تعيش السينما المغربية فى السنوات الأخيرة حالة من الازدهار إنتاجياً، والانتعاش فنياً وفكرياً؛ حيث تتعدد الرؤى والأساليب وتتحاور الأفكار ويواصل فنانوها التعبير عن الصراع المحتدم بين الحرية والاستبداد، فظهرت عشرات الأفلام التى تناهض الاستبداد باسم الدين، وتفضح الاستبداد والديكتاتورية باسم الأمن والاستقرار، وراح المخرجون المغاربة يكشفون زيف دعاوى الطرفين، فكلاهما يسعى إلى السلطة والحكم؛ سواء من يتكلم باسم الله ويستحل قتل عباده، أو من يتشدق بالديمقراطية ليمارس طغيانه وفساده.. يقول المفكّر الكبير عبدالرحمن الكواكبى (1849-1902) فى كتابه القيّم الشهير «طبائع الاستبداد ومَصارع الاستعباد» محذراً من عواقب الاستبداد على الأمم: «إن الاستبداد أشد وطأة من الوباء، وأكثر هولاً من الحريق، وأعظم تخريباً من السيل».. ويشير إلى أن الاستبداد السياسى، فى رأى البعض، قرين الاستبداد الدينى الذى تمارسه جماعات الإسلام السياسى حالياً، باعتبارهم الأوصياء على الدين، حرَّاس العقيدة ومُلّاك الحقيقة!! نموذجان للاستبداد الدينى والسياسى يقدّمهما المخرجان المغربيان نبيل لحلو ومحسن بصرى وفيهما يعكسان مدى قلق المستبدين من الفن -نقيض الاستبداد- وخوفهم من تأثيره على الجماهير وقدرته على كشف أباطيلهم ودحض أكاذيبهم وعدائهم للإبداع وحرية التعبير. فى فيلم «أنظر للملك فى القمر» (2012) يستخدم نبيل لحلو، مؤلف العمل ومخرجه، الواقعية والتاريخانية والمجازية والتعبيرية والتجريبية والأجواء المسرحية، ويتحلل من أساليب السرد التقليدية ويتحرر من أسر الصورة الكلاسيكية ليقدم عملاً حداثياً يطرح من خلاله رؤيته للواقع المغربى التاريخى والمعاصر ويثبت أن وحشية عصر الاحتلال لا تختلف كثيراً عن شراسة عصر الاستقلال، فما أن يجترئ بطله «فتَّاح» المخرج المسرحى على تقديم مسرحية شكسبير «يوليوس قيصر» التى تدعو للثورة على قيصر وقيام الجمهورية، حتى يتعرض للتنكيل والتعذيب الذى أفضى إلى الموت، ففى ظل الأنظمة الاستبدادية تغدو الدعوة إلى التغيير أو فضح التسلط والطغيان من الممنوعات.. فى لفتة ساخرة، يشير لحلو، مؤلف ومخرج العمل، إلى جهل وغباء زبانية الطاغية المستبد الذين يصرون على انتزاع اعتراف «فتّاح» بهوية مؤلف المسرحية الذى يسمونه «الشيخ صابر/ شيخْصَابير» أى شكسبير للقبض عليه!! فى «المغضوب عليهم» (2012) لمؤلفه ومخرجه النابه محسن بصرى -الذى أدار بمهارة أحداث فيلمه فى مكان واحد وزمان يستغرق سبعة أيام- نرى فى المشاهد الأولى مجموعة مسلحة من إحدى الجماعات الإرهابية المتأسلمة، تختطف خمسة من أعضاء فرقة مسرحية جوّالة، ثلاثة شبان وفتاتين، كانوا يستعدون لتقديم عروضهم فى القرى والمدن المغربية.. يأسرونهم فى منزل ريفي مهجور انتظاراً لتعليمات أمير الجماعة لتحديد مصائرهم.. تتأخر التعليمات.. يحاول الشباب إقناع مختطفيهم بأن ما يقدمونه هو فن إنسانى لا يعادى الدين، لكن الآذان الصماء لا تعرف الحوار بل تظل تترقب مكالمة الأمير لتحديد ما يجب عليهم اتخاذه نحو المُختَطفين بعد قتلهم، تطبيقاً لشرع الله، الذى أوجب -فى نظرهم- قتل المخالفين من الكفار والصابئين الضالّين أعداء الإسلام الذين يرتكبون المحرّمات -والفن فى مقدّمتها- فهو ضلالة والفنانون هم الضّالون.. استبداد دينى من جماعات تريد أن تفرض رأيها على المجتمع بقوة السلاح عبر فئة أُغلقت عقولهم وقلوبهم وعَمِيتْ أبصارهم عن الحق، مجموعات من الأفظاظ الغلاظ تربوا على السمع والطاعة فلا رأى لهم ولا قرار، وحين تغيب الأوامر يرتبكون، ويختلفون: هل يدفنون الجثث أم يتركونها فى العراء؟! استبدادان، سياسى ودينى.. كلاهما سوف يلفظهما التاريخ!!