احتفل الملايين من المصريين والعرب وشعوب العالم الثالث بذكرى ميلاد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، يوم أمس، وقبلها بأيام خمسة احتفلنا بذكرى «ميلاد» السد العالى.. وقد كان السد العالى الحلم الذى ناضل عبدالناصر فى سبيل تحقيقه، ومن ثم تأمين مصر واستقلالها.. فإلى جانب توسيع الرقعة الزراعية، تطبيقاً لمبدأ من لا يملك قوت يومه لا يملك حرية قراره، كانت استراتيجية السد فى ضمير عبدالناصر ووجدانه كى يقى مصر شر سنوات الجفاف أو الفيضان التى كانت تضعنا أمام احتمالين؛ العطش.. عطش البشر والأرض، أو الفيضان الذى كان يغرق المحاصيل ولا يلتفت لقوة فى طريقه، وقانا السد من كارثة الجفاف الذى ضرب دول حوض النيل، ووقتها كانت صور مآسى الأفارقة من جراء نقص المياه تملأ شاشات التليفزيون الرسمى، وفرض السد العالى نفسه فى هذه الظروف، فقال الخبراء إنه حمى مصر من المجاعة ووصفوه بأنه من أعظم مشروعات البشرية وأعظم مشروع فى القرن العشرين، أما كهربة الريف فقد كانت حلماً يسعى عبدالناصر لتحقيقه لإخراج الفلاح المصرى من الظلام إلى الضوء الباهر، ولن أنسى أبداً كلمات صلاح جاهين التى شدا بها عبدالحليم حافظ على أنغام كمال الطويل، تؤكد للزعيم أن الأعداء لن يجبرونا على قبول «إخراجه» من المشهد السياسى، وكان من أجملها تلك التى تقول: يا بنّاى السد العالى والكهربا فى الريف بتلالى.. إلخ الأغنية التى كُتبت كلماتها وتم تلحينها وغنّاها حليم مساء يوم هزيمة يونيو التى تحولت بفضل إيمان الشعب بقائده إلى ملحمة نضال من حرب الاستنزاف إلى نصر أكتوبر.. وتشاء الصدف أن يكون ميلاد السد العالى فى نفس الشهر الذى ولد فيه عبدالناصر، وقد ألحت العلاقة بين جمال عبدالناصر والسد العالى علىّ ونحن نعيش أياماً يتعرض فيها الزعيم إلى حملة ضارية لا تتورع عن استخدام الافتراءات والأكاذيب والإنكار الفاضح للحقائق.. فالنظام الحالى الذى يعادى الستينات لم يحتفل بذكرى بناء السد العالى، ولا بمعركة السويس التى أسست لبنائه.. ولكن الحقائق كما الإنجازات تبقى ثابتة وشامخة، وعلى سبيل المثال.. فقد نبهنا الرائع إبراهيم عيسى إلى أن الشيخ السلفى السعودى العريفى الذى قال كلمات بديعة وصادقة فى حق مصر حتى لو تبين أنه لم يبخل بمثلها على اليمن وسوريا، قد جانبته الأمانة وهو يتلو قصيدة حافظ إبراهيم الفريدة «مصر تتحدث عن نفسها»، حيث أغفل البيت الذى يقول: وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفونى الكلام عند التحدى!! فهل تجاهل الشيخ السعودى للأهرام بحكم تفكيره السلفى، يعنى أن الأهرامات ليست موجودة؟ وهل تجاهل كارهى عبدالناصر للسد العالى يؤدى إلى «زوال» السد واعتباره غير موجود؟ ستظل الأهرام شامخة وسيبقى السد سداً منيعاً ضد الجوع والعطش والظلام.. وستبقى يا عبدالناصر «مولوداً» جديداً فى كل يوم فى مصر وكما حدث فى ميدان التحرير أيام الثورة.. وكل عام وأنت فى قلوبنا!