أتذكر في ثمانينات القرن الماضي كنت أستيقظ دوماً علي صوت أمي و هي تُعد مراسم صعودها إلي سطح منزلنا القديم للزيارة الصباحيه لعشة الفراخ، و التي تحتل منزلة خاصة لديها كبقية نساء هذه المنطقة الشعبية. أمي كغالبية نساء مصر،لديهن مهارات التحايل علي متطلبات الحياة لتوفير قدر المستطاع إحتياجات أسرتها. أمي و كغالبية أمهاتنا جميعاً ليست علي قدر كبير من التعليم، و لكنها كغالبية أمهاتنا أيضاً تتمتع بقدر كبير من الذكاء التدبيري الفائق. عشة فراخ أمي كانت بالإضافه لأنها مصدر هام لاحتياجات أسرتنا من الدجاج و البيض إلا أنها أيضاً كانت بمثابه جزء من أسرتنا الكبيره العدد. كانت أمي تتعامل مع الفراخ علي اعتبار انها كائنات بدون عقل، مكانها العشة مع السماح لها باللهو علي السطح بعد صنع منطقة آمنه لها مرسومة الحدود بعدة أقفاص قديمه،ويجب علي جميع فراخ العشة العودة إلي العشة عندما تقرر أمي، شيئا فشيئاً أصبحت الفراخ تتحدي أمي في العودة إلي العشة. كُنت أري نظرة القهر في عيون الفراخ و التي تحاول أن تطيل فترة بقائها حره منطلقه تمرح علي مساحة سطح المنزل طولاً و عرضاً، بينما أري أمي تبذل كل جهدها في الجري وراء الفراخ مع الإستعانه بإخوتي الاصغر(سبع الليل) لإرجاع الفراخ إلي العشة. بعد فترة بدأت أمي تلاحظ إختفاء قسري لبعض الفراخ و مرض البعض الأخر،في البدايه انزعجت أمي وسرعان ما تحول انزعاجها إلي غضب مترجم في صوره حبس بعض الفراخ المُرجح تمردها ومشكوك في تفكيرها لعمل إنقلاب وتحريض الفراخ الأخري علي الهرب، أو علي أقل تقدير محاوله إحداث حراك غير مرغوب فيه (بحسب تفكير أمي). ما حدث بعد ذلك كان مذهلاً ،حدث نوع من أنواع التذمر بين الفراخ في صورة إضراب عن الطعام و التجمهر في ركن يحتله ديك أمي المفضل ذو الالوان الزاهية، و يوماً بعد يوم إزداد عدد الفراخ الرافضين لحرمانهم من الأنطلاق والحريه، بينما ساءت حاله الفراخ المرضي لدرجه الأكتئاب، لم تجد أمي بداً من أن تفصل الفراخ المرضي عن الفراخ المتذمره المتمردة أملاً في محاوله السيطره علي جميع الفراخ و ثروتها من البيض و خلافه. لم تجد أمي بداً من الذهاب للدكتور "كتكوت" والله اسمه كده، طبيب متخصص دواجن حسب ما نعرفه و يعرفه كل أهل منطقتنا و المناطق الأخري، دكتور "كتكوت" النمطي البيروقراطي أعطي أمي دواءً لتذيبه في الماء وتقديمه للفراخ، عادت أمي حامله الدواء سعيده شاكره للطبيب متأكده من عودة الهدوء و الصحه للفراخ. كانت صدمة أمي كبيره عندما أعطت الدواء للفراخ علي مدار يومين ولم يأت بالنتيجه المتوقعه واكتشفت أن الفراخ إمتنعت عن شُرب الماء، وهنا كشرت أمي عن أنيابها و قررت التخلص من الفراخ المشاغبه و علي رأسها الديك المميز لديها في اللون و خفة الدم بذبحه!!! بدأت أمي بذبح بعض الفراخ و حبس البعض و إعطاء دواء خطأ للبعض، محاولات أمي البدائيه لم تنقطع و لم تنجح أيضاً في السيطره علي الفراخ وإقناعها في نسيان أمر الحريه، والرضا بما تقدمه أمي لها دون تذمُر أو تمرد. فشلت أمي في السيطرة علي أجيال الفراخ الجديدة والتي كبرت في مناخ كَثُر فيه الحديث عن الحرية نظراً لإصرارها علي إتباع طرقها التقليديه الموروثه. في النهايه ذبحت أمي العدد القليل المتبقي من الفراخ بعد هروب و موت عدد كبير منها،و ربما لم تنجح مرة ثانية ابداً في السيطره علي عشة الفراخ.ربما أجد عذراً لأمي لطبيعه تعليمها و ميراثها العقلي لحل مشاكل الفراخ، حكومات مصر لا عذر لها في الحفاظ علي موروثها من بيروقراطيه عقيمه جاهله بطبيعه حل مشاكل البشر الغاضبين المتمردين، لا عذر لحكومه أقل وصف لها أنها جاهله،فاشلة، عقيمه و كارهه لكل ما يعني المستقبل، تستعير حلول أمي لقمع الفراخ و السيطره عليها (مع التماسي عذراً لأمي) و في قمع تمرد البشر المشروع الذي لا عذر له في حكومه منوط بها العلم و الذكاء و قبل كل ذلك الضمير في إداره وطن يمر بثورة. الحكومه تستعير ادارة أمي لعشة الفراخ مع كل فشلها في إدارة وطن، مع الفارق أننا لسنا فراخاً و أن الأجيال الجديده من طلبه و تلامذة مصر لديهم تدابير عصريه متطورة الحداثه عن جيلي و أجيال سابقة امتداداً لجيل الببلاوي و ما قبل الحداثة.. سعيكم مشكور.