كثيراً ما كنا نسمع هذا اللفظ فى المشادات الكلامية.. بدأت ب«احترم نفسك يا سيد أو يا أستاذ أو يا أفندى»، ومع الانهيار الأخلاقى تطورت إلى «احترم نفسك وإلا كذا وكذا».. ولو توقفنا عند فعل الأمر احترم نفسك، وهو يحمل فى طياته الكثير من التهديد والوعيد للشخص أن يحترم نفسه ولا يعرضها للإساءة من صاحب فعل الأمر لوجدنا لها مغزى ومعنى عميقاً يجب أن نتوقف عنده.. احترام الذات له أشكال كثيرة تبدأ من عند احترام الآخرين على مختلف أعمارهم وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.. لو بادرت الشخص بأسلوب غير محترم، فأنت معرض لإهانة تجرح احترامك وهكذا يصبح احترام الآخرين سبيلاً لاحترام الذات.. ثم يأتى احترام الذات بعدم إراقة ماء الوجه، أى ألا يذل الإنسان نفسه لحاجة لديه عند شخص آخر.. فيحافظ على كرامته ولا يتذلل للحصول على مكرمة، لأنها لو أتته بإهانة فلا قيمة لها.. وهناك معنى مهم لاحترام الذات، وهو أن تعرف متى تغادر قبل أن تتحول إلى نكتة أو مسخ.. كأن يتأخر لاعب فى قرار اعتزال الملاعب فتضيع هيبته كنجم كبير فى ذاكرة التاريخ الذى أبقى على أسماء كالخطيب وأبوتريكة وبركات الذين أحسنوا اختيار توقيت الاعتزال فظلوا فى ذاكرة محبيهم نجوماً متلألئة.. كذلك الأمر بالنسبة لفنانين وفنانات كهند رستم وغيرها، وكُتاب وإعلاميين، وحتى رجال أعمال اعتزلوا العمل وتركوا ثروتهم للأبناء ليديروها حتى لو لم يكونوا بنفس الكفاءة.. أعلم أنه سيأتى يوم ليس ببعيد أعلن فيه اعتزال عملى الإعلامى احتراماً لنفسى، كما فعل هؤلاء الذين ذكرتهم هنا، وغيرهم واختيار التوقيت مهم بعد أن تكون التجربة قد اكتملت والرسالة وصلت وآن الرحيل قبل أن تطالبك الجماهير بالرحيل أو تصبح بالنسبة لها وكأنك غير موجود أصلاً.. فما بال بعض السياسيين لا يفعلون هذا الأمر احتراماً لتاريخهم ومواقفهم، ليس لعوامل السن، فالسياسة لا تخضع لها حيث نرى سياسيين أمريكيين وأوروبيين فى أواخر الثمانينات من عمرهم، وما زال أداؤهم مبهراً.. ولكن سنجد مثالاً أن من يخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية ويفشل فى الحصول على المنصب لا يتقدم مرة أخرى، فالأمر ليس دورى كرة قدم إن لم تفز به هذا العام يمكنك الفوز به فى العام التالى.. ولكن الشعب أعلن مرة واحدة أنه لا يريدك رئيساً، فلا تحاول مرة أخرى.. وهنا لا نرى حياة من خاض انتخابات الرئاسة وقد توقفت، لأنه يسعى فى مجال آخر تحت أضواء أقل فى عمل عام من نوع آخر وجون كيرى ليس أفضل مثال فى مثل هذا العمل رغم نجاحه كوزير خارجية ولكن يبدو وكأنه أخطأ حين حاول الترشح للرئاسة.. للحياة دورة يجب احترامها، والمصريون يقولون: «كل وقت وله أذان» فلا يمكنك أن تظل بنفس اللياقة بعد كل الأعوام التى قضيتها فى ملعب السياسة أو ملعب الكرة إلا إذا كنت «كامبوس» أو «عصام الحضرى».. عودة لاحترام النفس.. ما أسهل أن تجلس خلف شاشة وتوجه السباب اللاذع لشخص ما، وأنت تعرف أن احترامه لنفسه سيمنعه من الاشتباك معك بنفس اللغة وإلا فقد هذا الاحترام.. وغالباً ما يجرك من هو قليل الاحترام لنفسه لمثل هذه المعارك الرخيصة حتى يكتسبوا اهتماماً لا يستحقونه، ويعتقدوا أنهم من خلال دفعك إلى هذه المعركة قد ارتفعوا درجة، ولكنهم فى الواقع سيظلون قابعين فى مساحة مظلمة، ولن يخرجوا منها.. احترام النفس ليس تعالياً ولا غروراً، ولكنها ذاتك ولها عليك حق بأن تحترمها بكل شكل بداية من احترام الآخرين.