتماعية، مشيراً إلى وجود خلل فى شروط ومنظومة العمل فى الدول العربية، رصده تقرير للأمم المتحدة التى حذرت من أنه سيكون هناك 190 مليون عامل من الأطفال خلال فترة الأعوام الثمانية المقبلة والأسوأ هو أنه فى أكثر مناطق العالم فقرا سوف تزداد هذه الأرقام، وهو ما لا نشك فيه بحسب ما نراه من إنجازات الحكومة الحالية التى يخرج مئات الآلاف وأحياناً الملايين من المواطنين يومياً للإشادة بها وباليوم الذى كتب الله علينا أن تحكمنا فيه. يفرك عبدالرحمن عينيه من آثار النوم، ويقوم عن سريره فى غير اتزان، كغيره من الأطفال صغار السن سيبدأ يومه مبكراً جداً، قبل التاسعة صباحاً، يتذكر الطفل الذى لم يبلغ العاشرة من عمره حلم الأمس، حلم طفولى يحصل فيه على ما يريد، يذهب إلى المدرسة فى غير عنت أو امتناع، حتى يوقظه أبوه الملتحى فى رفق «عبدالرحمن، ، قوم يا بنى ورانا شغل». لا يجد أبوعبدالرحمن مفراً من الدفع بابنه الصغير إلى سوق العمل على حداثة سنه، خصوصاً مع الأوضاع الاقتصادية التى تزيد الأعباء على الأب.. يتجه عبدالرحمن مع أبيه إلى سور الأزبكية حيث يبيعان «مسابح وطواقى» وفى سور الأزبكية يتشارك الأب والابن سوياً فى البيع والشراء ووجبات الغداء والهرب من «البلدية» التى تقوم بجولاتها بين الحين والآخر فيروغ عبدالرحمن بحمل ما تستطيع يداه الصغيرتان حمله والاختباء به فى المسجد المجاور. يعمل عبدالرحمن ناصف فى منطقة سور الأزبكية مع والده منذ عامين أو يزيد، دون أن ينقطع عن دراسته فى الصف الرابع الابتدائى الأزهرى «لازم أساعد أبويا، علشان لو احتاج منى حاجة فى أى وقت يلاقينى جنبه، والمدرسة آدينى بروحها أيام الامتحانات، وبحاول أتم حفظ القرآن»، يقول عبدالرحمن ناصف إن أكثر ما يعانيه فى عمله بين الباعة الجائلين فى سور الأزبكية «البلطجية اللى بيتخانقوا معانا من وقت للتانى، وأحيانا بتحصل مشاكل كبيرة لكن بنحاول نبعد عن المشاكل علشان نقدر نشتغل». بين الحين والآخر يشتبك الأطفال ببعضهم، أو يتعدى الباعة الأكبر سناً على من هم أصغر، يقول الطفل محمد جابر ذو ال12 سنة: «فى السابق كنت أعمل فى ورشة للخراطة فى مكان بعيد عن بيتى بمحافظة قنا، وخلال عملى فى الورشة كنت أتعرض للضرب والمضايقات، الأمر الذى دفعنى لترك العمل فى الورشة، وسافرت بعدها لبورسعيد للعمل هناك حتى بدأت الأحداث تتأزم فاضطررت للسفر إلى القاهرة للعمل مع أبناء عمى فى بيع الملابس». فى شارع متخم بفرش بائعى الملابس وأصوات الباعة الساعين لجذب المارة فى شارع الغورية إلى بضاعتهم رخيصة الثمن من ملابس وأدوات منزلية وأوان وأكواب فخارية، يقف أيمن فتحى، بائع الملابس ثلاثينى العمر، محاطاً بثلاثة من أقربائه وإخوته يساعدونه فى العمل، أيمن يقول «غلو كل شىء يضطرنا لإخراج أبنائنا من المدارس، لأننا فى ظل غلاء أسعار المأكل والمشرب والكهرباء والمياه لا نجد لدينا ما ننفقه على تعليم أولادنا، الأهالى معذورة، أنا مثلاً عندى أسرة كبيرة تحتاج فوق التزاماتها إلى ألف جنيه شهرياً لعلاج أخ أصغر معاق». وفد كريم إبراهيم، 14 سنة، من محافظة أسيوط للعمل مع أبيه فى بيع الملابس قبل اقتراب موعد الامتحانات «مش محتاج أضيع وقت، لأن أبويا محتاجنى دايما فى الشغل، والشغل أحسن من اللعب والفسح لأنه بيجيب فلوس إنما القعدة فى أسيوط ملهاش فايدة» يقول كريم، الطفل الذى يكتفى بيوم الأحد يوم إجازته للّعب بينما يلزم فرش أبيه يومياً خلال العمل من التاسعة صباحاً، وحتى المساء. مصطفى صابر له نفس عمر كريم إبراهيم، صديقه فى العمل، لكنه أكثر خبرة حيث يقول: «بقالى 7 سنين فى الشغل، فى البداية كنت بسرح بأطقم بلاستيك، وبعدين بقيت بقف على فرش ملابس»، بحكم خبرته الطويلة التى تمتد إلى سبع سنوات يدرك مصطفى صابر طبيعة الاختلاف الذى طرأ على السوق «زمان كانت الأمور أفضل، كان فيه فلوس والناس كانت بتشترى كتير، دلوقتى الشراء قلّ.. الناس مبقاش معاها القرش». اكتفى مصطفى بالذهاب إلى المدرسة فى أوقات الامتحانات «شغلى فى السوق أهم بالنسبة لى، لأنى من خلاله بجيب القرش، علشان كدة فأنا مش شاطر فى المدرسة أوى لأنى عندى شغل باستمرار» يقول مصطفى مقتنعاً بحتمية الالتزام والانتظام فى العمل وراضياً عن الانقطاع عن التعليم. وسط الصحون المليئة بالحلى المشكلة على الطراز الإسلامى، جلس محمد عصام، ذو ال16 عاماً، أمام دكان أبيه الموجود بشارع خان الخليلى وقد أراح على فخذيه صحنا كبيرا مملوءا بعشرات السلاسل النحاسية، فتكاد تخفيه الصحون من حوله بسبب صغر حجمه. يحضر محمد الطالب فى الصف الثانى الثانوى الصناعى، يومياً قبل الظهر إلى محل والده فى شارع خان الخليلى لمعاونته فى العمل بترتيب الحُلى لعرضها بشكل يجذب المارة من المصريين والأجانب، فيتقاضى محمد بذلك مقابلاً مادياً بسيطاً «أساعد والدى فى شغله، بدلاً من ضياع الوقت فى اللعب، والهدف من مساعدة أبى فى عمله رغبتى فى شراء دراجة بخارية «فيسبا» لأننى أحب قيادتها، وكذلك أوفر على أبى أجرا أكبر كان سيدفعه لغريب لو عمل معه» يقول محمد. يوضح حسين سليمان، 65 سنة صاحب الدكان المجاور لمحمد، الأسباب التى تدفع بأصحاب الحوانيت والدكاكين فى منطقة خان الخليلى لإحضار أبنائهم الصغار إلى العمل فى سن مبكرة فيقول: «لا توجد سياحة فى البلد، ولا يوجد مصدر رزق لنا جيد كما كان فى السابق، فقبل الثورة كان كل واحد منا يبيع 15 أو 20 حلية، أما اليوم فلا يوجد زبون واحد، ويزيد طيننا بلة عندما تزيد الأسعار فى ظل السياحة الغائبة» هكذا يدفع البائعون والعاملون فى خان الخليلى بأبنائهم لمساعدتهم فى أعمالهم وتوفير بعض المال الذى قد يدفعونه مقابل استئجار غرباء للعمل فى دكاكينهم. «لما بتيجى البلدية بنجرى منها أنا وأبويا وباقى البياعين وبنستخبى منهم فى الجامع، بس ساعات بيدخلوا ورانا ياخدوا البضاعة ويشتمونا» بتلك الكلمات يذكر عبدالرحمن ناصف، ذو العشرة أعوام، رد فعله وقتما يرد إليه أن البلدية على وصول إلى منطقة سور الأزبكية التى يبيعون فيها مسابح وطواقٍ. إسلام ناصر، 16 سنة، يحاول أن يؤسس نفسه بعمله فى إحدى ورش الميكانيكا فى بين السرايات: «شغلى فى الورشة بدأ من خمسة أو ستة أشهر، وأحاول خلال الشغل أن أتعلم الصنعة جيداً، لأننى فى المرحلة الثانوية الصناعية قسم ميكانيكا، ويقولون إن العمل منذ سن مبكرة أفضل بكثير من البداية المتأخرة للعمل فى ورش الميكانيكا». يساهم إسلام، صبى الميكانيكى، فى مصاريف المنزل، وفى الوقت ذاته يتكفل بمصاريفه الشخصية فى الدراسة «الشغل زى ما هو تعليم صنعة هو فى الوقت نفسه فلوس وقرش بيخلينى أقدر أشيل نفسى، ومعتمدش على البيت فى كل شىء فأخفف عليهم الحمل». فى عالم مختلف عن عالم «ورش الميكانيكا»، يتشارك زياد عادل، 13 سنة، مع أخويه اللذين يكبرانه سناً فى الإنفاق على المنزل من خلال العمل فى ورشة لصناعة الأثاث، يقول زياد «لم أترك المدرسة رغم عملى فى نجارة الأثاث الإسلامى، ويساعدنى أخى الأكبر الأسطى وليد فى الحصول على خبرة أكبر فى العمل، وكان لا بد أن أعمل أنا وأخويا الأكبر منى سناً لأننا من يعول البيت، وعملى يضمن لى خبرة أكبر خلال الفترة المقبلة». وليد عادل، الأخ الأكبر لزياد، يعلل الدفع بنفسه منذ سن مبكرة وبأخويه الأصغر منه إلى العمل بالورشة إلى الظروف الأسرية الخاصة «المعيشة أصبحت أصعب من ذى قبل، وكل الأسعار فى زيادة ولأننا من يتكفل بالجانب الأكبر من مصروفات المنزل فكان لا بد أن نعمل».