بمجرد أن تترجل من السيارة وتطأ قدماك أرض منطقة الملف بشبرا الخيمة ترى وتتنامى لمسامعك أصوات بائعى الفاكهة والمنتجات المختلفة، يفترشون الطرقات الضيقة التى تخترق الكتل السكنية المتلاحمة على طول المنطقة.. تسأل عن بائعة الخبز التى لقيت حتفها بطلقة خرطوش فى منطقة الملف ليبادرك أحد الشباب سائلاً «إنت حكومة..؟». «شفيقة عفيفى السيد» 46 سنة.. أم ل5 أبناء «محمد، ورامى، وسهام، ورحمة، وحبيبة»، تزوجت 3 مرات وانفصلت عن أزواجها عدا الأخير «أبوربيع» الذى تزوجت منه قبل عامين. «شفيقة» كانت تستيقظ صباح كل يوم تنتظر موزعى الخبز لتحصل على حصتها التى تقتات من بيعها على «ترابيزة» متهالكة على بعد خطوات من منزلها بشارع على بلحة، كانت «شفيقة» تستخدم بطانية خفيفة لتغطى بها بضاعتها، دون أن تعلم أن المارة سيحتاجون تلك البطانية ليغطوا وجهها بعد أن لقيت حتفها برصاصة طائشة إثر مشاجرة بالأسلحة النارية بشارع على بلحة بين مسجل خطر يُدعى «هيما أنبوبة» وصاحب محل تأجير دراجات بخارية، حيث اخترقت طلقة طائشة جانبها الأيسر لترديها قتيلة فى الحال.. تسكن المجنى عليها وأبناؤها فى شقة بالإيجار لا تتجاوز مساحتها 35 متراً، وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الآدمية الكريمة فلا توجد بها مياه ولا كهرباء إلا مصباح بسيط موصل بأسلاك الضغط العالى التى تمر أعلى المنزل. أسرة المجنى عليها بسيطة لا تملك من حطام الدنيا شيئاً، وأسمى أمانيهم هو ستر البنات بعد وفاة والدتهم. «أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. أنا راضية بقضائك يا رب.. خلوا العيال ياخدوا بالهم من بعض.. ومتخلوش حد يصوّت عليّا» تلك آخر كلمات المجنى عليها بحسب ما ترويه نجلتها «سهام» 22 سنة.. وتقول «الله يرحمك يا حبيبتى كان نفسى تكونى معانا أنا والله محتاجالك.. دى كانت بتحوش الفلوس بتاعت العيش عشان تشترى جهازى».. وأضافت أنها كانت بمثابة صديقتها وأنهما اعتادتا على المزاح معاً، وتشارك كلتاهما الأخرى همومها.. «أنا بروح أشتغل فى مصنع عشان أساعد أمى فى البيت والمصاريف، وكل يوم لما أطلع على شغلى أضحك معاها وتدعيلى ربنا يسترها معايا، ولما أرجع من الشغل أتصل بيها عشان تحضرلى العشا وممكن تنزل بالليل عشان تجيبلى أكل، وقبل النوم تسألنى عن يومى كان عامل إزاى». «سهام» تواصل حديثها موضحةً أنها ودعت والدتها الساعة 9 من صباح يوم الحادث 10 فبراير الجارى بعد وصلة مزاح معتادة بينهما، وتوجهت إلى مكان عملها، أثناء مرورها بكوبرى عرابى تلقت اتصالاً من إحدى جاراتها تخبرها أن مشاجرة نشبت بالقرب من منزلهم، وأن والدتها أصيبت بطلق نارى وفارقت الحياة، وتقول «أنا ماصدقتش.. دا أنا لسه سايباها ونزلت من الأتوبيس وجريت على البيت وفى الطريق كلمت خالتى راندا وقالتلى أن أمى متعورة بس ولما وصلت البيت تأكدت أنها ماتت ورحت شفتها فى تلاجة مستشفى ناصر متغطية ببطانية العيش».. «أمى خدت قرض عشان تجيب تلاجة وتكمل باقى الجهاز بتاعى.. ودخلت جمعية عشان تجيب بوتاجاز وتوصل المية فى البيت بس مالحقتش».. سهام تنهى حديثها «أمى كانت عايزة تفرح بيا.. ومنه لله اللى قتلها وحرمنى منها أنا عايزة المسئولين يجيبوا حقها وحقنا». «أنا كلمتها قبل ماتتقتل بربع ساعة وكانت بتترجانى ماتأخرش عليها كأنها حاسة أنها هتموت» تقول راندا شقيقة المجنى عليها.. عديت على الجامع وحضرت درس قرآن وأنا رايحة كلمتنى جارتنا وقالتلى على الخبر.. شفناها فى المستشفى بعد التشريح كأنها مدبوحة إحنا أول مرة نعرف الطب الشرعى صعب أوى كده.. والله كنا بنحبها وكانت حنينة أوى معانا واعتبرناها أمنا وآخر مرة شوفتها كانت فى بيت والدنا فى الزاوية الحمراء وكانت لابسة جلابية جديدة وقالتلنا أنها متوحشة أبوها اللى مات عشان كان حنين معاها».. فلوس الدنيا مش هتكفينا ولا تعوضنا عنها إحنا عايزين العدل والقصاص. أما «نادية» فتقول إنها كانت مع المجنى عليها «شفيقة» قبل 3 أيام من الحادث وأخبرتها بأنها ترغب فى نقل ملف صغيرتها «حبيبة» إلى إحدى المدارس بمنطقة الزاوية الحمراء لتكون قريبة من نادية وتعتنى بها خالتها وأكدت أن مطلبهم هو القصاص «عشان نارنا تبرد». أما «محمود عبدالهادى» 52 سنة، طليق المجنى عليها ووالد ابنتيها «حبيبة ورحمة» يقول «كانت كلها أخلاق وجدعنة.. وكل الصفات الحلوة فيها أنا طلقتها من 7 سنين وبرضو علاقتنا كانت كويسة ومراتى عزمتها أكتر من مرة وجاتنى البيت».. وأوضح محمود أنه تلقى اتصالاً من ابنة شقيقه التى تسكن بالقرب من منزل المجنى عليها وأخبرته بمقتلها.. «ماتت وهى بتاكل عيش وماتت مستورة بالبطانية بتاعت العيش.. دى حكمة ربنا».