على أحد أرصفة سوق الزعفران بمنشية الصدر يفترش «عبدالعزيز» الشهير ب«عم زيزو» بضاعته، يضع أدواته فى تناغم مقصود ويدقق النظر فى كل نظارة يمسكها، واهباً إليها كل تركيزه حتى ينتهى من تصليحها، سعادة بالغة تغمر وجهه أثناء ممارسة عمله، بمجرد الانتهاء والجلوس على كرسيه يدخل فى نوبة حزن شديدة، يتذكر خلالها القروض التى تراكمت عليه وحاجة أبنائه إلى المصاريف، ناعياً حاله الذى انتهى على مصطبة أمام «كشك نظارات» بعد بلوغه ال60 عاماً. «زيزو» زود دخله ب«كشك نضارات وشنيور»: «6 عيال فى رقبتى.. والديون مابترحمش» بدأ عم «زيزو» رحلة عمله بالشركة المصرية للاتصالات «آبى» التابعة لقطاع الأدوية وعمره 14 عاماً، يقول: «عملت رخصة أحداث عقبال ما أطلع البطاقة علشان أقدر أشتغل، قبل ما أطلع على المعاش الدنيا كانت ماشية بالبركة، معاشى 1600 جنيه باخد منهم 200 جنيه بصرف منهم جنب فلوس النضارات والباقى بيتحول على البنك علشان أسد القروض اللى عليا»، لم يحصل الرجل الستينى على حوافز ولا مكافأة نهاية الخدمة، مما جعل المهمة أكثر صعوبة عليه، واقترض مرة أخرى لبناء كشك نظارات خاص به مما ضاعف قيمة القروض التى يطالب بتسديدها. يؤكد عم «زيزو» أن بلوغه سن المعاش جعل الحياة أكثر شقاءً وزاد من أعبائه حيث تخطت قروضه ال60 ألف جنيه: «لقيت نفسى مجبر على الشغل علشان أسدد القروض وأصرف على عيالى ال6 بدل ما أمد إيدى لحد، بصلح أى حاجة فى النضارات ودى شغلانة نادرة ورزقها قليل لأن الصينى غطى عليها، فى عدد كتيرة مكلفة ناقصانى بس باضطر أختصر الشغل بالشنيور وأبعته على ورش تصلحه للزبائن»، ويضيف بنبرة حزينة: «مراتى شغالة عاملة فى جامعة عين شمس وبتساعدنى فى مصروف البيت، كنت مفكر إنى بعد المعاش هرتاح لكن لقيت نفسى متبهدل وقاعد على الرصيف بصلح نضارات». أزمات مادية عديدة مر بها عم «زيزو» عقب بلوغه سن المعاش، استطاع أن يتخطاها بسلام بفضل عمله: «لو ربنا رزقنى بجوز نضارات يبقى فضل وعدل وبمشّى نفسى بفلوسهم»، يبدأ يومه من ال8 صباحاً وحتى ال4 مساءً ثم يعود إلى منزله: «فى أيام مش بيكون فيها زباين خالص بس عندى قناعة أن لو ربنا رزقنى بمسمار بقول الحمد لله، أنا مجبر أشتغل عشان عندى 6 عيال فى رقبتى وفى 3 منهم فى سياحة وفنادق وصنايع، الأول كنت بتكسف وأنا قاعد على الرصيف لكن دلوقتى اتعودت على الشغل ومابقتش أقدر أقعد فى البيت، بقيت باعتز بالشغلانة جداً وبحب أطور نفسى فيها، وماشى على قد حالى وزى ما بيقولوا المضطر يركب الصعب»، يعود «عم زيزو» إلى أدواته مرة أخرى ويمسك بإحدى نظاراته قائلاً: «مش معنى إنى طلعت على المعاش يبقى مستحيل أشتغل، طالما فيه صحة والظروف محتاجة السعى لازم الواحد يستحمل وييجى على نفسه».