"ع هدير البوسطة.. كانت نقلتنا، من ضيعة حملايا على ضيعة تنورين.. واتذكرتك يا عليا.. واتذكرت عيونك.. ويخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين". بأي شكل من الأشكال مستحيل تكون عايش في الوطن العربي ومسمعتش الأغنية دي بأي شكل من الأشكال، وقد يأخذك اللحن المبهج وتنسى نفسك وتتمايل معاه، حتى بدون ما تفهم الست فيروز بتقول إيه. وده السؤال اللي كان دايمًا يلّح عليّا كل مره أستمع فيها للأغنية. إيه هي البوسطة؟. فيروز مكانتش تقصد البوسطة المختصة بإرسال الجوابات بكل تأكيد، لكن في لبنان البوسطة هو مصطلح قديم بيطلقوه على الأتوبيس. و"حملايا" و"تنورين" ما هما إلا محطتين في قرى لبنان بينتقل بينهم الأتوبيس ذهابًا وإيابًا. لكن الموضوع مابينتهيش هنا. خليني أصدمك وأقولك إنّ "ع هدير البوسطة" مش أغنيّة فيروز ولا فيروز أول واحدة تغنيها. في بداية السبعينات زياد الرحباني- ابن فيروز وعاصي الرحباني- كنوع من إثبات الاستقلالية انفصل عن المؤسسة الرحبانية وكوّن فرقة مسرحيّة خاصة به وعمل أكثر من مسرحية فنيّة لاقت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا زي "سهرية"، و"نزل السرور"، و"بالنسبة لبكرة شو"، وفي الأخيرة دي، كتب ولحّن أغنيّة "ع هدير البوسطة" واللي كان بيؤديها اللبناني جوزيف صقر، وصلت الأغنية لمسامع عاصي الرحباني وعجبته وطلب من ابنه زياد إنّ فيروز تغنيها في حفلتها الجاية في مسارح باريس. زياد: ما في مشكله بس الأغنية حقها 500 ليرة. أنت أبي بس نحنا بحالة حرب. وتم الاتفاق وغنّت فيروز الأغنية لكن الأمر اللي أزعج زياد إنّ اللحن بتاعه تم تسريعه بشكل كبير عن لحنه الأصلي اللي غناه جوزيف. لكن دي مكانتش الأزمة الوحيدة اللي كانت متعلقة بالأغنيّة، في الوقت ده قامت مشكلة في لبنان وتم اتهام زياد بالتحريض على الخيانة الزوجية بسبب الكوبليه "فيه واحد هو ومرته ولو شو بشعة مرته، وحياتك كان بيتركها تطلع وحدها ع تنورين.. ولو بيشوفوا عيونك يا عليا شو حلوين". الموضوع ده خلّا فيروز تكون حذرة جدًا في أي تعامل قادم مع أي شغل لزياد وهو الأمر اللي خلّاها تتجنبه فترة كبيرة امتدت لسنوات لحد ما اتقابلوا تاني في اللقاء الجميل و أغنية "كيفك إنت" وبرضو حصلت انتقادات بالجملة بسبب جملة "ملا إنت" اللي اعتبروها غزل صريح وفج من فيروز- الجملة اللي معناها (يا جميل إنت)، لكن الأسطوانة قدرت تتخطى ده وتحقق أفضل مبيعات طول السنة. وتوالت بعد كده اللقاءات بين زياد وفيروز وشكلّو ثنائي عظيم ساهم في تغيير شكل الأغنية اللبنانية بشكل خاص والعربية بشكل عام. زياد بشغفه وحبّه لموسيقى الجاز والموسيقى الغربية قدر إنه يطوّر من شكل الموسيقى العربية.. وفيروز بصوتها الشجي والمتمكن قدرت إنّها تعيش حالته.. وقدرت معاه إنّها تنتقل من فيروز الكلاسيكية الرومانسية ل فيروز العصرية. لكن في كل الأحوال فضلت فيروز اللي بتشع جمال وبهجة وحب بكل شكل مع أي ملحن وفي كل لون غنائي.