سبع سنوات تفصل بين الفيلم الوثائقي Man on Wire الذي تم إنتاجه عام 2008 والفيلم الروائي The Walk المأخوذ عن نفس القصّة، والتي تحكي ما قام به مؤدي الاستعراضات الفرنسي Philppe Petit عام 1974 الذي جعل من السحاب مسرحًا ليقوم بالاستعراض الأعظم في القرن من خلال عبوره المسافة بين برجي مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك، على حبل بارتفاع 400 متر بطريقة ساحرة، الحدث الذي تسبب في إحداث ضجّة كبيرة في المدينة، قبل أن يتم القبض عليه بعد أن استعرض لمدة 45 دقيقة تخللها المشي والرقص والاستعراض والتنقل بين البرجين على الحبل 8 مرات متتالية، فيما سماها البعض "الجريمة الأكثر فنًا في القرن". يعتبر الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار Man on Wire أشبه بما يسمّى Genre Film فهو ليس من نوعية الأفلام الوثائقيّة التقليديّة، فخلال 90 دقيقة، اعتمد المخرج James March على جميع عناصر الفيلم السينمائي لعمل فيلم وثائقي أقل ما يقال عنه إنّه عمل عظيم. بداية من السيناريو المكتوب بالأحداث غير المتسلسلة، والأسلوب التشويقي في طريقة حكي المغامرة وجمع كل المشاركين في ما اعتبره البعض "جريمة"، ونقل شعور كل شخص منهم ما بين التشجيع والحكمة أو الخوف والانسحاب، مرورًا بأشهر عديدة من البروفات وصنع نماذج مصغرة من الأبراج، حتى الوصول إلى اللحظات الأخيرة ما بين "البداية الخاطئة ثم إنقاذ الوضع ثم النجاح"، بالإضافة إلى قرار التصوير بالأبيض والأسود وبعض المشاهد التي تمَّ إعادة تمثيلها لتكون جزءًا من الفيلم والتي جعلت الفيلم أشبه بأفلام الجريمة الفرنسيّة القديمة، ونهاية بالمونتاج واستخدام موسيقى بيتهوفن كموسيقى تصويريّة للحدث، ليجعلك كما لو أنك تشاهد قصة ناجحة لعمل فني رائع ولكن لجريمة مكتملة الأركان. ولكن في رأيي ما يميز Man on Wire تحديدًا هو أن Petit يحكي قصته بنفسه، فهو يتذكر الحدث بتفاصيله الدقيقة وينقلها بطريقة رائعة تجعله كأنما ينقل مشاعره بطريقة تجعلك كمشاهد تدمع فرحًا من روعة ما قام به، ولا تصدّق ما إذا كان ذلك حقيقيًا. بالإضافة إلى لقطات الفيديو النادرة لإنشاء برجي مركز التجارة العالمي، واستعدادات Petit للحدث، وبرغم عدم وجود لقطات فيديو للمشي على الحبل ولكن باعتقادي أن الصور الفوتوغرافيّة النادرة من الحدث مصحوبة بتعليق Petit ووصفه للحدث كانت كافية لجعله واحدًا من أهم الأفلام الوثائقيّة في التاريخ. في العام 2015 يقرر المخرج Robert Zemeckis أن يصنع فيلمًا روائيًا عن نفس القصة The Walk ليجعل المستحيل ممكنًا وينقل للمشاهد ما كان ينقص الفيلم الوثائقي، وهو لقطات فيديو من عبور Petit للحبل بين البرجين. وبخلاف النصف ساعة الأخيرة من The Walk، الفيلم يعتبر أقل من العادي، إلى أن تحين لحظة المشي على الحبل ليستعرض Robert Zemeckis آخر ما توصلت إليه هوليوود من التكنولوجيا والرؤية الفنيّة لاستخدام الجرافيكس وال3D IMAX من خلال تحفة بصريّة وتجربة سينمائيّة مذهلة أقل ما توصف بأنّها صادمة للعين وحابسة للأنفاس وخافقة للقلب. الفيلم يحبس أنفاسك كمشاهد كما لو أنك تمشي فعليًا على الحبل، وأن السحاب يسير خلالك، يمشي Gordon Levitt الذي يقوم بدور Petit على الحبل وتقديم استعراضاته لمدة 15 دقيقة، ويتم تصويره من كل الزوايا وبكل الأحجام الممكنة لدرجة تجعلك تتصبب عرقًا وتشعر بالدوار والخوف وكأنك ستسقط من هذا الارتفاع المرعب. في النهاية، إذا كنت من محبي الأفلام المبهرة بصريًا، فيجب أن تشاهد The Walk أو على الأرجح آخر ربع ساعة منه فقط، ولكن إذا أردت الشعور حقيقيةً بروعة ما قام به Philppe Petit فبألتاكيد يجب أن تشاهد Man on Wire لتستمتع بقصه نجاح فريدة من نوعها ولكن الأعظم هو مشاهدتك لشخص يقوم بفعل شيء تعلم أنّه لا أحد آخر في العالم سيكون قادرًا على القيام بمثله مرة أخرى في التاريخ.