كشفت دراسة مصرفية حديثة أن إدارة البنك المركزى المصرى للسياسة النقدية خلال الفترة الأخيرة ومقارنتها بالدول الأخرى فى ظل المتغيرات السياسية المتلاحقة خلال العام الثانى للثورة، لم تنجح فى السيطرة على التضخم وأنه ليس لديه القدرة على فعل ذلك أو لم يكن ذلك هدفا بالنسبة له. واسترشد الباحث خلال دراسته بأعمال بحثية عن التضخم فى مصر مثل دراسة بحثية عالميةMoriyama IMF 2011 – تقول إن ارتفاع التضخم الناجم عن القصور الذاتى inertia فى مصر مقارنة بالبلدان الأخرى يعنى أن البنك المركزى لا يمكنه الحد من التضخم دون أن ترتفع البطالة فوق معدلاتها الطبيعية، وأن ارتفاع معدلات التضخم يؤدى إلى ارتفاع توقعات التضخم نظرا لغياب محور ارتكاز اسمى واضح آخر غير سعر الصرف وأيضا أعمال بحثية أخرى مثل Helmy (2011) وتتسم قناة سعر الفائدة بالضعف نسبيا فى مصر من حيث تأثيرها على التضخم ولكنها مهمة من حيث تأثيرها على النمو وأيضا Arbatli and Moriyama (IMF 2011) والتى تقول إن توقعات التضخم ترتكز بصورة أفضل من خلال قناة سعر الصرف. وخلصت دراسة الباحث المصرفى، بالمؤسسة العالمية للاستشارات الاقتصادية والمالية بجامعة موناكو باسم قمر، التى حصلت «الصباح» على نسخة منها، إلى ضرورة خفض أسعار الفائدة لانتهاج سياسة نقدية توسعية تستهدف النمو وتحافظ على قابلية الدين للاستمرار، وخفض سعر الصرف للجنيه المصرى، واستهداف التنافسية والاسترشاد بسعر الصرف الفعلى الحقيقى التوازنى، ولابد من التنسيق مع سياسة مالية توسعية يتم تصميمها لتعزيز الاستثمار والتوظيف. وألمحت الدراسة إلى الحاجة لإدراج ضمانات فى الدستور تكفل استقلالية البنك المركزى. وطرحت تساؤلا حول مقدرة البنك المركزى فى السيطرة على التضخم وخلصت لإجابة مفادها تراجع مستوى التعليم والتدريب لموظفى البنك المركزى، دائرة الأبحاث فى البنك المركزى، تم إنشاء وحدة السياسة النقدية فقط فى عام 2005، وعدم استقلالية البنك المركزى، وألمحت الدراسة إلى أنه تاريخيا ومنذ الستينيات، ومصر تتبع سياسة ربط الجنيه بالدولار، وتعديله من حين لآخر. وطرحت الدراسة تساؤلا آخر: هل كان استهداف التضخم هو الهدف الفعلى للبنك المركزى؟ من أجل الإجابة عن هذا السؤال، علينا أن ننظر إلى رد الفعل الفورى للبنك المركزى خلال الأزمة العالمية، بين أغسطس وأكتوبر2008، وأنه بسبب أزمة الائتمان فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإن معظم المستثمرين الأمريكيين قاموا بتصفية أصولهم فى جميع أنحاء العالم ونقلوا دولاراتهم إلى الولاياتالمتحدة، وكانت النتيجة ارتفاعا حادا للدولار الأمريكى فى مواجهة جميع العملات المعومة، ولاسيما فى البلدان التى تستهدف التضخم. ونوهت الدراسة إلى أنه نتيجة التركيز المفرط على سعر الصرف، ومنذ قيام الثورة فقدت مصر 22 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبى. وطرحت الدراسة رؤية لما كان يجب على البنك المركزى اتباعه لتجنب فقدان الاحتياطيات وذلك من خلال تخفيض قيمة العملة بنسبة 40 ٪ فى بداية الثورة، عندما تم إغلاق البنوك، وذلك للحد من هروب رءوس الأموال، وتجنب إعطاء «دعم» للمضاربين. وكشفت الدراسة عن دور السياسة النقدية فى المرحلة المقبلة ومقومات نجاحها من خلال تحديد هدف واحد يحدده البرلمان، المصداقية والشفافية وضرورة التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية وتحديد أهداف السياسة النقدية والتى تتلخص فى السيطرة على التضخم، والنمو الاقتصادى وخفض البطالة، والاستقرار المالى، وميزان المدفوعات ووضع الباحث المصرفى باسم قمر فى دراسته آليات فعالة لانتقال آثار التغيرات فى السياسة النقدية من خلال سعر الفائدة، وسعر الصرف. وعن رؤيته لسعر الفائدة فى المرحلة المقبلة قال إن سعر الفائدة يؤثر على الاستهلاك والتضخم، والطلب على العملة المحلية وتثبيت سعر الصرف ومدفوعات الفائدة والقدرة على تحمل الدين العام، والاستثمار والنمو. وردا على تساؤل طرحته الدراسة حول ما هو الهدف الأكثر أهمية وإلحاحا؟ أجابت الدراسة: استخدام سعر الفائدة بهدف استقرار الأسعار، وهناك توافق فى الآراء بين الاقتصاديين حاليا على أن الهدف الرئيسى للسياسة النقدية ينبغى أن يكون هو الحفاظ على استقرار الأسعار وعلى القوة الشرائية للعملة المحلية ويعنى هذا فى الواقع العملى أن معدل التضخم ينبغى أن يظل منخفضا وثابتا، فيتراوح مثلا بين 1% و4% سنويا وأن عددا كبيرا من الدول الصناعية قامت بتبنى سياسة استهداف التضخم خلال السنوات الماضية كإطار للسياسة النقدية من بينها نيوزيلندا، كندا، المملكة المتحدة، أستراليا، الاتّحاد الأوربى، السويد، كذلك هناك عدد متزايد من دول الأسواق الناشئة يخطو بنجاح نفس الخطوات مثل تشيلى، البرازيل، كولومبيا، المكسيك، تركيا. أضافت الدراسة أن أهم مميزات استراتيجية استهداف التضخم، والتزام واضح باستقرار الأسعار كهدف رئيسى للسياسة النقدية، والإعلان عن هدف التضخم فى الأجل المتوسط (على سبيل المثال2%)، والالتزام المؤسسى (من قبل البنك المركزى) بتحقيق استقرار الأسعار، مما يتطلب مزيدا من الاستقلالية للبنك المركزى، وتوفير المعلومات بشكل كامل، وتحسن الشفافية وسهولة فهم الجمهور لهذه الاستراتيجية، والتواصل المستمر مع الجمهور من خلال الإعلان ووسائل الاتصال المختلفة. وأشارت الدراسة إلى أن أهم مواطن ضعف سياسة استهداف التضخم يمكن أن تؤدى إلى رفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم وإلى عجز فى الحساب الجارى، وتراجع القدرة التنافسية وارتفاع سعر الصرف، وتخفيض حاد فى سعر الصرف، وفقدان الاحتياطيات الدولية ومن ثم التخلى عن استهداف التضخم. وقد يؤدى انخفاض سعر الصرف المرن لأسباب خارجية إلى ارتفاع سعر الفائدة، وانحراف التضخم عن هدفه، وحدوث ضغوط تضخمية، ويمكن أن تؤثر الزيادة المصاحبة فى سعر الفائدة سلبا على النمو، وقد تؤدى إلى زيادة البطالة. واستطردت الدراسة: فيما يخص استخدام سعر الفائدة بهدف تثبيت سعر الصرف، يتدخل البنك المركزى فى سوق النقد الأجنبى للإبقاء على سعر الصرف داخل الحدود المعلنة سلفا، ويكون المركزى مستعدا لتوفير النقد الأجنبى، ويستخدم المركزى سعر الفائدة للتأثير على سعر الصرف. وفى سياق آخر فيما يخص المزايا فإنها توفر ركيزة للأسعار الاسمية، وبالتالى تخفيف التوقعات التضخمية، وانخفاض تقلبات أسعار الصرف ودعم سياسات حكيمة لتعزيز استمرارية الربط، وتعزيز الموثوقية. وفى سياق آخر أوضحت الدراسة مساوئ استخدام سعر الفائدة بهدف سياسة تثبيت سعر الصرف والتى تمثلت فى فقدان استقلالية السياسة النقدية، والحاجة إلى الاحتفاظ باحتياطيات ملائمة من النقد الأجنبى، وتشجيع المخاطرة غير المغطاة والخطر المعنوى، كذلك تسهيل الهجمات المضاربية، وحدوث تضارب بين التثبيت الاقتصادى والقدرة التنافسية (ارتفاع السعر الحقيقى). وتظهر التجربة أن تدفقات رأس المال لا تتفاعل مع أسعار الفائدة فى البلدان النامية، ويبدو هذا بوضوح خلال الأزمات، بل يمكن أن يكون إشارة سلبية بأن الاقتصاد فى خطر. أشارت الدراسة إلى أن هدف تثبيت سعر الصرف لا ينبغى أن يكون التركيز الرئيسى لمصر فى الفترة المقبلة. وعن تأثير سعر الفائدة على الدين لفتت الدراسة إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة المحلية = ارتفاع الدين إلى إجمالى الناتج المحلى وأنه ينبغى القيام بدراسة أثر سعر الفائدة على قابلية الدين للاستمرار، وأن إطار صندوق النقد الدولى يسمح بهذا التحليل باستخدام توقعات عن مختلف محددات تطور الدين، مثل معدل النمو، التضخم، أسعار الفائدة المحلية والأجنبية، سعر الصرف، الميزان الأولى، كما يمكن عمل سيناريوهات مختلفة. أضاف الباحث فى دراسته: «لقد قمت بالفعل باستخدام هذا الإطار لدراسة تطور الدين العام فى تونس ومصر فى الأعوام المقبلة». وفى سياق استمرارية القدرة على تحمل الدين فى مصر قالت الدراسة إن هناك صدمة تباطؤ النمو الاقتصادى، وزيادة متوسط أسعار الفائدة على أذون الخزانة بنقطة مئوية فى عام 2011 ومرة أخرى بنسبة 2 نقطة مئوية فى عام 2012، على افتراض أنه سيبقى فى نفس المعدل فى العامين المقبلين، قد تزيد من نسبة الدين 67.5 ٪ إلى 80.1%. وزيادة متوسط أسعار الفائدة على أذون الخزانة بنقطة مئوية فى عام 2011 ومرة أخرى بنسبة 2 نقطة مئوية فى عام 2012، على افتراض أن متوسط أسعار الفائدة سيزيد بنقطة مئوية إضافية فى السنوات الثلاث المقبلة، قد تزيد من نسبة الدين من نسبة الدين 67.5 ٪ إلى 82.3%. زيادة متوسط أسعار الفائدة على أذون الخزانة بنقطة مئوية فى عام 2011 ومرة أخرى بنسبة 2 نقطة مئوية فى عام 2012، على افتراض أنها ستزيد بنسبة 2 نقطة مئوية إضافية فى السنوات الثلاث المقبلة، قد تزيد من نسبة الدين من 67.5 ٪ إلى 84،5%. أضافت الدراسة أنه بالنسبة لهدف النمو الاقتصادى وخفض البطالة لابد من التنسيق بين سياسة مالية توسعية وسياسة نقدية توسعية يتم تصميمهما لتعزيز الاستثمار والتوظيف، وزيادة السيولة المحلية وخفض أسعار الفائدة، ويتطلب التخلى عن تثبيت سعر الصرف وزيادة مرونته تدريجيا، نظام سعر الصرف الوسيط، وتعزيز التنافسية وتشجيع الصادرات. وفى سياق مواز أشارت الدراسة إلى سعر الصرف فى المرحلة المقبلة وضرورة أن تكون هناك حاجة ملحة إلى خفض قيمة سعر الصرف للجنيه المصرى، وذلك للأسباب التالية: ارتفاع سعر الصرف الفعلى الحقيقى وفقدان القدرة التنافسية، التضخم فى مصر كان أعلى من الشركاء التجاريين منذ 2003/ 2004، سعر الصرف لم ينخفض عن مستواه فى 2003 / 2004، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبى من 6 8 أشهر من الواردات إلى أقل من 3 أشهر من الواردات. وتساؤل آخر طرحته الدراسة: كيف يمكننا تخفيض قيمة العملة بنجاح؟ وفى إجابتها عن هذا التساؤل قالت الدراسة: خفض قيمة سعر الصرف للجنيه المصرى، وتنظيم مؤتمر للمانحين لضمان الالتزام الصارم لتمويل ما لا يقل عن 15 مليار دولار، وإعلان هذا الاتفاق قبل استخدام أى من هذه الأموال، خفض قيمة الجنيه بما لا يقل عن 40% مقابل الدولار، والتخفيض الحاد فى قيمة العملة يمكّن من تجنب التكهنات حول انخفاض أكبر فى المستقبل، ومفاجأة المتعاملين بسعر الصرف الجديد، وفرض ضوابط على تدفقات رءوس الأموال الساخنة (Hot Money) لتجنب المضاربة ولمنع هروب رأس المال، السماح بدخول تدفقات رءوس الأموال الأجنبية الأكثر استقرارا، وحساب سعر الصرف الفعلى الحقيقى التوازنى من أجل استخدامه بمثابة مرجع لقيمة سعر الصرف. وتطبيق نظم سعر الصرف الوسيطة واستهداف التنافسية، سياسة النطاق الزاحف المربوط بسلة من العملات، التدخل المعقم فى نطاقات التقلب وحساب سعر الصرف الفعلى الحقيقى التوازنى الفعلى يعنى استهداف سلة عملات للشركاء التجاريين الرئيسيين. وكشفت الدراسة عن طرق حساب سعر الصرف الحقيقى التوازنى مثل منهج تعادل القوة الشرائية، منهج التوازن الاقتصادى الكلى، منهج التوازن العام، وتقديرات الشكل المختزل، وقد أدى تطوير الاقتصاد القياسى للسلاسل الزمنية إلى إحياء ذلك المنهج فى شكل نماذج تصحيح الخطأ التى تركز فى آن واحد على شروط التوازن طويل المدى، وسعر الصرف التوازنى السلوكى. ولفتت الدراسة إلى قيود رأس المال وأنها إذا صممت وطبقت بالشكل الملائم يمكن أن تساعد فى حماية الاقتصاد من الجوانب المخلة بالاستقرار التى تقترن بتدفقات رءوس الأموال، أو أن تدعم تنفيذ سياسات أخرى، أو حتى أن تحل أنواعا معينة من المعضلات التى تواجه السياسات، ولابد من دراسة تجارب الدول الأخرى بعناية لتحديد أنسب السياسات لمصر، كما ألمحت الدراسة إلى أن تجارب تشيلى وماليزيا تستحق الاهتمام. وفيما يخص استقلالية البنك المركزى قالت الدراسة إن هناك حاجة إلى إدراج ضمانات فى الدستور تكفل استقلالية البنك المركزى والاستقلال السياسى مدة ولاية مجلس الإدارة، وهيكل مجلس الإدارة، من يعين أعضاء مجلس الإدارة، آلية الإقالة والاستقلالية التشغيلية، الحد من الائتمان إلى الحكومة من قبل البنك المركزى، الاستقلالية فى استخدام أدوات السياسة النقدية، الاستقلالية التمويلية والمساءلة، تقديم التقارير من قبل البنك المركزى، نشر وشفافية المعلومات. وخلصت الدراسة إلى خفض أسعار الفائدة لانتهاج سياسة نقدية توسعية تستهدف النمو وتحافظ على قابلية الدين للاستمرار، والتنسيق مع سياسة مالية توسعية يتم تصميمها لتعزيز الاستثمار والتوظيف، وخفض سعر الصرف للجنيه المصرى، استهداف التنافسية والاسترشاد بسعر الصرف الفعلى الحقيقى، التوازنى، والحاجة إلى إدراج ضمانات فى الدستور تكفل استقلالية البنك المركزى.