بعد أن أعلنت رئاسة الجمهورية عن دعوتها للحوار على لسان الرئيس محمد مرسى. وأكدت قيادات حزب الحرية والعدالة أنها ترحب بالحوار دون شروط مسبقة، وأن الحوار سيتناول كل نقاط الخلاف وبلا سقف. وقد كان معلوماً لدى الرئيس ولدى حزب الحرية والعدالة أن المطلب الأول الذى أعلنته جبهة الإنقاذ للحوار هو إقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وطنية غير إخوانية لإدارة البلاد وتنظيم الانتخابات القادمة لمجلس النواب، فخرج علينا المتحدث الرسمى باسم الرئاسة -وبعد تفاقم الأوضاع على الأرض بسقوط شهداء جدد لمشروع النهضة- ليقول إن الحكومة لن تتغير وإن انتخابات مجلس النواب ستجرى فى موعدها، ومفهوم حتماً أن تلك الانتخابات ستجرى وفقاً لقواعد القانون المعروض الآن على المحكمة الدستورية العليا الذى ترفضه المعارضة. مما يؤكد أن الدعوة للحوار غير جادة وتأتى من قبيل إبراءة الذمة فقط، ويبدو أن نظام الحكم قد استمرأ تمرير رغباته بالقوة، فبعد الإعلان الدستورى المدمر الذى أصدره الرئيس، وبعد انتهاك السلطة القضائية، وبعد تمرير الدستور المعيب وما نجم عن ذلك من تداعيات أسهبنا فى شرح نتائجها الوخيمة، وبعد استقرار النائب العام -الذى عينه الرئيس بالخلاف لقانون السلطة القضائية- فى منصبه بالرغم من معارضة واحتجاج وكلاء النيابة ونادى القضاة بل ومجلس القضاء الأعلى الذى طلب من النائب العام أن يعتذر عن المنصب، بعد أن مرت كل هذه الأمور توهّم الرئيس ومَن حوله من مستشارين أن أمور الدولة يمكن أن تدار بهذه الطريقة وأن الشعب سيرضى بهذا الأسلوب فى الحكم. ولا يدرى الرئيس، أو لعله يتغافل، أن هذا النمط من الحكم هو ما يزيد من احتقان الشعب، ويدفعه ذلك إلى عدم احترام ما يصدره الرئيس من قرارات وآخرها فرض حالة الطوارئ وحظر التجول على محافظات القناة وكيف قابل الشعب هذه القرارات. ويذكّرنى ما يقوم به الرئيس بمن يصلى بغير وضوء متعمداً ويعتقد بأن صلاته صحيحة ما دام أدى الشعائر الشكلية حتى ولو بدون وضوء. وليس بعيداً عن الأذهان ما نادى به الإخوان المسلمون قبل استفتاء 19 مارس 2011 على تعديل بعض مواد دستور 1971 من أن التصويت ب«نعم» هو الذى سيجلب الاستقرار للوطن وللشعب المصرى، وقابلوا دعواتنا برفض التعديلات وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد بالاستهجان، ونجحت غزوة الصناديق التى أقرت تعديلات على مواد محددة حصراً فى دستور 71، وبعدها أصدر المجلس العسكرى إعلاناً دستورياً فى 30 مارس 2011 لم تعترض عليه جماعة الإخوان المسلمين ولا القوى الوطنية المدنية سعياً من الجميع للاستقرار وسرعة إنهاء حكم المجلس العسكرى للبلاد، بيد أن هذا الاستفتاء والإعلان الدستورى كانا المسمار الأول فى نعش الاستقرار والسبب الأول للانقسام بين أطياف الشعب المصرى الذى كان موجوداً على قلب رجل واحد بعد 25 يناير 2011 وحتى خلع الرئيس السابق مبارك. وتوالت الأخطاء ولعل أهمها من جانب الإخوان المسلمين هو وضع الوصول إلى السلطة وسدة الحكم كهدف وغاية يهون فى سبيلها أى شىء. وليس بعيداً عن الأذهان أيضاً رغبة الإخوان المسلمين -بعد الوصول إلى كرسى الرئاسة- فى تمرير دستور يضمن تمكينهم وبأى ثمن حتى ولو كان دماء مصرية غالية، ورفعوا شعار الاستقرار مرة أخرى و«بالدستور العجلة تدور»، وها هو الدستور قد مر على طريقة الصلاة دون وضوء فهل تحقق الاستقرار؟ وهل دارت العجلة؟ وما الذى تحقق من نتائج هذه السياسات على الأرض؟. الذى تحقق هو مزيد من الشهداء وإهانة كرامة المصريين بالسحل والاختطاف والتعذيب وتدهور الاقتصاد المصرى وموت إكلينيكى للسياحة وغلق آلاف المصانع وتشريد آلاف العمال وهروب الاستثمارات وإدانة من المجتمع الدولى لما يحدث فى مصر وتحذير رعايا دول الاتحاد الأوروبى، وعلى رأسها ألمانيا، لرعاياها من السفر إلى مصر، وكان مشهد السيدة التى تضرب رأسها بالحذاء على انتخابها لمرسى -أثناء تشييع جنازة زهرتى قلوب مصر محمد الجندى شهيد تعذيب الداخلية وعمرو سعد شهيد الاتحادية- معبراً عن مشاعر ملايين المصريين ممن انتخبوا محمد مرسى رئيساً لمصر أملاً فى الاستقرار، وأملاً فى نهاية الظلم وامتهان الكرامة، وأملاً فى مستقبل أفضل للبلد، فإذا بحكم محمد مرسى يؤدى إلى هذه النتائج الوخيمة سالفة البيان. والغريب أن رئاسة الجمهورية وحزب الحرية والعدالة يلقون باللائمة ويعلقون فشلهم على إحدى «شماعتين»؛ الانهيار الاقتصادى والأمنى، وضحايا القطارات والمزلقانات على شماعة إرث النظام السابق، والاضطرابات الحالية والعنف وسقوط شهداء وعدم الاستقرار السياسى على جبهة الإنقاذ الوطنى، وكأنهم ملائكة بأجنحة لا يخطئون بالرغم من أنهم يمتلكون جميع السلطات، ولكن يا سبحان الله لا مسئولية عليهم. والأغرب أنهم يقررون أنه لا شعبية ولا أرضية فى الشارع لجبهة الإنقاذ وفى نفس الوقت يُحملون جبهة الإنقاذ مسئولية الحشد فى الميادين ومسئولية التحريض على أعمال العنف وإعطاء غطاء سياسى لها. أيضاً يتهمون جبهة الإنقاذ بالتآمر والتخريب والعمالة للخارج وبأنهم جمعية التخريب وفى نفس الوقت يدعون قادتها إلى الحوار والجلوس معهم على مائدة للحوار وبلا شروط، فهل للمتآمر المخرب والعميل-إذا ثبت صحة ذلك- إلا أن يحاكم أو يسجن أو حتى يقطع من خلاف؟ فكيف تدعون مثل هؤلاء للحوار؟ إن هذا التناقض الصارخ فى المواقف السياسية وفى القرارات لا يحتاج لمحلل سياسى بل لمحلل نفسى يصف لهم العلاج حتى يفيقوا من وهم السلطة وبريقها، ومن وهم أن الشعب المصرى سيرضى ويرضخ فى النهاية لممارسات استبدادية، ومن وهم أنهم قادرون على حكم مصر بمفردهم وبكوادرهم التى لم تكن تجيد إلا العمل تحت الأرض. أيها الإخوة فى الإخوان المسلمين، إذا صدّقتم كل هذه الأوهام فإنكم تستعجلون الرحيل، وقلت قبل ذلك: إن كانت هذه هى البدايات فبئس الخواتيم.