فتحت عدة دول تحقيقات في عمليات تبييض أموال بعد فضيحة "أوراق بنما"، التي كشفت تورط مسؤولين سياسيين كبار حول العالم ومشاهير من عالم المال والرياضة في عمليات تهرب ضريبي. وسرعان ما ظهرت آثار الزلزال الذي أحدثته الوثائق المسربة من مكتب المحاماة البنمي "موساك فونسيكا"، والواقعة في 11.5 مليون وثيقة، من هزة سياسية في أيسلندا إلى إطلاق تحقيقات في فرنسا وإسبانيا وأستراليا وصولا إلى تنديد روسيا. وأعلن القضاء البنمي، مساء أمس، فتح تحقيق في الوقائع التي أوردتها وسائل إعلام وطنية ودولية تحت اسم "أوراق بنما"، وأوضحت النيابة العامة أن التحقيق يرمي لتبيان ما إذا كانت هذه الوقائع تنطوي على مخالفات قانونية، وتحديد مرتكبي هذه المخالفات، وما إذا كانت قد تسببت بأضرار مالية. وأقرت النيابة العامة البنمية بأن المعلومات الواردة في "أوراق بنما" هي على درجة غير مسبوقة من التعقيد واتساع النطاق، لكنها أكدت أنها ستستخدم كل الوسائل المتاحة أمامها في سبيل إنجاز هذا التحقيق. والأحد الماضي، كشف تحقيق صحفي ضخم أطلق عليه اسم "أوراق بنما"، شبكة من التعاملات المالية السرية تورط فيها عدد من النخبة العالمية، من بينهم مقربون من فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جينبينج، وعدد من مشاهير الرياضة والسينما. ونفى الأرجنتيني ليونيل ميسي نجم "برشلونة"، والفرنسي ميشال بلاتيني، أي ضلوع لهما في فضيحة التهرب الضريبي، أما موسكو كان ردها شديد اللهجة مستهدفا الولاياتالمتحدة، حيث أعلن الكرملين أن التحقيق أجراه عناصر سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، ومسؤولون سابقون في وزارة الخارجية. واعتبر الكرملين أن المستهدف الرئيسي في هذه التسريبات هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بهدف زعزعة استقرار روسيا. واستمر التحقيق الصحفي عاما كاملا وتركز على البحث في نحو 11.5 مليون وثيقة سربت من مكتب المحاماة البنمي "موساك فونسيكا"، الذي يعمل في مجال الخدمات القانونية منذ 40 عاما وله مكاتب في 35 بلدا، ويعمل هذا المكتب على إنشاء شركات "أوفشور" لزبائنه في دول تعتبر جنات ضريبية، بهدف التهرب من دفع الضرائب أو لتبييض أموال. وكشفت "أوراق بنما" عمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة "أوفشور" في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم. في صلب الفضيحة رئيس حكومة أيسلندا، ديفيد سيجموندور جونلوجسون، بعدما كشفت "أوراق بنما" أنه أسس مع زوجته شركة في الجزر العذراء البريطانية ليخفي فيها ملايين الدولارات، ورفض الاستقالة رغم نزول آلاف الأشخاص إلى الشارع مساء أمس، في ريكيافيك للمطالبة باستقالته، وسلمت المعارضة مذكرة لحجب الثقة عنه وستعرض على تصويت في موعد لم يحدد بعد. وفي أوكرانيا، أكد الرئيس بترو بوروشنكو أنه يحترم القانون بحرفيته لكن دون أن ينفي وجود حسابات في الجزر العذراء البريطانية. في الأرجنتين، أكد الرئيس ماوريسيو ماكري، بعد نشر تسريبات "أوراق بنما"، التي كشفت أنه كان مديرا لشركة مقرها في جزر الباهاماس، أن كل ما قام به في هذا الإطار كان قانونيا ولم يرتكب أي مخالفة. كما نفت عائلة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، القيام بأي عمل غير مشروع، وأطلقت عدة حكومات تحقيقات، وفتح القضاء الفرنسي تحقيقا بتهم "تبييض تزوير ضريبي فادح". وأفادت صحيفة "لوموند" الفرنسية بأن نظام "أوفشور" متطور أقيم من قبل الدائرة الأولى من الموالين لمارين لوبن، رئيسة الجبهة الوطنية، الحزب الفرنسي اليميني المتطرف، مستندة بذلك إلى وثائق من "أوراق بنما". في إسبانيا، فتح القضاء تحقيقا ووعدت مصلحة الضرائب الهولندية أيضا بمتابعة أي قضايا تهرب ضريبي، وبدأت أستراليا تحقيقات عن 800 من زبائن موساك فونسيكا. كما كشفت وثائق من "أوراق بنما" أن بين زبائن مكتب المحاماة البنمي شركة وهمية كورية شمالية، تستخدم لتمويل البرنامج النووي لبيونج يانج. وذكرت صحيفة "جارديان" البريطانية و"بي بي سي" بأن عددا من نحو 11.5 مليون وثيقة درسها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين يتعلق بشركة "دي سي بي فاينانس"، التي تتخذ من بيونج يانج مقرا لها، لكنها مسجلة في الجزر العذراء البريطانية منذ 2006، وأنشئت بشكل قانوني من قبل مكتب المحاماة. وهناك نحو 30 مصرفا ألمانيا بينها "دويتشي بانك" و"كوميرسبانك" استعانت بخدمات "موساك فويسيكا"، بحسب صحيفة "تسيدوتشي تسايتونج". فيما طالبت عدة منظمات غير حكومية تحارب الفساد بحظر الشركات الوهمية، إذ اعتبرت منظمة "الشفافية الدولية" أنها تشكل الجانب المظلم للنظام المالي العالمي، وتتوالى تفاصيل إضافية عن هذه الفضيحة فيما وعدت الصحافة بمواصلة كشف معلومات خلال الأيام المقبلة. وعلى لائحة الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، إلى جانب الشخصيات السياسية، مشاهير مثل الممثل جاكي تشان من هونج كونج، والمخرج السينمائي الإسباني بدرو المودوفار، وشخصيات رياضية مثل نيك فالدو وحتى أحد أعضاء الفيفا. وأعلن متحدث باسم وزارة العدل الأمريكية، أمس، أن السلطات تدرس المعلومات المنشورة في إطار "أوراق بنما".