*اليمانى خرج ليحضر العشاء ولم يعد.. على سليمان كان يزور عمه.. وحميدة قال لوالدته: أنا ممكن أموت فى أى مكان شهداء الثورة الجُدد الذين يرقدون بين يدى خالقهم، بعد أن أصابت أجسادهم طلقات نارية لتضيف أسماءهم إلى قاموس شهداء الثورة، ربما لم تكن أهدافهم إلا رؤية مصر كما يحلمون بها، تحقق لهم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، لكنهم غادروا الحياة، وتركوا بصماتهم لمن بعدهم لتروى أسرهم تفاصيل اللحظات الأخيرة للوداع والفِراق أيضا.. شهيد الإسماعلية جمال محمد محمود اليمانى فى العقد الثالث من عمره يسكن بحى الممر بمحافظة الإسماعيلة، يدرس بكلية تجارة جامعة طنطا، لم يتوقع يوما أنه سيموت شهيدا، بعدما خرج من منزله وسار فى الشوارع ثم اتجه ناحية المظاهرات، ليرى ماذا يحدث. لم يعلم أنه سيصاب بطلق نارى فى صدره ورقبته، دون أن يعرف أحد من أهله مصيره. خال الشهيد جمال تحدث ل«الصباح» قائلاً: «حسبى الله ونعم الوكيل مات ابنى النهارده وبكرة مرسى هيفضل يدوس على دم ولادنا». ويضيف: اليمانى لم يكن لديه أى انتماءات سياسية، وكل أولوياته فى الحياة هى معاونة أسرته على المعيشة، فوالده متوف ويعول أسرة مكونة من أمه، وشقيقتيه الاثنتين هاجر وهبة، وهم من الطبقة الفقيرة التى كانت كل أحلامها يوما أن تنام وتأكل وتشرب ولا تفقد أحدا من أسرتها. خرج جمال يوم 25 يناير 2013 ليلا ليشترى طعام العشاء لأسرته، لكنه شاهد حالة من الكر والفر بين المتظاهرين وعساكر الأمن المركزى، فظل متوقفا يشاهد ما يحدث دون أن يعرف أنه خلال دقائق سيصبح شهيدا، إذ فجأة سقط بما يحمله على الأرض دون أن يعرف من أين جاءته الرصاصة؟ وسرعان ما حمله المتظاهرون إلى المستشفى العام بمنطقة البلابسة بالإسماعيلة، دون أن يعرف الثوار من هذا؟ وحين وصل إلى المستشفى فقد حياته فى لحظة دون أن يعرف أنه سوف يصبح شهيدا والسبب أنه ظل واقفا مغمض العين مكفوف الأيدى. الحسرة والحزن الشديد فى كانا نبرة صوت خال جمال الذى تحدث قائلا «جمال كان مرتبطا بفتاة وخطوبتهما كانت فى بداية شهر فبراير». وكان شابا لم يسترح يوما إلا بعد أن يطمئن على راحة من يحبهم فدائما ما كان يقوم بدور الأب لكل الناس حتى الناس الذين لم يعرفهم فجمال اتصف دائما بالقلب الأبيض والسمعة الحسنة وابتسامة الوجه وشقائه فى آن واحد. ويضيف: «من حسرة قلب أمه ظلت تشتم وتسب فى الداخلية وأعوانها» فكان مقابل ذلك أن تم التعدى عليها بالسب والقذف داخل أبواب المستشفى دون أن يراعى أحد ما تمر به من فقدان ابنها الوحيد». الإسكندرية سرعان ما انتقل الحزن إلى محافظة الإسكندرية المنكوبة، حين استشهد الشهيد عادل حميدة فى ميدان القائد إبراهيم فوصل إلى مستشفى الميرى الجامعى، وهو فى لحظات حياته الأخيرة، فاقدا للوعى. عادل شاب فى العقد الرابع من عمره ويدرس بجامعة الإسكندرية شعبة تجارة، ودائما كان يرى أنه مدين بحياته لإخوته الشهداء فظل طويلا ينتظر يوم 25 يناير 2013، حتى يعبر عن رأيه بطريقة سلمية دون أن يعتدى على أحد، فتحرك من مسيرة حركة التغيير من الإبراهمية إلى ميدان القائد إبراهيم. خال الشهيد عادل يقول إن الشهيد قبّل والدته ونزل قائلا لها «مش تخافى أنا هرجع، بس فى دين فى رقبتى لازم أرجعه ومش هرتاح غير لما أرجعه، والموت مش لازم أموت، وأنا فى المظاهرة، أنا ممكن أموت وأنا قاعد بتكلم معاكى دلوقتى والعمارة بتوقع علينا فعلشان كده أنا راجع». عادل الابن الوحيد وأبوه توفى منذ صغره ولم يعرف أحدا فى الدنيا غير أمه وأقاربه وجيرانه فأخذ الشهيد عادل الشهداء الذين ماتوا حماية ودفاعا عن وطنهم أشقاء له فظل يتمنى يوم 25 يناير. عادل كان يحلم بأن يعمل فى بنك وكان يعمل ويدرس فى آن واحد فكان يعمل نجارا عند خاله. ينهار خال عادل من البكاء ونبرة الدهشة فى صوته دليل على أنه مازال لا يعتقد أنه فقد عادل ويتابع قائلا «دائما كنت أسعى لأنزله تدريب فى أى بنك بالإسكندرية، حتى أفرح قلبه وأجعله يشعر بأنه اقترب من حلمه». خال عادل يقول إن أطباء المستشفى أكدوا له أن عادل توفى إكلينيكيا، فحين وصل عادل إلى المستشفى وجد الأطباء أنه مصاب بطلق نارى فى صدره وفى عينه مما أدى إلى فقدان عينه قبل وصوله رلى المستشفى. من جانب آخر أكد النقيب محمد باهى بمستشفى الميرى الجامعى بالإسكندرية أنه وصل حتى الآن 120 مصابا من بينهم 35 مصابا موجودون داخل المستشفى، من بينهم 13 مجندا معظم إصاباتهم برشق حجارة فى أعينهم مما أدى إلى فقدان الأعين اليسرى للمجند مرضى مسعود مرضى والباقى ثوار معظمهم إصابات بخرطوش وانتهاكات بوجه ومن بينهم المواطن عادل حميدة المتوفى إكلينيكيا حتى الآن. السويس منذ مساء الجمعة المشهد حزين فى مشرحة مستشفى «السويس العام»، والذى يرقد به ما يقرب من 9 شهداء، بعد أن كثفت قوات الجيش من تواجدها لتأمين المشرحة والمستشفى وبعض البنايات المهمة كمبنى المحافظة وغيرها من أقسام ومراكز الشرطة، فى انتظار وفد من الأطباء الشرعيين القادمين من الإسماعيلية لتشريح الجثث وتحديد أسباب الوفاة والتصريح بالدفن الفورى. صراخ.. وعويل.. وبكاء شديد.. أسر الشهداء حضروا من مناطق متفرقة بالسويس وأغلبهم من حى الأربعين، وحى السويس، بينما يقف أقارب الشهداء فى مظاهرات متصاعدة ضد جماعة «الإخوان المسلمون»، وتهتف بأصوات اختلطت بدموع أعينهم «تسقط الحكومة.. يسقط الإخوان.. يسقط مرسى»، مطالبين بمحاكمة الرئيس مرسى لتقاعسه فى حماية المتظاهرين من القتل، وهى نفس القضية التى تم الحكم على مبارك بالمؤبد فيها، لعدم حمايته للمتظاهرين بصفته رئيسا للدولة. «الصباح» كانت هناك وكانت شاهدة على حالات الإغماء المتكررة لأمهات الشهداء أمام مشرحة السويس، بعد التضارب فى البيانات بين وزارة الصحة التى أعلنت أن عدد شهداء السويس 8 أشخاص، بينما أكد أن مستشفى السويس العام استقبل 9 شهداء، وكانت أسماؤهم كالتالى: على سليمان السيد 19 سنة طالب بكلية تجارة السويس، محمود نبيل محمد 25 سنة الشهير بميدو، حسين محمود محمد 30 سنة عامل، مصطفى محمود عيد 17 سنة طالب، محمود عاشور 22 سنة، وتبين أن الطفل المجهول الهوية يدعى محمد غريب محمد14 سنة طالب بالصف الثالث الإعدادى بمدرسة هيئة قناة السويس، وماجد عبدالصمد، بجانب رجب شعبان محمد 24 سنة مجند أمن مركزى، والذى تم نقله أمس فور إصابته بطلق خرطوش أودى بحياته بطائرة هليكوبتر خاصة بأمر من وزير الدفاع ونقله إلى المستشفى العسكرى فى القاهرة. عبدالله ضيف، أحد شهود العيان على استشهاد بعض ممن سبق ذكرهم، يقول: منذ مساء الجمعة تحولت ساحة مبنى محافظة السويس إلى كر وفر ونجد طلقات من كل النواحى ولا نعرف من يطلقها إلا أننا سرعان ما كنا نتفاجأ بسقوط الكثير منا، وكأنها «حالات خاطفة سريعة» فيقوم المتظاهرون بحمله ونقله إلى المستشفى دون معرفة من يكون المصاب إلا أن الإصابات كانت معظمها بخرطوش فى الرقبة والبطن والدم كان يسيل، وكأنه شلال لا ينقطع، ويضيف قائلا أنه بعدما تمت اصابة أحد المجندين بإصابة بالغة، وسقط وسط زملائه أمام بوابة محافظة السويس على وجه التحديد صارت حالة الهرج والمرج بين الجنود ويصرخون منهم من يحمل صديقهم المصاب، ومنهم من أطلق النيران بعشوائية دون أن يرى أمامه مما أصاب الكثير من المتظاهرين بإصابات بالغة. بين دموع الحسرة وعويل كل من يقف أمام المشرحة يجد والد الشهيد «على سليمان السيد» الذى يمتهن بيع الجرائد، أحد ضباط القوات المسلحة من سلاح الحرس الجمهورى برتبة ملازم أول يشد على يديه ويأخذ بهما بعد أن تساقطت دموعه من المشهد أمام مستشفى السويس قائلا «احتسبه عند الله شهيدا، وفداء لوطنه» حتى يستقر به الوضع على حائط المشرحة ويتكئ بظهره عليه قائلا «ابنى ملوش دعوة بالمظاهرات» فقد أرسلته لزيارة عمه بشارع بارديس إلا أنه أصيب بطلقة غادرة لا نعرف من أين، مطالبا بالقصاص ومتوعدا بالثأر، الشىء الذى جعل أبناء عم الشهيد يتدخلون فى الحديث قائلين «لن نترك حق ابننا وهناخد حقنا بإدينا.. مش هنستنى مرسى». الكلمات تخرج بصعوبة من فم أم مصطفى والدة الشهيد مصطفى عيد بعد أن أصيبت بحالة إغماء شديدة قائلة «مش مصدقة إن ابنى مات»، أنا قلتله وهو خارج يصلى الجمعه بأحد مساجد شارع النمسا التجارى، ملكش دعوة بالمظاهرات، فرد «هتفرج بس من بعيد، وما تخافيش عليا انا مش صغير»، وتستطرد أم مصطفى قائلة «قالولى ابنك مات أمام شركة موبينيل المجاورة لمبنى محافظة السويس» فذهبت أنا ووالده مسرعين لنراه إلا أنه تم نقله للمستشفى العام وتعرفنا عليه» هناك مضيفة: «عايزة أدفنه علشان نارى تبرد، يلعن السياسة للى عايزنها».