منذ أواسط القرن الخامس الهجري/الحادي عشر ميلادي ظلت السيرة الهلالية تروى عبر الإجيال على مدار تسعة قرون يتناقلها وينشدها مجموعة من المنشدين فى مصر وتونس وننجيريا وتشاد وأمريكا أيضا، حافظين مليون بيت شعر هى عدد أبيات والتى تعد أكبر عمل أدبي في التراث العربي. وتروى السيرة الهلالية تغريبة قبيلة بني هلال من نجد إلى الشام والعراق وصولاً إلى شمال أفريقي وتروى كيف لجأ أمراء دول الغرب الإسلامي ، من مرابطين وموحدين ومرينيين وزيانيين وحفصيين وغيرهم، إلى بني هلال ليتكلفو بالحماية والجباية، وكان يوجد إطار قانوني لهذا الغرض، منذ أن أقطع الخليفة الفاطمي سنة 441 ه 1049م أرض أفريقيا لرؤساء الهلاليين. هذا الاقطاع كان يعني تفويضا من السلطة، مكنتهم من استغلال الأرض الفلاحية وجباية الأعشار وفوائد الرعي وقبض الرسوم التي تؤدى على الأبواب والممرات والقناطر والأسواق وغيرها. مقابل هذه الامتيازات تحمل الهلاليين مسؤولية الدفاع ومحاربة كل من عادى السلطان داخل أو خارج الحدود، وارغام السكان على دفع ما بذمتهم للخزينة العامة. ويقول عمرو عبد العزيز منير الباحث فى التراث فى مقالة بحثية بجريدة الشرق الاوسط عن السيرة الهلالية : يعد النسق الثقافي الذي تصدر عنه السيرة الهلالية هو نسق الجماعة. وتبرز البطولة الجماعية في تغريبة بنى هلال؛ إذ ينعقد لواء البطولة في هذه التغريبة للجماعة الهلالية التي يمثلها كل من أبي زيد، ودياب بن غانم، ومرعي، والجازية وغيرهم. وهم يرتبطون بهذه الجماعة التي تؤطر حركتهم في المكان، وكان بروز الجماعة الهلالية بروابطها الأبوية سببا في تماهي بعض الجماعات بها؛ أي العصبية القبلية. وتشير ضياء الكعبي إلى أن قرية بنى هلال في محافظة سوهاج المصرية تمثل تقاليد الهلالية وطقوسها، فالقرية تغير بأكملها على قرية مجاورة لها في صورة الثأر الجماعي. كما أن نساء هذه القرية يحملن الرايات ويضربن الدفوف إيذانًا بالثأر على شاكلة الجازية والفتيات الهلاليات. وأهل هذه القرية يؤكدون انتسابهم إلى جدهم الأكبر أبي زيد الهلالي". ويضيف، إلى جانب هذه القبيلة الهلالية فإن الغجر في بعض رواياتهم يزعمون أن أبا زيد الهلالي جدهم الأكبر، وأنه كان المنشد الأول لهذه السيرة. وتذكر بريجيت كونللي Bridget Connelly أن تماهي الرواة والمتلقين مع سيرة بني هلال ومع أبي زيد الهلالي خاصة يبرز في بعض مناطق شمال السودان وغانا وتشاد ؛ إذ يطيل الراوي الوقوف عند ولادة أبي زيد الهلالي ولونه الأسود، وما واجهه من إقصاء القبيلة ونبذها". حمل عدد من الشعراء والمنشدين والقاصين فى صعيد مصر مليون بيت من ملحمة السيرة الهلالية عن ظهر قلب عبر فن "المربع" وهو الفن الذى يبدأ عادة بقصائد مدح الرسول والزهد في الدنيا وطلب المغفرة من الله، ليبدأ القص في السيرة ذاتها بالمربع. والمربع بيتان من الشعر يتكونان من أربع شطور مستقلة ومتصلة في ذات الوقت. تتشابه قافيتا الشطر الأول والثالث من جانب، والثاني والرابع من جانب آخر. من أشهرهم فى محافظة سوهاج كل من جابر أبو حسين من قرية ، المنشد عز الدين نصر الدين، والشيخ أبو الوفا، والشيخ عبد الباسط أبو نوح، والشيخ عطالله. ومن محافظة قنا كل من المنشد الكبير الشيخ سيد الضوى ، والشاعر عبد الرحمن الأبنودى، وشوقي القناوي، النادي عثمان بالأقصر. ويحمل المليون بيت من الشعرعلى كتفه الآن فى مصر الشيخ زين محمود المولود فى محافظة المنيا. أما شعراء السيرة الهلالية في الوجه البحري، فمعظمهم من الغجر. ويغنونها في صيغة موال مصري، مربع أو مسبع أو مثمن أو محبوك الطرفين. ويتكون من إثنى عشر بيتاً، ومن أبرزهم سعد الشاعر من المنصورة، وفتحى سليمان من المنوفيه، ومن كفر الشيخ كل من مبروك الجوهرى ، وفوزى جاد. وتحمل القاصة الأمريكية" أنيتا بيكر" شعلة السيرة الهلالية لتنشر المليون بيت من الشعر بالولايات المتحدة و فى كافة انحاء العالم، وفقاً ما ورد فى أبحاث باحث التراث التونسى عبد الرحمن أيوب. ومن تونس كتب الباحث محمد المرزوقى عن السيرة الهلالية وكيف تحولت الجازية الهلالية في إحدى الروايات التونسية إلى شخصية نسوية من التاريخ التونسي الحديث هى عزيزة عثمانة، وهي (عزيزة بنت عثمان باى) التي عاشت أواخر القرن السادس عشر الميلادي ( 1560 1610م)، وعرفت بأعمالها الخيرية لفائدة الطبقة الكادحة، وكأن الراوي أراد أن يؤكد المنحى الجماعي في شخصية الجازية وإيثارها العاطفة القومية التي تربطها بالجماعة الهلالية. أما عن مناطق بغرب نيجيريا، وحول بحيرة تشاد، وجد الباحثون قصصًا عن الهلالية لا تزال تتردد في وبلهجات اللغة العربية المحلية هناك.