ذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية أن التحديات التي يواجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تخطيطه لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان ، والمقرر إتمامه نهاية العام المقبل ، تتشابه إلى حد بعيد مع التحديات التي واجهها الاتحاد السوفيتي عند انسحابه من البلاد عام 1989. وقالت الصحيفة - في تقرير بثته على موقعها على شبكة الإنترنت - "إن أوباما ، الذي دخل البيت الأبيض رافعا لواء التغيير ، قرر إنهاء الحرب باهظة التكلفة في أفغانستان ، ويرغب في أن يحقق خروجا مشرفا منها بتعهده بتقديم دعم مالي طويل المدى لحلفائه في كابول ، غير أن كبار مستشاريه يريدون خروجا مترويا .. مقترحين الإبقاء على آلاف الجنود الأمريكيين في أفغانستان لتدريب ودعم قوات الأمن الأفغانية". وأضافت أن أوباما يواجه لغزا لإنهاء الوجود الأمريكي في أفغانستان في استعداده لاستقبال نظيره الأفغاني حامد كرزاي ، والذي سيقوم بزيارة واشنطن خلال الشهر الجاري. وتابعت الصحيفة بالقول "إن مشهد الوضع الذي يواجهه أوباما يتشابه مع المشهد الذي يرويه الأرشيف السوفيتي عن الزعيم ميخائيل جورباتشوف ، الذي دخل صراعا وراء الأبواب المغلقة مع مسئولي مكتبه السياسي وقادة الجيش لإنهاء التواجد السوفيتي في أفغانستان ، والذي بدأ عام 1979 واستمر لعقد من الزمان ، ووصفه جورباتشوف في نهايته بأنه "جرح ينزف". وأوضحت الصحيفة أن أكثر ما يمكن ذكره حول الانسحاب السوفيتي من أفغانستان هو العار الذي لحق بموسكو آنذاك ، وما تبعه من بحور الدم التي انتشرت في جميع أنحاء أفغانستان ، وما آلت إليه من حرب أهلية عنيفة انتهت بسيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم في البلاد ، وإيجاد ملاذ آمن لتنظيم القاعدة المتورط في هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وذكرت (نيويورك تايمز) أن الدروس التي يطرحها بعض دارسي الأرشيف السوفيتي أمام إدارة الرئيس الأمريكي أثناء إدارتها لعملية سحب قوات الولاياتالمتحدة وحلفائها من أفغانستان ، ومنها ما ذكره مارك كاتز الأستاذ بجامعة جورج ميسون ، قائلا "إن الأمر الصحيح الذي قام به الاتحاد السوفيتي بعد انسحابه من أفغانستان هو استمراره في تقديم المساعدات العسكرية الضخمة للنظام الذي خلفوه بعدهم في أفغانستان عام 1989" . وأضاف كاتز أن أداء النظام الأفغاني آنذاك ظل جيدا ، واستطاع أن يستمر في سدة الحكم لثلاث سنوات ، كما أن الفاعلية القتالية لقوات الأمن الأفغانية تزايدت بعد الانسحاب السوفيتي ، عندما وقعت مسئولية القتال من أجل الحياة على عاتقها وحدها. غير أن الاتحاد السوفيتي انحل في ديسمبر عام 1991 ، وأذعن بعد ذلك الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين لإلحاح الولاياتالمتحدة وغيرها من القوى الغربية لقطع المساعدات عن النظام الشيوعي في أفغانستان ، والامتناع عن تزويده ليس فقط بالسلاح والمال ، بل وأيضا بالنفط والغذاء ، الأمر الذي أدى لسقوط الحكومة التي كان يدعمها الكرملين في كابول بعد ثلاثة أشهر فقط من قطع المساعدات. وقالت الصحيفة إن هناك تباينا واضحا بين حالتي التدخل السوفيتي والأمريكي في أفغانستان ، فالغزو السوفيتي أدين بوصفه اعتداء غير شرعي ، بينما تبنى المجتمع الدولي الغزو الأمريكي ، بما في ذلك روسيا ، بوصفه حربا ذات أهداف محدودة تتلخص في عزل القاعدة وإعادة توجيه طالبان. وعلى الرغم من هذا التباين ، فإن الإتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدة تعلما أن خلق أمة على أرض أفغانستان بالمواصفات التي تتناسب مع الصورة التي ينشدها الطرف الأجنبي لن يتأتى بمكافحة طالبان ، بل بمكافحة القبلية والتعصب والفساد ، والنظرة الدونية التي سادت القرون الوسطى للمرأة. وأوضحت (نيويورك تايمز) الأمريكية أن الكرملين تعلم عند انسحابه من أفغانستان أن جيوشه لا يمكنها أن تحقق نصرا سياسيا ، غير أن قادة الجيش السوفيتي خرجوا آنذاك بادعاءات تشابه تلك التي يرددها اليوم ضباط حلف شمال الأطلنطي (ناتو) ، حول عدم انهزام قواتهم في معركة واحدة ضد الجماعات المسلحة ، وعدم تمكن هذه الجماعات مجددا من الاستحواذ على المناطق التي سيطرت عليها قواتهم ، وهو المفهوم الذي تحرك به وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا في جولته الأخيرة في أفغانستان بصحبة جنوده. واختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى اعتراف بانيتا بأن التحديات الرئيسية التي تواجه أفغانستان لا تتعلق بالجماعات المسلحة فقط ، لكنها تتعلق في الأساس باستقرار أفغانستان في مرحلة ما بعد انسحاب القوات الأجنبية منها . واستدل بانيتا على ذلك بمشكلات الحكم الأفغاني غير الجدير بالثقة ، واستمرار الفساد ، ووجود ملاجىء آمنة للجماعات المسلحة في باكستان المجاورة ، وهي المشكلات التي من غير المرجح أن تحل بواسطة القوة العسكرية الأمريكية .