من أعظم الأعمال النبيلة التى يقدم عليها الإنسان هى أن يضع حياته على كفه ويحمل كفنه من أجل إعلاء قيمة مبدأ أو الدفاع عن حق ضائع. حينما يسترخص الإنسان حياته، وهى أغلى ما لديه، من أجل قيمة أعظم، وهدف أكثر نبلاً، فإن قيمة الشهادة تصبح ذات تقدير لا نهائى وقداسة إخلاقية لا يمكن مقارنتها بأى شىء آخر. وبينما نحن نعيش فى الذكرى الثالثة لثورة الشعب المصرى النبيلة، نتذكر شهداءنا الأبرار الذين خرجوا بصدور عارية من أجل بناء وطن عصرى متقدم. ولكننى أعتقد أنه قد حان الوقت، لكى يتم تعريف جامع مانع بشكل إخلاقى وقانونى لصفة الشهيد. إن من يحصل على لقب «الشهيد» يحصل على أرقى وأنبل وأقدس مكانة فى أى مجتمع فى أى زمان ومكان، لذلك يتعين علينا جميعاً أن نتريث جيداً ونحن نضفى هذه الصفة على صاحبها. وفى فهمى المتواضع لصفة الشهادة، هى من يقدم حياته طواعية للدفاع عن مبدأ شريف بشكل منزه عن المصلحة الشخصية، غير هادف لممارسة العنف أو استخدام القوة لتحقيق منافع غير وطنية أو غير أخلاقية. البلطجى لا يمكن أن يكون شهيداً، السارق لا يمكن أن يكون شهيداً، الهادف إلى التخريب لا يمكن أن يكون شهيداً. أما المتظاهر السلمى، صاحب الرأى، صاحب المبدأ المدافع عن قضية، الممارس لحقه فى الاحتجاج إذا ما قُتل أو أصيب فإنه بلا شك يستحق هذه الصفة الجليلة. إن لقب الشهيد لم يعد فى هذا الزمن مجرد صفة توهب لصاحبها، لكنها أصبحت بمقتصى القانون التزاما إخلاقيا وماديا وأدبيا من الدولة والمجتمع تجاه الشهيد وأسرته. إن التعريف الدقيق للشهيد فى زمن الثورة والمرحلة الانتقالية هو أمر بالغ الأهمية، لأنه يحافظ على قيمة وكرامة وقداسة هذه الصفة التى قد يسعى بعض اليائسين الانتحاريين إلى الاستفادة منها فى زمن أصبحت فيه قيمة الإنسان ميتاً ذات قيمة مضاعفة وهو حى ولكن لا يرزق!