الإعلام من الوسائل الهامة التى تسهم فى تشكيل المجتمعات والتثقيف والتوجيه، كما أنها تساعد على وجود مناخ ديمقراطى إذا قامت بدورها فتخلق ما يسمى «سوق الأفكار» (The Market place of Idea) أى عرض وجهات نظر متباينة ومختلفة بطريقة متوازنة دون التهويل أو التقليل من شأن أى منها. ولذلك تشرّع كثير من الدول (الديمقراطية) بعض السياسات لتضمن عدم سيطرة فئة قليلة سواء من الأشخاص أو الأحزاب على نسبة كبيرة من وسائل الإعلام. ويرجع هذا لأن وقوع ملكية وسائل الإعلام فى أيدى فئة قليلة يؤثر بشكل حتمى على ما يقدم للجمهور من خلال سيطرة هذه الفئة على الأجندة الإعلامية أى على المواضيع التى يجب على وسائل الإعلام تغطيتها أو على طريقة تغطيتها. فإما أن تتم تغطية بعض المواضيع من وجهة نظر واحدة لأن وجهة النظر الأخرى لا تخدم أهداف الفئة القليلة أو أنه قد يتم تجاهل بعض المواضيع وعدم تغطيتها كلياً. ولقد كان الإعلام الحكومى خير مثال على ذلك فى العصور السابقة حيث كانت أولوية الأخبار للرئيس وأعماله. وما زال هناك كثير من التجاوزات سواء فى الإعلام الحكومى أو الخاص. ويرجع هذا إلى غياب التشريعات الملزمة لوسائل الإعلام لعرض وجهات النظر المختلفة. فتعمل الدول الديمقراطية على ضمان التعددية من خلال نقطتين؛ الأولى هى ضمان عرض وجهات نظر وآراء مختلفة فى مختلف وسائل الإعلام. والثانية هى منع أى مؤسسة إعلامية من أن تسيطر بشكل كبير على الرأى العام أو الأجندة السياسية من خلال ملكيتها لمنافذ إعلام عديدة، على سبيل المثال امتلاك أكثر من قناة تليفزيونية وفى نفس الوقت امتلاك محطات إذاعية وصحف عدة. ولكن هل وجود عدد كبير من القنوات أو الصحف أو الإذاعات يضمن التعددية؟ الإجابة: ليس بالضرورى. وذلك لأنه من الممكن أن يكون لملاك تلك الوسائل الإعلامية آراء أو سياسات متشابهة بدرجة كبيرة وبالتالى لن يوجد طرح مختلف للقضايا مما يساعد على ما يسمى «سوق الأفكار» لدى المشاهد لإعطائه حرية اختيار أو انتقاء ما يؤمن به. ويرجع البعض إلى أن التعددية تحدث بالتزام الوسائل الإعلامية بالقواعد المهنية مثل ضرورة الالتزام بالمصداقية والدقة والتغطية المحايدة غير المنحازة. ولكن فى حقيقة الأمر، يصعب مراقبة جميع القنوات ومدى التزامها بتلك القواعد المهنية. وكانت بعض الدول الديمقراطية تمارس بعض الضوابط لمنع وجود اندماجات بين المؤسسات الإعلامية لضمان التعددية بكثرة عدد الوسائل الإعلامية. ولكن مع التطور التكنولوجى والدخول فى عالم الرقمنة وكثرة عدد الوسائل الإعلامية، أصبحت الاندماجات بين الشركات الإعلامية ضرورية للحفاظ على جودة البرامج وزيادة الاستثمارات أيضاً. فأصبح التنظيم يركز على المنطقة الجغرافية التى تغطيها القناة أو المحطة أو الجريدة. فمن له قناة تليفزيونية تغطى العاصمة لا يُسمح له بأن يمتلك أكثر من 20% من صحيفة تغطى نفس المنطقة الجغرافية وتختلف النسب من منطقة إلى أخرى. وهذا ما يجب أن تعمل عليه الهيئات الجديدة المزمع إنشاؤها. ويوازى هذه التشريعات وجود قانون لحماية المنافسة يهدف إلى عدم خلق أى مؤسسة بشكل احتكارى مما يجبر المنافسين على الخروج من السوق لعدم قدرتهم على المنافسة وبالتالى تقليل عدد الوسائل الإعلامية والأصوات المختلفة ولن يكون أمام الجماهير إلا المؤسسة الإعلامية المحتكرة لتفرض أجندتها وآراءها. وأخيراً وليس آخراً، يتطلب الأمر وجود هيئة مستقلة تعمل على وضع التشريعات الخاصة بتنظيم ملكية وسائل الإعلام ووضع ضوابط لمختلف البرامج من أجل الحفاظ على تغطية الأخبار بمصداقية وحيادية وعرض لمختلف وجهات النظر وضمان التعددية.