طرحت سؤالاً على حسابي في «فيسبوك» عن «ما هي الأسباب التي تدفع الموظف الجيّد إلى الرحيل؟»، بالطبع لم يتفق الجميع على سبب واحد إلا أنّ العديد أرجعوا السبب إلى «المدير/القائد» وهو ما أعتقده شخصيًا. فكل يوم تظهر آلاف الشركات الجديدة، إلا أنّ القليل منها ما يستمر ويحقق النجاح الذي كان يسعى وراءه أصحابها، ويبقى منها فقط من استطاع الصمود والأخذ بأسباب النجاح. وتبدأ أعراض الفشل مع رحيل الموظفين الجيدين من دون مقدمات، ليتفاجأ أصحاب العمل باستقالة أفضل العاملين لديهم. والأسباب كثيرة بعضهم لا يرونها ويرجعون استقالة موظفيهم إما إلى تعاليهم (الموظفين) أو إلى أسباب ماديّة فقط، ولا يعلمون أن «الموظفين لا يتركون شركاتهم، بل يتركون مديريهم». في إحدى محاضرات خبير القيادة جون ماكسويل، تحدّث عن ما أسماه «قانون القيادة» وقال إن «مستوى القائد/المدير يساوى مستوى نجاح مشروعه أو شركته، فمستوى نجاح المشروع لن يعلو على مستوى قياداته، فلو كانت محدودة، حدت من نجاح الشركة وإبداع موظفيها». وهو ما يعني إنه من الواجب على المدير الجيّد أن يطور من ذاته في شكل دائم ومن دون توقف، ليس على المستوى القيادي فقط، بل على المستوى المعرفي والأخلاقي، والإنساني، فيجب على القائد أن يواكب ويتأقلم مع التغييرات من حوله بدلًا من الخوف منها. مع التقدم التقني السريع، أصبح من الضروري والواجب على كل مدير/قائد أن يكون ملمًا بما يحدث حوله، فالسعي وراء المعرفة باستمرار هو أول خطوات أي شخص. في التكنولوجيا اعرف شيئًا عن كل شئ، سيفيدك يومًا ما في مجالك. تخيّل أن تكون مديرًا لشركة وعند اجتماعك بفريق التسويق، لا تعلم مصطلحات مثل SEO أوHTML. ويجب عليه أن يعلم أن الموظف يعمل معه وليس منافسه. ضع موظفك في تحديات تظهر قدراته لكن لا تتحداه هو بشخصه، تمنى نجاحه، فنجاحه هو نجاحك، لذا عليك أن تساعده باستمرار وتحفزه. مساعدتك له وتوجيهه والرد على استفساراته، في الحقيقة هي مساعدة لك وتدريب على ترتيب الأفكار وتوصيل المعلومة في شكل بسيط، وحافز كبير لك للبحث والمعرفة حتى تكون مستعدًا للإجابة والمساعدة في أي وقت. فمشاركتك في نجاح أحدهم سيعزز ثقتك بنفسك. بالإضافة إلى أن المديرين الجيدون دائمًا ما يعطون موظفيهم الموهوبين مهمات عجز غيرهم عن إنجازها.وأعلم أنّ الموظف الجيّد لا يشعر بالارتياح في أداء الأعمال السهلة، ما يجعله يبحث عن وظائف أخرى تتحدى قدراته. لذا على المدير الجيّد أن يكلِّف موظفيه مهمات صعبة، ويتابعهم أثناء إتمامها وينصحهم ويدعمهم.تحمل مسؤولية أخطائك. أن تلوم غيرك لن يحل مشاكلك، ولن يساعدها في تقدمك بأي شكل. لذا عليك أن تنظر إلى أخطاءك أنت وتحددها، وتشغل نفسك في حلها بدلًا من لوم الآخرين. تحدث عن الأفكار.. لا تتحدث عن الأشخاص حتى تصبح «ناجحًا» تحدث عن أفكارك، فالناجحين يتحدثون عن أفكارهم بدلًا من انشغالهم بالكلام عن زملائهم. وتأتي أهمية الحديث عن الأفكار، لأنها تساعد على تجميع الآراء عنها وهو ما سوف يفيد بشكل أو بآخر في نجاحها، في الوقت نفسه فإن الانشغال ب«النميمة» هو نشر لمشاعر سلبية من كراهية وحقد في أرجاء المكان. شارك معرفتك مع الآخرين. كما قلت من قبل أن المساعدة في نجاح أحدهم هو في الواقع مساعدة لك، فعليك بمشاركة معرفتك ومعلوماتك ولا تبخل بها. إعلاء «نحن» على حساب «الأنا» يجب عليك أن تعمل «مع» فريقك وأن تنسب النجاح لأصحابه بالإضافة إلى إعطائهم الفرصة للظهور والمساحة الكافية للإبداع. الحرص على النقاش البناء وتغيير من حولك وتوجيه الموهوبين. القائد الناجح حريص على تغيير من حوله ويتحلى بالمرونة في النقاش والموضوعية، فالمكسب المادي لن يتم من دون النقاش الدائم والاستماع إلى الأفكار والحرص على تغيير نفسه وتطوير فريقه. فالإدارة تعني المتابعة والوقوف على أداء الموظفين وتقييمه والعمل على تطويره من طريق تطوير مهاراتهم، إلا أن هناك مديرين لا يهتمون بهذا الجانب. والمدير الجيّد يتابع كل الموظفين حتى الموهوبين منهم ويصغي إليهم ويعطيهم ملاحظات باستمرار عن مستوى أدائهم. فالأمر يرجع إلى الإدارة لتطوير قدرات موظفها الموهوب واكتشاف نقاط القوة فيه وتنميتها. فالموظف الماهر دائمًا إلى رأي مديره في أدائه، في حين أن الموظف الضعيف الأداء لا يريد ذلك، لذا فمن الجيّد أن يتابع المدير موظفه الجيّد، وإلا انتهى الأمر به بأن يرى نفسه مثل أي موظف أخر غير موهوب. شكر فريقك وتقدير جهوده بدلًا من تجاهل جهودهم. التقدير والشكر يعزز الولاء، وهو ما سوف يقود في النهاية إلى التشجيع على الإنتاج والابداع لأنهم حصلوا على التقدير المناسب لأفكارهم ونتائجها. الجميع يحب الإطراء من وقت إلى آخر، خصوصًا بعد إتمام مهمة بأمر مباشر من المدير، وخصوصًا من يعملون بجديّة ويبذلون كل جهدهم، وهو ما يستوجب الحفاظ على اتصال شبه يومي بهؤلاء للوقوف على أسباب راحتهم وسعادتهم (البعض يكتفي بشكر أو سلام أو حتى إعلان داخل الشركة بأن الموظف فلان أتمَّ مهمته بنجاح)، ما سيدفع الموظف إلى بذل قصارى جهده في كل مرة يوكل إليه عمل جديد. حسنًا.. هذه أخطاء المدير، لكنها ما زالت لم تجيب على سؤالنا «لماذا يرحل الموظف الجيّد؟!».تتشارك شركات ومؤسسات عدة في الموقف نفسه: «استقالة أفضل موظفيها». ودائمًا ما يشتكي أصحاب الأعمال من استقالة من يعتمدون عليهم من دون إبداء الأسباب. إلا أن هناك أسبابًا عدة تجعل موظفًا جيّدًا يأخذ قراره بالرحيل عن شركته وتركها من أجل مؤسسة أخرى. ويمكن تفادي مشكلة رحيل الموظفين الجيدين ببساطة من طريق تغيير إستراتيجية الإدارة. من طريق البعد عن سلوكيات عدة مثل: العمل في شكل مضاعف أظهرت إحدى الدراسات التي أجرتها جامعة «ستانفورد» أن إنتاجية العامل تقل إذا تعدت ساعات عمله 50 ساعة أسبوعيًا، وتقل بدرجة أكبر إذا تعدت 55 ساعة أسبوعيًا، ما يعني أن زيادة ساعات العمل لا تُنجز المهمات الموكلة إلى الموظف. يقع الكثير من أصحاب العمل في هذا الخطأ، فعندما يروى أحد موظفيه يعمل بشكل جيّد، يبدأ في الاعتماد عليه في شكل أكبر، ويوكل إليه أعمالاً ومهمات أكثر من نظرائه من دون أي تقدير معنوي أو مادي، ما يربك الموظف ويجعله يشعر بأنه «يُعاقب» على تفوقه، وهو ما يأتي بنتائج عكسية. ويمكن للمدير أن يتفادى هذا من طريق ترقية الموظف وحصوله على منصب أعلى يتطلب مسؤوليات أكبر، فالموظف الجيّد يعلم مسؤولياته جيدًا، وعند زيادة مهماته من دون ترقي يشعر بأنه معاقب بسبب مهارته وتفانيه، أما في حال ترقيته، فهو يعلم أن المنصب الجديد يأتي بمسؤوليات أكبر، لكن من دون تغيير سينتهي الأمر برحيله إلى مكان يرى فيه تقديرًا أكبر. مُديرون لا يهتمون بأمر موظفيهم: الإدارة الجيّدة تعرف كيف توازن بين التعامل الرسمي مع الموظفين ونسج علاقة إنسانية معهم، فأكثر من نصف الموظفين يتركون شركاتهم بسبب العلاقات غير الجيّدة مع مديريهم أو لأنّ العلاقة جافة وتعتمد على العمل فقط من دون أي اعتبارات إنسانية أو اجتماعية. لذا يجب على القادة أن يحتفلوا بنجاح موظفيهم ويدعمونهم في أزماتهم الشخصية والاجتماعية. فالمدير الذين يفشل في بناء علاقات إنسانية مع موظفيه يواجه مشكلة رحيل الموظفين أكثر من غيره، فمن المستحيل ألا يشعر الموظف بالسوء بعد عمله في مكان لأكثر من ثماني ساعات يوميًا، فيما المكان لا يهتم لأمره.أصحاب الوعود الواهية: الموظفون لا يحترمون المديرون الذين يقطعون وعودًا للتحفيز ولا ينفذونها، فالوعود تُحفز لكن في حال عدم الوفاء بها ستجلب أثرًا عكسيًا في أداء الموظف وإنتاجيته. فإذا لم يفِ المدير بوعوده لماذا يتوجب على الموظف التزام واجباته؟!. توظيف وترقية من لا يستحقون الموظفون الجيدون يشعرون بالراحة في العمل مع زملاء من مستواهم، وعدم بذل المديرين جهدًا في توظيف وترقية من يستحق، يجعل الموظفين يشعرون بالاستياء لأن الموظف الجديد (غير الجيّد) سيعمل إلى جانبهم مدة طويلة ولثماني ساعات يوميًا، ويشعرون بالإهانة عند ترقية أشخاص غير أكفاء. عدم إعطاء الفرصة للابتكار وقلة الاهتمام بعض الشركات والمديرين يلتزمون لوائح الشركة التزامًا يضيّق الخناق على المبدعين، ولا يعطيهم الفرصة للابتكار كأنهم يعملون داخل صندوق صغير، خوفًا من قلة الإنتاجية وتضييع الوقت.إلا أنّ الدراسات أثبتت أنّ إعطاء الفرصة للموظف للابتكار والإبداع قد يضاعف الإنتاجية حتى خمس مرات. الفشل في استغلال مهارات المبدع الموظف المبدع دائمًا ما يريد أن يطوّر كل شيء حوله في بيئة عمله، إلا عند اصطدامه ب«بيروقراطية» مديره، يتحول شغفه إلى كره لعمله وضعف في إنتاجه، ذلك أن التضييق على موهبة الموظف لا يؤثر في إنجازاته فقط بل في إنجازات الشركة ذاتها. الخلاصة، في سؤال شهير يسمعه كل من حضر مقابلة للحصول على عمل »لماذا يجب أن نوظفك؟»، لكن السؤال هنا من الموظف «لماذا يجب أن أعمل لديك؟». ما معناه أنه إذا أراد صاحب العمل أو المدير أو المسؤول أن يحصل على الأفضل من موظفيه، فعليه التفكير والتخطيط جيدًا لطريقة تعامله معهم، وجعلهم يريدون العمل معه من دون غيره.