يقول "كريم الصياد" في دراسته عن أدب الرعب أن مفهوم الإنسان عن الشيطان يختلف بإختلاف الثقافة، وليس ذلك النموذج الجاهز الذي يقدمه دين من الأديان أو ثقافة من الثقافات، وإنما هو مفهوم له معنى ثابت نسبياً، حيث يشكل المعارض للقوى الكبرى التي تحكم الكون، فهو إبليس الذي عارض الله ولم يمتثل لأمره عندما طلب منه أن يسجد لآدم، ورأى أنه أرفع منه قدراً حيث خلقه الله من طين بينما الشيطان من النار .. والنار أعلى شأناً من الطين فهي التي تحرقه . وعالميا هو"بروميثيوس"الذي عارض"زيوس" كبير الآلهة وهو"شيفا"عند الهندوس. ومفهوم الإنسان عن الشيطان مفهوم تطوُّري كما يقول " كريم الصياد " ويختلف من مرحلة تاريخية إلى أخرى، من العصور الأنثربولوجية القديمة إلى العصر الوثني وصولاً إلى عصر الديانات التوحيدية – اليهودية والمسيحية والإسلام ثم عصر العلمانية والعلم وحتى الوثنية المعاصرة في بعض البلدان . والشيطان له دور من أدوار البطولة الأساسية في دراما الرعب، ويلاحظ أن أغلب أفلام الرعب تتحدث عن الشيطان الذي يستحوذ على أجساد البشر أوالروح الشريرة أو الشبح المفزع بشكل عام . وعشاق دراما الرعب يعرفون أن ليليث Lilith مصاصة الدماء الشهيرة هي في الأصل شيطانة طبقاً للتراث اليهودي، وواحدة من شياطين الشعريم Shirim أي المشعرون أو ذوي الشعر، وكذلك هناك نوع آخر هو الشيديم Shidim كما أن إكسوديس Exodis هو الشيطان الذي تكون رأسه على هيئة رأس الذئب،وهو أصل محتمل كما يقول الباحثين لأسطورة المذؤبين..وأشهر أفلام الرعب هي أفلام " دراكيولا " الذي يعني اسمه " الشيطاني " وهو الكونت الميّت الذي يستيقظ في الليل ويعيش على دماء ضحاياه، وتعتبر أشهر قصص الرعب على الإطلاق والتي حملت اسم المؤلف برام ستوكر B.Stoker والذي ولد في 1847 وتوفي في 1912وقد أبدعه برام ستوكر –دراكيولا– وجعل منه خصماً للمسيحAnti-Christ ولهذا يخشى الصليب كرمز ديني . وقد كان الشيطان موجودا كشخصية فنية طوال الوقت، وفي دراما كبار المبدعين مثل قصة فاوست"Faust"في معالجة مارلو Marlowe الذي ولد في 1564وتوفي في1593، وكذلك في إبداعات "لافكرافت" Lovecraft الذي ولد في 1890 وتوفي في 1937 والتي تقوم على خلفية عقائدية واحدة متشابكة ومتكاملة، فالعالم طبقاً لتحليل أعمال " لافكرافت " محكوم بقوى أكبر من الإنسان ومما يتصوره هذا الإنسان، وهذه القوى كامنة في الفضاء أوفي أبعاد أخرى وفي أعماق المحيطات وهذه القوى هي وحوش ضخمة عاتية عرفها الإنسان في العهود السحيقة واتصل بها عن طريق السحر، وهذه القوى تهدد الجنس البشري بالعودة للسيادة وفناء العالم..وتعتبر قصة " نداء كتولو " The Call of Cthulhy أشهر ما كتب " لافكرافت " في هذا الشأن. وقد أبقت اليهودية والمسيحية على هذه الأشكال الوثنية في الوجدان وصارت هي نفسها شياطين وهوما يفسرشكل الشيطان التقليدي ذو الذيل والقرنين وحافري الجدي الذي هو "بان" Pan إله المراعي الإغريقي القديم، الذي أسقطت عنه المسيحية هيئة الألوهية ورسمته شيطاناً وأصبح بذلك الصورة البصرية المعتادة في أغلب القصص وأفلام الرعب التقليدية التي يظهر فيها الشيطان مجسماً . وقد تأثر " لافكرافت " بكتاب " العرّيف " وكتاب " أسماء الموتى"وهما كتابين شهيرين في أصول السحر، وتعود فكرة الشيطان المجسم إلى مفهوم" الطوطم " Totem ذلك الكيان الحيواني الذي كان يعتقد الإنسان القديم أنه أب مقتول للقبيلة ويختلف في كل قبيلة عن الأخرى، لكنه في جميع الحالات موجود بشكل معنوي ومقدس وقادر على الشر وإيذاء البشر .. ويمكن اعتبار الطوطم الشكل البدائي للشيطان أوالروح الشريرة كما صورته الأفلام السينمائية بعد ذلك في عديد من الأعمال .. اغترافاً من العصور الوثنية حيث ظهرت التيمات المخيفة والمرعبة المرتبطة بالإطار الديني قبل ظهور الأديان الكبرى . فميدوسا الممسوخة هي أقرب نموذج للشيطان الممسوخ في الديانات الإبراهيمية . و " بروميثيوس " Prometheus الذي تحدى زيوس في الأساطير الإغريقية فكان جزاء تحديه أن يعلق بين جبلين بحيث ينهش الرخ كبده كل يوم. وقد عالجت السينما نموذج الشيطان في أشكال عديدة حتى الكوميدي منها كما رأينا في فيلم The Mask "، بطولة النجم الكوميدي جيم كاري والذي يدور حول قناع من العصر القديم من يرتديه تتغير ملامحه كما يصبح ذا قوة غير طبيعية وهو ما كان في حاجة إليه جيم كاري الموظف البسيط الذي يريد أن يبهر فتاته حتى لا تتخلى عنه فتأتيه الفرصة في هذا القناع العجيب . في تطور سينمائي للرعب الذي لم يتوقف عند "تيمة" سينمائية واحدة ليرضي الملايين من عشاقه حول العالم. وسوف نواصل في " وادي الخوف " .. الحديث عن أفلام الرعب وسينما الفزع.