حالة من الذعر والغليان سادت الشارع المصرى، خاصة محيط ميدان التحرير والأماكن المجاورة له، أثناء الاحتفال بثورة 25 يناير فى عيدها الثانى، ومع نزول عشرات الآلاف من المواطنين للميدان، حدثت أعمال عنف وشد وجذب بين المتظاهرين والأهالى والأمن، ما أدى إلى إغلاق طرق، ومنع الأهالى والمتظاهرين من الخروج من هذه المناطق، قبل أن يجدوا أنفسهم أسفل كوبرى 6 أكتوبر، الموت يطاردهم بسبب قنابل الغاز المسيلة للدموع، والمشاجرات بين المتظاهرين وقوات الأمن، فيما وقف النيل أمام تقدمهم للأمام. وأمام هذا الموقف الصعب ظهر الأمل للأهالى، حيث عرض أصحاب المراسى أو مراكب العشاق، على الهاربين من مواجهات التحرير الدامية انتشالهم والعبور بهم للضفة الثانية من النيل، وبالتحديد عند مرسى النيل المجاور لكوبرى إمبابة، مقابل تسعيرة محددة وضعها أصحاب المراكب، وهى 5 جنيهات، للفرد الواحد، ويستقل المركب الواحد ما يقرب من 20 فردا، رغم أن ذلك غير مسموح به، باعتباره تخطيًا للحمولة المحددة للمركب، والذى من المفترض ألا تزيد عن 15 فردًا، ورغم ذلك وافق المواطنون على هذه التسعيرة، وأخذوا يتوافدون على المراسى، باعتبارها طوق النجاة الأخير لهم. يقول عم فتحى، الشهير ب«خوخة»، مراكبى: «الناس ما كانتش عارفة تعمل أيه، لاقينا ناس بتقع، وناس قربت تموت، وناس بتتخانق مع بعضها علشان رأيهم مش واحد، لكن كلهم فى النهاية اتفقوا أنهم لازم يركبوا المراكب دى، ويخرجوا من المكان ده بأى طريقة، فكانوا بيتدفقوا عشرات عشرات داخل المراكب، ويمر المركب بهم إلى مرسى إمبابة، المقابلة لكوبرى إمبابة مباشرة، وتعود المركب مرة ثانية لتحمل غيرهم، وأثناء هذه الرحلة نجد أحاديث جانبية بين الركاب منها ما دار بين أحد شباب الثورة وإحدى الأسر التى نزلت للاحتفال، حيث اتهمته الأسرة، بأنه هو وأمثاله الذين يطلقون على أنفسهم ثوارا، سبب القلق والذعر والفوضى السائدة فى الميدان ومصر، ما دفع الشاب أن يرد عليهم بالسباب، ونشب شجار بينهم داخل المركب، أسفر عن مشادات كلامية، بين جميع الركاب المؤيدين والمعارضين للثوار، فالأسر تلقى اللوم على الشباب بأنهم يفتعلون العنف، والشباب ينفون التهمة عن نفسهم، بأنهم غير مسئولين عن أى أعمال عنف، وأن الداخلية وأيادى النظام السابق يستفذون المعتصمين ويبدأون بالعنف، وإلقاء القنابل المسيلة للدموع». ويضيف: «استمرت المشادات إلى أن نزل جميع من فى المركب أمام كوبرى إمبابة، وعاد المركب مرة أخرى يأخذ غيرهم وهكذا، ذهابا وإيابا، وفى رحلة أخرى كان جميع ركابها شبابًا تتراوح أعمارهم بين 15 و20 سنة، دارت بينهم أحاديث مختلفة منها بكرة يوم المحاكمة بتاعة بورسعيد، والأولتراس هينضموا لينا، وهنأخذ حقنا، فرد عليه صديقه لازم ندى درس للداخلية ميتنساش، ونعرفهم إن اللى عملوه مش هيعدى على خير، فرد عليهم المراكبى ونظرته يتخللها خوف وترقب للغد، ربنا يستر.. وتوالت الرحلات على هذه الوتيرة، ما بين وعيد للداخلية، وذعر للأهالى، ومحاولات للتهدئة من بعض الركاب، إلى ان انتهى اليوم بكل ما فيه، وشعر وقتها المراكبية، أنهم تمكنوا من إنجاز عمل هائل، وأنقذوا جميع الأهالى، ولولا ما فعلوه، لبقى الجميع فى انتظار الموت المحقق.