سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ميراث "البنا" فى المحمودية: قرية انتخبت "شفيق" ومنزل غارق فى القمامة.. وسيرة لايعلمها أحد سائق «توك توك» يسأل: «هو حسن البنا دا قريب الريس؟».. والجيران: «وطوا صوتكم ما تجيبوش سيرة الإخوان.. هنا حاجة تانية»
غرفتان وصالة، لا تزال ملامحها تدل على بقايا منزل متهالك تصدع سقفه وأركانه، من أثر أكوام القمامة، قطط سوداء تجوب المكان المهجور، الذى لا يعرفه كثيرون، فهو عند الجيران «بيت الإخوان» ولدى المارة «أهو بيت مهجور صحابه ماتوا وماحدش عارف ورثتهم فين» ولدى التنظيم «أثر بعد عين». 1 شارع الثورة، المتفرع من شارع التحرير «حسن البنا سابقاً»، بقرية المحمودية، هنا منزل الإمام المؤسس لجماعة الإخوان، ومسقط رأسه، تدلك عليه إجابات أعضاء التنظيم فقط، بينما لاشىء يشير إلى أنه مكان مميز لدى غالبية أهالى المنطقة، فلا مدرسة تحمل اسمه، ولا مستشفى، اللهم إلا ذلك الشارع الذى تغير اسمه قبل سنوات طويلة، لينتهى ذكر البنا من مسقط رأسه نهائيا. «البنا والإخوان أمل الدنيا فى كل مكان». هتاف الإخوان لزعيمهم الروحى، تظل لا تفارق حناجرهم، لكن أحدا منهم لا يفكر فى زيارة أطلال منزل إمامهم الذى تحاصره أكوام القمامة المتراكمة لأعوام وأعوام، فلا أحد يتذكر منزله الذى عاش به أيامه الأولى فى البحيرة، فجل همهم الآن بناء المتاريس حول صرح «المقطم» المركز الرئيسى لمكتب الإرشاد وتدشين وتجهيز المقرات الجديدة بما يتلاءم والمكانة التى أصبحوا عليها والحفاظ على «نباتاتها» من المهاجمين والمندسين. الإمام الشهيد، الملهم، الداعية، المرشد الأول، ألقاب لن تسمع اسم البنا دونها إلا فى قريته، حيث تسأل عنه فيجيبك شاب من سكان المنطقة «مافيش حد فى البلد اسمه البنا ولا قصدك بتاع الحلويات؟» أجيب «لا، قصدى حسن البنا مرشد الإخوان»، يرد منزعجا «طب وطى صوتك ما تقوليش الكلام ده هنا». تدفعنى الجملة الأخيرة للاندهاش بلا شك «أوطى صوتى ليه ده الإخوان ماسكين البلد» يفاجئنى مجيبا «لأ، هنا حاجة تانية المحمودية صوتت لشفيق». تبدأ رحلة البحث عن بيت «الإمام» من أمام موقف المحمودية، يقلك «التوك توك» فى رحلة البحث عن حسن البنا مؤسس النظام الحاكم حاليا، ويوقظك من خيالك حول شخصية البنا التى أثرت فى مماته أكثر مما أثرت فى حياته، تساؤل سائق «التوك توك»: «هو حسن البنا ده قريب الريس ولا إيه؟»، عدم الرد لا يعنى التجاهل بل الإيجاب، يسترسل «طب ولما هو قريبه سايب بيته كده ليه؟ والنبى لو حد يعرف الورثة يقولهم ييجوا ينضفوا الزبالة اللى جابتلنا المرض دى». «حائط البنا» ما تبقى من منزل أسرة الفتى، حيث ولد وشب ليغير وجه التاريخ فى مصر، فقرر أهالى الحى أن يغلقوا باب البيت إلى الأبد «العيال كانوا بيدخلوا يعملوا حاجات تغضب ربنا فى بيت الإمام فقفلناه، وبنينا جدار بلا أبواب أو شبابيك». يقولها الحاج لطفى أبوشوشة تاجر القماش، وحفيد الإمام محمد أبوشوشة أحد معاصرى مؤسس الإخوان، ومعلمه الأول «لم يعد من جيل الإمام أحد على قيد الحياة، جميعهم رحلوا لكنهم تركوا لنا ميراثا سنظل نتذكره» تترقرق الدموع فى عينيه، وهو يتذكر الإمام الذى سمع عنه طويلا ولم يره، رفع دعوته عمرا ولم يشاهده ثانية، أبى أن يترك الجماعة حين أُسس الحزب، فما بناه البنا وأسسه لن يتركه طالما بقى فى صدره نفس يتردد. عندما قررت الجماعة أن تخوض غمار الانتخابات الرئاسية، قرر «جار الإمام» أن يقول «لا» فى التصويت على هذا القرار داخلها، لكنه ساند مرسى بكل ما أوتى من قوة، «ما تعلمناه من البنا لا يزال فينا فكلنا على قلب رجل واحد». يتذكر الرجل ما سمعه من جده عن أيام الإمام فى المحمودية، ويحكى كيف تأثر البنا بما لقنه إياه معلمه أستاذه «محمد زهران الكبير» قائلا «البنا كان طفلا ذكيا وذكاؤه كان فى فطرته، ما اختبره فيه الشيخ زهران حين أدخله قبرا مفتوحا وهو تلميذ فى المرحلة الابتدائية، وربط فى إصبعه خيطا رفيعا كلما كبر كان يضيق عليه فيذكره بأن القبر المفتوح اقترب منه». ولا يعلم «لطفى» إلى متى استمر «الخيط الرفيع» فى إصبع الإمام، وإلى متى ظل «القبر مفتوحا». حكايات شحيحة التى يعرفها جيران الإمام عنه، فالسيدة التى تسكن المنزل المجاور مباشرة منذ ربع قرن لا تعرف عن المنزل سوى أنه «بيت الإخوان» تطل عليه يوميا وتلعن أصحابه كل يوم وليلة حين ترى خشب «دولاب زواجها» قد تآكل بفعل «رشح الجدار» وأن جدار بيتها فى الدور الأرضى أصابته مياه الرشح من «بيت الإخوان»، «طب مش عايزين يسكنوه يهدوه ويبنوه عمارة، ويوقفوها لله نجوز فيها عيالنا اللى مش لاقية جواز، أو ينضفوه، هما ما سمعوش الرسول اللى نهى عن إيذاء الجار». الست «أم طارق» الجارة الأولى لبيت البنا وليست «سابع جار» لم تنتخب مرشح الإخوان فى الانتخابات الرئاسية، رغم وصية شقيقها «آذونى وأنا واحدة ضعيفة يبقى مش هيأذوا البلد، فانتخبت حمدين فى المرحلة الأولى، وشفيق فى المرحلة الثانية، بس أخويا ما يعرفش». لا تجد تاريخا لحسن البنا فى قريته فكل من عاصروه رحلوا ومن عاشوا أصبحوا يعانون أوجاع العصر فالقدم لا تقوى على السير واليد ترتعش من أثر العمر والشيب أنساهم ما فعل الشباب، ولكن قبل هذه اللحظة بعشر سنوات استطاعت جماعة الإخوان أن توثق تاريخ حسن البنا فى المحمودية، على لسان كل من اقترب منه وأن تحافظ على تاريخه، فى وقت كان كل من يأتى على لسانه اسمه معرضا للحبس والاعتقال «إحنا من عشر سنين جمعنا شهادات من بقى على قيد الحياة من رعيل البنا ووثّقنا شهاداتهم على أشرطة فيديو واحتفظ بها مكتب الإرشاد بالقاهرة» يقولها عبدالمنعم رضوان المحامى والقيادى بأمانة المحمودية فى حزب الحرية والعدالة، صاحب فكرة تجميع شهادات الأحياء من أصدقاء البنا، ويؤكد أنه لم يستطع الاحتفاظ لنفسه بنسخة «كان الاحتفاظ بنسخة معناه أمر اعتقال فورى أو عشر سنوات سجن بتهمة الانضمام لتنظيم محظور». عمارة فخمة على مدخل قرية المحمودية يقع فى دورها الثانى مقر حزب «الحرية والعدالة» تتصدرها لوحة إعلانية تحمل اسم «البنا» ليس كمؤسس للجماعة ولكنه أشهر بائع حلويات فى المحمودية وهو «البنا» الأشهر هناك، الحكايات عن «البنا» لدى إخوان المحمودية ليست بكثيرة كما يتحدث عبدالمنعم رضوان ولكنها «فارقة» حسب وصفه، فهو يتذكر تلك الحكايات التى سمعها من بعض رفاق البنا «ذكاؤه دائما كان محط أنظار الجميع فمدرسه فى المرحلة الابتدائية نقله من الصف الأول الابتدائى للصف الرابع نظرا لنبوغه»، عبدالمنعم رضوان يتذكر كيف أسس البنا جمعية «الأخلاق الحميدة» وكيف وهو طفل كان يتصدى «لتمثال عارٍ» يعلقه صاحبه وكيف يصطحب الشرطة معه لإجبار صاحب المحل على رفع التمثال. لا تزال حوائط منزل البنا تحمل أنفاسه برغم السقف المتهدم، والجدران الخربة، فهى كما يحكى الحاج لطفى بانى الجدار العازل لبيت الإمام، حين دخل البيت لآخر مرة قبل أن يبنى ذلك الجدار سمع أصواتا تنشد وتردد «للإخوان صرح كل ما فيه حسن لا تسألنى من بناه إنه البنا حسن» بكى وقتها وهو يرى تهدم منزل البنا أمام عينيه للمرة الأخيرة. أخبار متعلقة: حسن البنا الحاضر الغائب الجماعة "التائهة" بين الدعوة.. والسلطة 64 عاما على "فناء الجسد.. وبقاء الأفكار" من قال إنهم "أحفاد البنا" فقد أفتى