فى ظهيرة يوم 25 يناير 2011 كان واضحاً أن ثمة ثورة حقيقية تولد بقوة.. كان كل شىء مختلفاً عن الاحتجاجات السابقة.. الحشود الغاضبة تتوافد من كل الاتجاهات.. لم يكن غضباً فحسب، بل أملاً يمتزج مع الغضب.. ونجحت الثورة لأن الأمل سبق الغضب إلى ميدان التحرير.. يومها وجدت قلمى يكتب كلمة واحدة «إنذار».. وكانت الكلمة هى مانشيت الصحيفة التى كنت أشرف برئاسة تحريرها.. وصدق توقعى.. ورحل أعتى نظام حاكم فى المنطقة بعد 18 يوماً! لماذا أتذكر ذلك الآن؟! لأننى اعتقدت مثلك تماماً أن الثورة ستغير وجه مصر. سيرحل نظام فاشى ومستبد برموزه، وسيأتى سياسيون أنقياء يعملون من أجل مصلحة الوطن.. رجال يؤثرون البلد على أنفسهم ولو كانت لهم مصالح.. غير أن أملى يخيب يوماً بعد يوم.. إذ بدا لى أن المصنع الذى أنتج رموز النظام السابق لا يزال يعمل بكفاءة.. خط إنتاج واحد، وماكينة تقليدية أخرجت لنا نخبة سياسية متوحدة المعالم، سواء كانت «مباركية» أو معارضة. سأروى لكم قصة تثبت ذلك.. منذ 4 سنوات، كان نظام مبارك فى ذروة الاستبداد والتجبر.. وكان «أحمد عز» الآمر الناهى.. وذات يوم كتبت ضد احتكاره للسلطة وصناعة الحديد، وطالبت النظام بإبعاده عن الحزب الوطنى والسياسة.. وفى تمام الساعة الواحدة والربع بعد منتصف الليل، فوجئت بهاتفى يرن «برايفت نامبر»، فتحت الخط لأفاجأ بثورة عارمة من «عز» - بالمناسبة هو حى يرزق وله أن يكذبنى لو استطاع - قال لى الرجل يومها عبارة واحدة «أنا بينى وبينك تار شخصى 10 سنوات.. هتدفع التمن غالى».. ورددت عليه بعبارة واحدة أيضاً، «لما أبقى أعيش أنا وأنت 10 سنوات.. وربنا هو الحامى».. ثم أغلقت السماعة! ظن «عز» من فرط السلطة والمال أنه سيظل ممسكاً بالاثنين 10 سنوات.. وظن أيضاً أن بمقدوره أن يُلحق بى ضرراً لم يكتبه الخالق عز وجل فى سجل حياتى.. وتلك مصيبة الدنيا؛ حين تعمى صاحبها عن حكمة من خلقه «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء». منذ أيام قليلة، قفزت إلى ذهنى تلك الواقعة، حين أبلغنى زميلى محمد طارق، الصحفى ب«الوطن»، رسالة من المهندس خيرت الشاطر، نائب مرشد الإخوان المسلمين، كان «محمد» يغطى اجتماع الإخوان مع الدعوة السلفية لإقناع السلفيين بدعم د.محمد مرسى فى انتخابات الإعادة.. وحين خرج المجتمعون، مارس «محمد» عمله الطبيعى فى محاولة الحصول على تصريحات من الحضور، التقى «الشاطر» وطلب منه تصريحاً خاصاً ل«الوطن» حول نتيجة الاجتماع.. فماذا قال له الرجل.. هل قال له «لا تعليق»؟!.. هذا حقه لو أراده لاحترمناه.. هل قال له «اسأل فلاناً»؟!.. هذا أيضاً حقه، ولا يلومه أحد عليه! وقف «خيرت الشاطر» أمام المحرر والغضب يتطاير من عينيه.. ثم قال له بحدة وعنف: (مش هصرح ل«الوطن».. أنا بينى وبين مجدى الجلاد تار لما أشوف هيدفع تمن 4 سنين سجن إزاى؟!).. جاءت الثورة وبقى التار.. ذهب «عز» وجاء «الشاطر»، وبقيت أنا بينهما وفى ظهرى «سكين التار».. دخل «عز» السجن وخرج «الشاطر» من السجن، فالتقيا على باب «السجن»، وسلم «عز» شارة التار ل«الشاطر»، وحمّله أمانة «التار»: أرجوك يا خيرت.. وصيتى لك «التار من مجدى الجلاد»! يحاول «الشاطر» ترويج وهم أن «المصرى اليوم» وقناة «أوربت» أدخلاه السجن مع قيادات من الإخوان، حينما نشرتا «صور العرض العسكرى لطلاب الإخوان بجامعة الأزهر وهم ملثمون»، وينسى أو يحب أن يتناسى أن الطلاب هم الذين استدعوا الصحفيين من الجريدة والقناة لتصوير العرض تحدياً لرئيس الجامعة.. كما أن «الشاطر» يعلم جيداً أن القضية كانت مجهزة لهم بعد انتخابات البرلمان فى 2005، بسبب نقض مكتب الإرشاد للاتفاق مع الحزب الوطنى والنظام الحاكم على حصة الإخوان فى مقاعد مجلس الشعب.. اتفقوا على 40 أو 45 مقعداً، وحصل الإخوان على 88 مقعداً مع «الرأفة».. فكان لا بد - من وجهة نظر نظام مبارك - من توجيه ضربة عقابية وتحجيمية للتنظيم.. (بالمناسبة.. الاتفاق بين الإخوان والنظام اعترف به أكثر من شخص داخل الإخوان أنفسهم)! يعلم الشاطر أيضاً أن صديقه رجل الأعمال «حسن مالك»، الذى تم حبسه فى القضية ذاتها، قال لى شخصياً: إن القضية لم تكن بسبب هذا الخبر رغم اختلافه معنا حوله.. وأن «أمن الدولة» كانت قد رتبت القضية وأوراقها المزورة قبل واقعة الأزهر.. غير أن ما يدهشنى فى موقف «الشاطر» هو أنه أجرى حواراً صحفياً مع «المصرى اليوم»، التى كنت أرأس تحريرها بعد خروجه من السجن، ولم يقل للمحرر إنه يرفض لأن «له تار عندى»، فلماذا ظهر «التار» الآن، وهل لقوة الإخوان الحالية علاقة بأن «ينقح التار» فجأة على «الشاطر».. وهل ل«التار» مراحل ونوبات.. أم أن له علاقة بالحاجة للطرف الآخر؟!.. فالرجل أجرى الحوار بعد خروجه من السجن مباشرة، ولم يظهر «التار» فى كلامه.. بينما يهددنى الآن بالسجن «4 سنوات» لأن «الإخوان» فى السلطة! اسمع يا «شاطر»: أنت تعرف أننى أعرف أنك تعرف أن هذه التهمة تحمل بهتاناً عظيماً.. وأن الإخوان دخلوا السجون والمعتقلات آلاف المرات دون نشر صور أو أخبار.. غير أن أهم ما يجب أن تعرفه أننى لا أخاف ولا أخشى سوى الله.. وأن هذا التهديد لن يحرك شعرة لدىَّ، لأن ما قدّره الله لى سوف يصيبنى.. غير أن أكثر ما أحزننى أننى كنت أظن أن النظام الحاكم قد رحل.. وخاب ظنى!