يُحكى أنه كان هناك رجل فقير تصنع زوجته الزبدة وهو يبيعها فى المدينة لأحد محلات البقالة، وكانت الزوجة تعمل الزبدة على شكل كرة وزنها كيلو وهو يبيعها لصاحب البقالة ويشترى بثمنها حاجات البيت. وفى أحد الأيام شك صاحب المحل بالوزن، فقام ووزن كل كرة من كرات الزبده فوجدها900 جرام، فغضب من الفقير بائع الزبدة غضباً شديداً. وعندما حضر الفقير فى اليوم الثانى قابله بغضب وقال له لن أشترى منك مرة أخرى يا غشاش، تبيعنى الزبدة على أنها كيلو، ولكنها أقل من الكيلو بمائة جرام. حينها حزن الفقير ونكس رأسه ثم قال نحن يا سيدى لا نملك ميزاناً ولكنى اشتريت منك كيلو من السكر وجعلته لى مثقالاً كى أزن به الزبدة. الرسالة من هذه القصة بوضوح هى: تيقّن تماماً أنه بمكيالك يُكال لكَ. وقد أرشدنا رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى هذا إذ يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (متفق عليه). ما هذا الجمال الفائق فى هذا الدين العظيم، إذ يجعل كمال الإيمان مشروطاً بحب الناس كحب النفس، فلا مجال فى المجتمع الإسلامى لأنانية وفردانية، ولكنها الجماعية العاصمة البانية الدافعة الرافعة. وإن المؤمن حين يقرأ سورة الفاتحة فى كل ركعة من صلاته يومياً لا يقول: «إياك أعبد وإياك أستعين اهدنى الصراط المستقيم»، ولكن يقول: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ». حتى فى هذه اللحظة الخاصة التى يناجى العبد فيها ربه لا يغفل عن إخوانه فيدعو الله دعاء عبد فرد وسط جموع المؤمنين، ولذلك فهذا المعنى ينبغى أن يكون عاماً شائعاً فى ثقافة الناس ليعلموا أن مخالقة الناس بخُلق حسن هى من أهم ركائز بناء المجتمع فى دين الله سبحانه وتعالى، وفى ذلك نجد قول الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه الإمام الترمذى: «وأَحبّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما». فالإسلام إذن لا يتم فى القلوب طالما فيها شىء ولو قليل من تمنى الفشل للمؤمنين ورجاء ألا يحققوا أهدافهم لمجرد أن الوسيلة اختلفت. إنها إذن رسالة واضحة لجميع القوى الاجتماعية والأحزاب السياسة والرموز الوطنية. بالله عليكم جميعاً، أليست الأهداف واحدة والغايات متقاطعة؟ ألستم جميعا -أو هكذا ينبغى- تريدون الخير لأمتكم ودينكم وشعبكم؟ أليس خلافكم فى الوسائل والآليات التى يظن كل طرف منكم أنها الأنفع للبلاد والعباد؟ وإذا كان جوابكم أن بلى، فماذا إذا هذا التناحر الذى يظن من يتابعه أنه لا هدف له إلا أن يستمر وفقط. وكلما فعلت الحكومة شيئاً فهو بالضرورة جريمة فى نظر المعارضة، وكلما اتخذت المعارضة قراراً فهو بالضرورة خيانة فى نظر الحكومة.. إنها إذن رسالة إلى كل من يؤمن بالله واليوم الآخر فى معارضة أو فى حكومة، ليتخيل كل منكم أنه فى الناحية الأخرى من المشهد. هل سيتمنى ساعتها أن يكون الحال على ما هو عليه الآن؟ وعلى قدر الصدق مع النفس فى الجواب يكون الجزاء الذى هو لا محالة من جنس العمل، واعمل ما شئت فكما تدين تدان، وعلى زنة ما تُعطِى للناس من السكر ستأخذ منهم من الزبدة.