ما إن أُعلنت نتائج انتخابات رياسة الجمهورية فى مصر، حتى حدث انفجار شديد. فلقد أسفرت نتائج الانتخابات عن انحصار الإعادة بين الفريق شفيق آخر رئيس للوزراء فى عهد الرئيس السابق، وبين الدكتور مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة، ومرشح الإخوان المسلمين. وقد أصيب أغلب المصريين بالإحباط والحزن والأسف لهذا الوضع الذى غيّب الثورة وجَحدَ الثوار، ووضَعهم بين خيارين أحلاهما مرّ. وقد دعا ذلك مثقفين إلى أن يبادروا بإعلان انتخابهم للدكتور مرسى. وربما حدث ذلك فى لحظة غضب، فلم يتحسب لنتائج هذا الاختيار، ولم يتفحص وضع كل من طرفى الإعادة فى انتخابات الرياسة. وفى مثل الوضع الحالى تَبِين معادن الأمم وجواهر الشعوب، حيث ينبغى أن تؤخذ الأمور بالهدوء والتروى لتصل إلى حل سديد وليس حلاً انتحارياً. والوضع الصحيح يبدأ فى توجيه أسئلة إلى كل من طرفى المعادلة الانتخابية، حتى إذا ما أجابوا عنها بالصدق، كان للشعب أن يحدد أمره عن تبصر. فعلى الدكتور مرسى أن يحدد وضعه من الترويع المتتالى الذى حدث يوم 20 مارس 2011 وما بعده، حيث تكرر القول بتهجير من لا يوافق على حكم الإخوان إلى خارج مصر. وعليه أن يبيّن وضعه من القسَم الذى أقسمه بالولاء إلى مرشد الإخوان؛ وأن يحدد ولاءه الدائم وهل هو لمصر أم لجماعة الإخوان المسلمين الدولية والمحلية؟ وأن يبين أركان الإسلام -كما يفهمها- وهل هى خمسة كما يرى أهل السنة أم ستة كما يرى الشيعة، بإضافة الولاية أو الخلافة؟ وهو ما يؤيد ذلك الذى قرره المرشد العام بأنهم أصبحوا قريبين من تحقيق أهدافهم فى إنشاء الخلافة الإسلامية. وما هو وضعه بالنسبة إلى منظمة حماس إن هى احتلت موقع أو مواقع فى صحراء سيناء، وقالت إن أراضى المسلمين للمسلمين كافة. وأن يوصّف وضعه إبان الحكم السابق، وهل كان جزءا منه حيث كان عضواً فى مجلس الشعب، خلال الفترة التى تم فيها تعديل الدستور بما يوُطّئ لدعوى الوراثة؟ وأن يعلن للشعب حقيقة وضعه فى الاتصال بجهاز أمن الدولة، وما الذى كان يفعله حينذاك؟ وأن يشرح للشعب حقيقة شعار الإسلام هو الحل، وأن يبين أى إسلام يريدون، هل هو إسلام (الخلفاء) الراشدين أم إسلام (فرقة) الحشاشين؟ وأن يقطع نهائياً فى دعوى تطبيق الشريعة التى يقول بعض الإسلاميين إنها مطبقة فعلاً فى مصر، ويقول بعض آخر إنها لا تطبق إلا ضمن مناخ شامل، وهو ما كنا وما زلنا نقول به. وأن يشرح السبب فى لدد الخصومة عند الإخوان ووصفهم كل من يخرج عليهم أو يُعارضهم بالخروج عن الإسلام، مع أنهم بلا فقه ولا فكر، بل شعارات تلهب المشاعر. وأن يوضح للمصريين سبب تعاليهم واستكبارهم وميلهم الجامح إلى الاستحواذ على كل شىء وإقصاء الآخرين. وأخيراً أن يوضح مفهومه لمبدأ المواطنة تحديداً جامعاً مانعاً، بحيث لا يتقوض أمام جماعة المؤمنين. وعلى الفريق شفيق أن يؤكد ما أعلنه من أنه يؤيد الثورة والثوار، وأنه سوف يعمل لإعادة الثورة إليهم بعد أن خطفها منهم الإسلام السياسى. وأن يحدد وضعه المالى، وأنه برىء من التهم التى تضمنتها بلاغات قُدمت للنائب العام. وأن يشرح للشعب ما يُقنع بأنه لم يكن يدرى بما حدث يوم موقعة الجمل، وقد كان رئيساً للوزراء. وأن يبين وسيلته فى تحقيق الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية، وهى صميم ثورة 25يناير. هذا هو المطلوب من قطبى المنافسة أن يبينوه بطريقة حازمة جازمة. فإن لم يفعلوا فإنه يكون الأوفق أن يقاطع الشعب انتخابات الإعادة، التى سوف ينجح فيها أحدهما لا شك، لكن ذلك يكون بأصوات قليلة هزيلة، تزلزل مكانته وتقلقل وضعه. اللهم رب العزة، يا من خلقت مصر منذ الأزل لتحقق للإنسانية مبدأ الضمير والأخلاق، وحبيتها بعنايتك، وحميتها برعايتك: اهدنا الصراط المستقيم.