ليلة كاملة قضتها «الوطن» وسط أنقاض العقار المنكوب فى منطقة المعمورة، وكانت شاهدا على محاولات القوات البحرية، والشرطة، والحماية المدنية، انتشال الجثث، والأشلاء، والبحث عن الأحياء والمصابين تحت الأنقاض، وسط بكاء وعويل الأهالى الذى لا ينقطع. حال أهالى منطقة المعمورة لا يختلف كثيراً عن حال جيرانهم على بعد أمتار قليلة فى عزبة الصيادين فى أبى قير، حيث كانت كارثة غرق 11 صيادا فى مركب زمزم ما دفع عددا من الشباب إلى إنزال لافتة الحى وكتبوا بدلا منها عبارة «أهلاً بكم فى شرق الإسكندرية.. المنطقة المنحوسة». المشهد تكرر قبل ذلك 25 مرة فى الإسكندرية.. تسقط العمارة، ويهرول بعد فترة رجال الإنقاذ لمحاولة استخراج الجثث من تحت الأنقاض، وما إن يردد المواطنون الذين يقفون بجوار رجال الحماية المدنية جملة «لا إله إلا الله» حتى يعرف كل الموجودين أنه تم استخراج جثة جديدة، وتبدأ حالة من الترقب، ثم ينهار شخص أو أسرة بمجرد رؤية وجه الفقيد. من بين الجثث والصراخ وآلات الإنقاذ الضخمة وجهود المُنقذين، تظهر «بقايا حياة» كانت لأسر تعتقد أنها حصلت على الاستقرار، أو ربما كانت تسعى إليه، ويرى المارة فى الشارع جواز وتأشيرة سفر لأحد السكان كان ينوى أن يغادر البلاد، لكن القدر لم يمهله. التقط أحد كبار السن جواز وتأشيرة السفر الملقاة بين التراب والحطام، ورفعها عالياً وقال: «اللى عايز يحافظ على عمره يطلع من البلد دى، بلدنا مابقاش فيها غير الموت والخراب يا تموت تحت عربية أو على قضيب قطار أو غرقان فى البحر أو تحت أنقاض عمارة أو بالأكل المسموم أو المياه الملوثة أو الهواء الفاسد». بينما احتفظت سيدة فى العقد الرابع من عمرها، بملابس طفلة صغيرة، فى مشهد أبكى النساء والرجال. مكالمة هاتفية أنقذت أكرم محمد الذى يقطن بالدور الرابع، وأسرته من الموت، حيث تلقت زوجته اتصالا من شقيقتها قبل الحادث بيومين تطلب منها زيارتها فى محافظة الإسماعيلية لمرضها الشديد، الأمر الذى دفعه إلى إغلاق الشقة بالقفل وجنزير، واصطحاب زوجته وأبنائه ال 3 لزيارة المريضة. اتصل الجيران بأكرم الذى يعمل نجارا فى العقد الرابع من عمره، لمعرفة مكانه تحت الأنقاض، ليصرح لهم بأنه فى منزل والده بعد توصيل أسرته إلى سيارات السفر. وقال أكرم إنه وكل السكان طالبوا عشرات المرات المسئولين بإجبار مالك العقار بعمل الترميمات اللازمة، وإزالة مياه الصرف التى تسببت فى تآكل الخرسانة والأعمدة والأساسات، منتقداً ما وصفه بالتقاعس عن مراقبة «كوارث المحليات» على الرغم من الاتفاق مؤخرا على أن تدفع كل أسرة مبلغ 4 آلاف جنيه لتجميع مبلغ 150 ألف جنيه لإصلاحه، قبل الحادث بأسبوعين.