عماد غزالي: أي محاولة لتقييد الفن والإبداع هي محاولة فاشلة. د. شمس الدين الحجاجي: الحل الأمثل هو التصارع من أجل الملكية. محمد عبلة: إذا خرج الإسلاميون عن فكرة حرية الفكر والإبداع سنكون في المعارضة. أبراهيم عبد المجيد: أنا مؤمن بأن الجماعة الإسلامية أفكارهم رجعية بالنسبة للفنون والآداب. سلماوي يرفض الحديث ويغلق الهاتف في وجهي ويهرب. حالة من الصمت المريب سيطرت على المثقفين رغم الحراك السياسيى والأحداث الساخنة والمتلاحقة، التى تموج بها مصرمنذ الحكم بحل مجلس الشعب، والاعلان الدستورى المكمل والجدل الانتخابى حتى اعلان النتيجة والتى سبقها شائعة وفاة المخلوع سريريا الامر الذى دعا الوادى للبحث عن المثقفين لتسألهم سر صمتهم ؟ والذى فسره البعض بان المثقفون يقفون في انتظار المشهد الأخير حتى يعرفوا في أي اتجاه يسيرون وعندما طرقنا ابواب العديد من المؤسسات الثقافية الأهلية منها نادي القصة، اتحاد الكتاب، جماعة شعراء الغضب، اتليه القاهرة، فكانت المفاجأة لا يوجد أي موقف واضح سواء مع أو ضد، ولم يخرج أي بيان أو تعليق من أي جهة، كما أن لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، عقدت أمسيتها الشعرية في موعدها وقد حضرها عدد من الشعراء الكبار، ولم تتطرق للأحداث الجارية بأي شكل من الأشكال!!! هنا قررت محاولة معرفة رأي المثقفين بعد أن حسم الأمر وأصبح دكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية، فقمت بالاتصال أولا بالأستاذ محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب، لمعرفة موقف الاتحاد بعد صعود التيار الإسلامي للحكم، فرفض الحديث وأغلق الهاتف.. وهنا كان لابد من التوجه للمثقفين كأفراد علنا نجد عندهم إجابات على تساؤلاتنا.. الكاتب والأديب إبراهيم عبد المجيد يقول: أن الحديث في هذا الموضوع سابق لأوانه، لأن هناك قضية كبرى هي قضية الأمة نفسها، النظام العام للأمة المصرية، التي من بينها قضية حرية الفكر والإبداع، وما سمعناه من مرسي اليوم من تعهدات بتشكيل وزارة مستقلة تمثل فيها كل الاتجاهات، وتعهده بأن الناس لديه متساون في الحقوق والواجبات، يعني أنه لا توجد مشكله معه، الموقف سيتضح في الأيام القادمة بعد حلف اليمين وتشكيل الوزارة، إذا ظل على تفكير الجماعة سيخلق معركة كبيرة، فأنا شخصيا مؤمن جدا بأن الجماعة الإسلامية أفكارهم رجعية بالنسبة للفنون والآداب، لكن تعهدات مرسي اليوم ربما ستكون ملزمة له، فهو يعلم جيدا أنه لم ينجح بأصوات الإخوان فقط، بل بأصوات الإخوان والثوار، فهو ممثل للشعب المصري، وقد قال في تعهداته أنه رئيسا لكل المصريين بكل طوائفهم. أما الكاتب والمفكر الشيعي الدكتور أحمد راسم النفيس فقد بدأ كلامه معي قائلا: أنا رافض مقولة التيار الإسلامي لأننا كلنا مسلمين، لكن من فاز في الانتخابات نستطيع أن نسميه التيار السلفي أو الوهابي. وأتوقع أن يكون منهج هذا التيار في الممارسة السياسية، هو عدم تقديم أي مشاركة حقيقية، إنما سيمارس نفس منهج الحزب الوطني والنظام القديم، لذلك فقد كنا في المعارضة وسنبقى فيها، فقد تعرضنا في كل العهود السابقة للقهر والقمع والحصار، ومصادرة كتبنا وتعرضنا لحملات التشويه ولم نغادر مواقعنا، ومازلنا على موقفنا. وأضاف النفيس: فوز هذا التيار الذي تعرض للقهر والاضطهاد من حسني مبارك على مدى ثلاثين عاما، أمر بالغ الأهمية وجاء صدمة لفريقين: فريق يدعي أنه معارض للنظام السابق، وهذا الفريق خرج مبكرا، منهم من حصل على حقيبة من المخابرات، ومنهم من حصل على حقيبتين، فخرج من المشهد، والفريق الآخر هو فلول الحزب الوطني الذين التفوا حول شفيق، وكانوا يحاولون استنساخ نظام مبارك. كل فريق حاول تجديد وجهه بما فيهم الإخوان لكن بنفس مرجعياتهم الدينية، الكل حاول أن يعمل على فكرة الصناديق السوداء، كل هؤلاء فلول: فلول فكري، فلول إخواني، فلول حزب وطني، فلول ناصري، فلول يساري.. البلد أصبحت في فترة تبحث عن الأقمشة الممزقة، لتصنع منها ملابس جديدة، فكان الترقيع والتلفيق، والصلف والغرور، غرور الصعاليك الذين يتصرفوا على أنهم أباطرة ومفكرين، فظهر في المشهد الأديب العالمي والروائي العالمي، وهذا ما وصلنا إليه، فهي أزمة مجتمع وليست أزمة انتخابات، على المستوى الواقعي تصرفنا واقعيا مثل كل الناس، أنا لست حالما ولا رومانسيا ولا أعيش في برج عاجي، لكن لابد أن نقول هذا الكلام، فالطبقة المثقفة في المجتمع هي أفسد طبقة، والفساد في رأيي هو التخلي عن المسئولية، فلم يقدموا أي أداء نوعي، ولم يناقشوا الإخوان في مرجعياتهم. وشيخ الأزهر على مدى الشهور الأخيرة كان يتصرف كالدمية في يد الإخوان، وهو يعلم أنهم يعدون العدة لذبحه، فأول قرار لمرسي هو تكسير عظام شيخ الأزهر، هذه الحالة يطلق عليها مقولة "أليس منكم رجل رشيد"، هل هذا مجتمع عاقل يستطيع أن ينتخب رئيس، فهو مجتمع مصاب بحالة هستيرية، وكل المقدمات كانت تؤدي إلى هذه النتائج، على مدى ثلاثين عام راقبت فيها الأداء، المعركة التي دارت مع الإخوان، والأزمة التي حدثت بعد 25 ينار جعلتهم يزدادوا تضخما، والأجهزة الأمنية نجحت في أن تقول لنا: الإخوان سيئين لكن لا يوجد غيرهم. وفي سياق متصل يقول الشاعر عماد غزالي: الذي طرح في البرنامج الانتخابي من خلال ما سمي بمشروع النهضة، يؤكد أنهم الوجه الآخر من الحزب الوطني، لكن بلافتة إسلامية، فهم يؤمنوا إلى أقصى حد باقتصاد السوق الحرة والمشروعات الاستهلاكية والخدمية، وبالشراكة مع الشركات العالمية الكبرى، بينما ليس لهم أي رؤية لصناعة اقتصاد وطني حقيقي مستقل أو لتحقيق العدالة الاجتماعية، هذا تصوري لكن إذا استطاعوا بناء تفاعل حقيقي مع تيارات وطنية أخرى، واستفادوا من الرؤى التي تملكها هذه التيارات، ربما ينجحون في تحسين وجه الحياة في مصر. طبعا لديهم مشكلة أخرى، وهي محاولة فرض رؤية للأخلاق والسلوك، وتطبيق هذه الرؤية على المجتمع، كأنهم يعيدون صياغته أو تهذيبه، فهذه مشكلة كبيرة لأن التدخل في الحريات الخاصة سيتصادم مع روح المجتمع المصري الذي يتسم بالبساطة والوسطية. وكذلك فرض أي قيود على حرية الرأي أو الإبداع سيمثل إشكالية كبيرة، لأنها مكتسبات تحققت للناس عبر كفاح طويل خاصة المرأة، ولا يجب التراجع عنها، ومن هنا سيكون هناك مأزق. وبشكل عام لم تنجح التيارات الإسلامية إلا إذا تبنت المنهج العلمي والعقلاني في التفكير، وفي تبني رؤية أقرب إلى رؤية رجب طيب أردوغان الذي قال: إن الدولة يجب أن تكون علمانية، بينما الأفراد هم الذين يكونون متدينون أو غير متدينون، لهم الحرية الكاملة في اعتناق أي نهج يريدون.. عموما الإبداع الأدبي والفني يجمع في كثير من طرائقه على الخيال الحر وعلى كسر ثوابت المنطق، واختراق القيود المتعارف عليها، ولا يحقق الفن غاياته الإنسانية الكبرى مثل الجمال والإمتاع والانتصار للقيم الجميلة، إلا بهذا النوع من الاختراق، مما يصدم أحيانا بذوي الأذواق التقليدية أو الجامدة، أو بممن يحاولون فرض قيود الدين والمفاهيم الجامدة للأخلاق على الفن، لذا فإن أي محاولة لتقييد الفن والإبداع هي محاولة فاشلة، لأنها محاولة قتل، إذا قتلت حرية المبدع فهو إما أن يراوغ ويفلت من هذا الحصار أو التوقف عن الإبداع، فحرية المبدع هي حياته التي لا يستطيع التخلي عنها. وأضرب لك مثلا بسيط: في أوج تألق الحضارة العربية الإسلامية، في القرنين الثالث والرابع الهجريين، حفظ التاريخ لنا أشعارا شديدة الإبداع والجمال، وبها ما بها مما أطلق عليه انحلال أو فجور أو شك أو إلحاد، وقد عاشت هذه الأشعار في وجدان الناس، ووصلت إلينا، ولم تصادر حريتهم رغم كل ذلك.. إذن فإنه من سمات الحضارة الكبيرة الواثقة في ذاتها أنها تتسامح مع شطط المبدعين، لأن هذا الشطط يكون أحيانا يكون شرطا وجزءا من عملية الإبداع. ويقول دكتور أحمد شمس الدين الحجاجي أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة: مرسي نجح سواء كان إسلامي أو غير إسلامي، وسيتسلم عمله كرئيس جمهورية مع بداية يوليو، أي بعد مرور ستين عاما على ثورة يوليو لتعيش مصر بداية جديدة بعد حكم العسكر، لهذا لابد أن نتعلم ثقافة تقبل الآخر، ولا نأخذ المسألة إسلاميين ومسيحيين، كلهم مصريين وكل واحد يرى أنه لابد أن يخدم بطريقته، فإخواننا المسيحيين يعيشون في الثقافة الإسلامية. وإلا كان الحل الأمثل هو التصارع من أجل الملكية، مثل انجلترا والسويد والدنمارك، لأننا أصبحنا ساخنين جدا ولدينا عنف. ويقول الفنان التشكيلي محمد عبلة مؤسس جبهة حماية الإبداع: يجب علينا أن ننتظر لنعرف ماذا سيقولون، فإذا أبدوا آراء جيدة في موضوع الفن والإبداع كان بها، أما إذا خرجوا عن خط حرية الفكر والإبداع، سنكون في المعارضة ونقف، لكن يجب ألا نستبق الأحداث، ففي الفترة السابقة كانت الأعصاب مشدودة، لكن الآن بعد الانتخابات واستقرار الأوضاع إلى حد ما، طبيعي أن يتم تأجيل هذه الموضوعات، فهناك ملفات أهم، لابد من البدء بها، وعدم إقامة قضايا خلافية الآن، فلابد من الاهتمام بالقضايا الكبرى التي الإبداع هو جزء منها، لكن بمجرد أن يختلفوا سنعارض.