قديما كان من المتعارف عليه أن الفتوى لا يتصدى لها إلا الفقهاء وعلماء الدين المتخصصين؛ خاصة من أساتذة وشيوخ الأزهر الشريف أما الآن فقد تجرأ على الفتوى الكثيرون ممن يعرفوا بشيوخ الفضائيات الذين راحوا يكفرون الآخرين ممن يختلفون معهم سياسيا وثقافيا ودينيا. وكان آخر هذه الفتاوى ما جاء في أحد البرامج التليفزيونية بفتوى احدهم بأن زيارة ضريح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حرام، وفتوى الشيخ وجدي غنيم والشيخ محمد نظمي الأثري بتحريم الانضمام لحزب الدستور الامر الذي قوبل بالرفض الشديد من عدد من القوى السياسية، بالإضافة إلى العديد من الفتاوى الأخرى التي أثارت جدلا واسعا في الشارع المصري. لكن السؤال هل يستمر هذا المسلسل بحلقات جديدة ليأتي يوم ونري أحدهم ويقول ان شرب المياه حرام مثلا؟ بداية يقول الشيخ الدكتور محمد أبو ليلة -أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر ورئيس جمعية التواصل الحضاري- ليس المعني بالفتوى أشخاص معنيين بالفتوى فقد لا يكونوا مؤهلين لذلك كشيخ الأزهر أو رئيس جامعة أوعلماء بالأزهر بل يمكن ان يكونوا اشخاص لا يتمتعون بمناصب بل يتمتعون بالحكمة والرؤية الوسطية والتعليم الأزهري الإسلامي؛ مضيفا أن هناك فوضى كبيرة يعيشها المجتمع وذلك نتيجة قلة العلم فيتخذون من الإسلام مهنة هدفها الاعلام والظهور التلفزيوني بشكل أكبر من أن يكون هذا الهدف هو خدمة الدين فيعملون للظهور الاعلامي علي حساب الدين؛ فينشرون أفكارا يضلون بها الناس ويحدثون بلبلة لفكر المواطن الأمر الذي يسمح لغير المسلمين بالتطاول علي الاسلام ويعملون للهجوم عليه وهذا ما نرفضه ويرفضه الجميع شكلا وجوهرا. وأضاف أنه مع ظهور المطابع والنشر الورقي والالكتروني اصبح هناك فضاء واسع لنشر العلم وبالتالي سهولته لخدمة أغراض شخصية نظرا لترويج فكر بعينه او خدمة طائفة بعينها أو حزب بعينه، ساهم في ذلك الفضائيات التي تضم في فريقها أناس لهم لحى وجلباب وعمامة وأصبحت المؤهلات مؤهلات شكلية أكثر منها جوهرا؛ وفي بعض الأحيان تكون احدي الشروط عصا وكأن الامر انحصر في الشكل وليس بناء على الخبرة والوسطية الدينية المعتدلة التي تعبر عن الإسلام وبالتالي ايجاد فوضى خلاقة تسبب قدر كبير من الخطورة. فالمجتهدون في الاسلام علي مر التاريخ كانوا محددون بالتالي انحصرت المذاهب الفكرية والدينية دون تشتت فظهر المذهب المالكي والمذهب الحنفي والمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي نسبة إلى أحمد بن حنبل وبالتالي ظهر الاسلام الوسطي الرشيد وتطور مع تطور المجتمع؛ حتي جاء هذا العصر وتشتت مصادر الافتاء بغير رقابة أو أهلية لذلك وبالتالي لابد من تحديد من له الحق في الإفتاء. واستبعد أبو ليلة أن يكون الأزهر رقيبا لأن ذلك يدخل الازهر بالعديد من المشاكل هو لا شأن له بها فالرقابة شخصية ومن ثم يكون مسئولية اصحاب القنوات الاعلامية وقنوات الاتصال لجانب لابد ان يكون هناك عملية توعية على المدى الكبير بعمل ندوات ومؤتمرات لنشر الدين الاسلامي الوسطي. وعلي ذلك فيجب أن يحدد دور تلك القنوات الاعلامية لنشر أمور الدين العامة وليس لهم الحق في التشريع او الأمور المعقدة مضيفاً لو بيدي لأغلق القنوات التلفزيونية لأنها تعمل لتدمير الوسطية الدينية ونشر الفوضى كما يعطي سلاح خصب للعدو لزعزعة المجتمع. فهناك أشخاص مؤهلون للفتوى ومع ذلك لا نجدهم يوميا بالقنوات الاعلامية مثل الشيخ نصر فريد واصل والدكتور احمد ابو النور والشيخ رأفت عثمان والدكتور عبد الرحمن العدوي وعلي رأسهم فضيلة المقتي. ومن جانبه يقول دكتور أحمد كريمة استاذ الشريعة الاسلامية بجامعة الأزهر أن الله تعالي يقول "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون" ووفقا لقول النبي "إن أجرأكم على النار أجرأكم على الفتوى". فمما يدعو للأسى والحزن ويبعث الأسف هو فوضي الافتاء؛ فصار الافتاء مهنة من لا مهنة له؛ وإن دل هذا فيدل على غياب الورع وقلة الخوف من الله عز وجل والافتراء على الشريعة وكل ذلك من علامات الساعة حيث يقل شأن العالم ويعلو شأن الجاهل وينطق فيها الرويبضة الامر الذي ساعد على انتشار فوضى الفتاوى وانتشارها، خاصة مع انتشار القنوات التلفزيونية المنسوبة ظلما الي الدين ويقوم عليها متمذهبون مخربون متعصبون يخدمون مذهبا في الدين على حساب الدين نفسه فهذه القنوات تابعة لتيارات احتكار الدين كالإخوان المسلمين للتلاعب باسم الدين وإجهاض دور الازهر والعمل للقضاء علي الوسطية من قبل الوهابية السلفية المدعاة. فانظر لشاشات التلفزيون تجدها تقذف المحصنات وتشبه البعض بالصراصير وهناك من يفتي بتحليل أكل لحوم الجن ومن يتناول بول الإبل ومن يريد إعادة الرق ومن يتطاول على المسيحية كل وفق رؤيته الخاصة دون أي وجه حق لذا يجب الوقوف امامهم بالحزم والحسم ضد هذه الفوضى تكون عن طريق الحوار المجتمعي وليس الازهر لان الازهر جهة ارشادية وليست رقابية كما ان الازهر لا يستطيع ان يجابه ويواجه جماعة الاخوان المسلمين او الجبهة السلفية. مضيفا لو كان الأمر بيدي لأغلقت كافة القنوات التلفزيونية لأنها أس البلاء وأحد أسباب الفوضى التي يشهدها المجتمع المصري خاصة بعد ثورة 25 يناير، فما يحدث حاليا من فوضى مجتمعية ما هو إلا حصاد عنف مسلح نتيجة العنف الفكري الذي تخلقه تلك القنوات التلفزيونية.