أكثر من «2200» محطة مياه أهلية منتشرة بالمراكز والقرى بمختلف محافظات مصر، تعمل على تنقية مياه الشرب، فى أماكن عجزت الحكومة عن توفير مياه نظيفة فيها، ولكن الكارثة أن التنقية تتم بلا معايير على أيدى عمال غير متخصصين، ما أدى إلى معاناة الأهالى فى رحلة بحثهم عن كوب ماء نظيف من ناحية، ورعبهم من تلوث المياه من ناحية أخرى. «أنا اتصدمت لما عرفت اللى حصل من كام يوم فى الشرقية والمنوفية، إزاى المية تبقى مسممة»، هكذا بدأ عمر حداد «33 عاما»، صاحب إحدى محطات تنقية المياه بالجيزة، حديثه، مؤكدا اهتمامه بعملية تنقية المياه، بداية من اختيار الفلاتر المستخدمة فى التنقية ومراعاة استخدام الفلاتر ذات المراحل المختلفة والمصنعة طبقا للمواصفات القياسية الأوروبية، مرورا بالاهتمام بنظافة «تانك» المياه بصورة يومية نظرا لخطورة المياه الملوثة على الحياة، فضلا عن الاهتمام بنظافة الوصلات المستخدمة فى عملية نقل المياه بعد عملية الفلترة من خزانات المياه إلى «الجراكن» أو سيارات توزيع المياه، نظرا لكثرة الشوائب والأملاح والرواسب بالمياه الواردة إلى معظم المحافظات، مشيرا إلى أنه لا يستخدم مياه الآبار، وإنما يستخدم المياه الواردة عبر مواسير المحطة الرئيسية التابعة للشركة القابضة ويقوم بتنقيتها وبيعها للأهالى. أوضح ربيع لبنة «48 عاما»، عامل بمحطة تنقية المياه التابعة لإحدى الجمعيات الأهلية بالجيزة، أن أسعار بيع المياه بالمحطات التى أنشأتها الجمعيات الأهلية رمزية، مقارنة بالمحطات الخاصة الأخرى، حيث يبلغ سعر «الجركن» سعة 10 لترات 25 قرشا وال 25 لترا 50 قرشا، بينما تتضاعف الأسعار فى باقى محطات القرية. وأضاف: إن المحطة، التى أعمل بها، لا تعتمد على مياه الآبار أو النهر مثل معظم محطات تنقية المياه، وإنما تعتمد على مياه المواسير الواصلة للمنازل والواردة من المحطة العمومية. لاأبسط حقوق المواطنة «حتى كوباية المية اللى بنشربها هتجبلنا المرض.. فى كارثة أكبر من كده؟»، بهذه الكلمات انتقد محمد حمدى «31 عاما» فنى بقطاع البترول، تلوث المياه، قائلا: إن المسئولين بالمحليات وشركة المياه يعلمون أن المواسير التى تمر بها المياه لمسافات طويلة لكى تصل إلى المحطات الأهلية أو المنازل متهالكة وأصابها التآكل والصدأ من الداخل، وهو ما يسهم فى تلويث المياه، فضلا عن خروجها من المحطات الرئيسية غير صالحة للشرب نتيجة الإهمال داخل محطات تحلية المياه التابعة للشركة القابضة، مؤكدا أن الفلاتر الصغيرة التى يستخدمها بعض الأهالى بالمنازل أثبتت فشلها فى مواجهة الرواسب الثقيلة والأملاح والشوائب الموجودة بالمياه، نظرا لكثرة تلك الملوثات، وهو ما يعوق عمل الفلاتر، التى لا تتمكن أسر كثيرة من شرائها، نظرا لارتفاع أسعارها التى تصل إلى 3 آلاف جنيه. ويصف سعيد عبد الشافى «موظف على المعاش»، المياه الواردة عبر مواسير محطة المياه التابعة للشركة القابضة لمياه الشرب، بأنها غير صالحة للاستخدام الآدمى، مشيرا إلى أنها تستخدم فى المنازل لتنظيف الأوانى وغسيل الملابس، حيث إن نسبة الأملاح والرواسب الثقيلة الموجودة فيها تسبب العديد من الأمراض، فضلا عن خطورتها على الأطفال، حسبما أكد له طبيب يعالج حفيده الذى يعانى من ميكروب داخل الأمعاء. وأضاف: أكد لى الطبيب أن الميكروب بسبب المياه غير الصحية، والتى تتسبب أيضا فى انتشار أمراض الجهاز الهضمى والكلى، وهو ما أدى إلى انتشار وحدات الغسيل الكلوى فى القرى التابعة لمحافظة الجيزة، لذلك يُقبل الأهالى على شراء المياه من المحطات أو ينتظرون مرور «السقا» على المنازل حاملا «جراكن» المياه فوق «تروسيكل» ويدفع له الأهالى جنيها مقابل التوصيل. محطات بالبركة كشف الدكتور عادل عامر، أستاذ القانون العام، رئيس مركز المصريين للدراسات القانونية والاقتصادية، عن أكثر من 2200 محطة مياه غير مرخصة وغير مطابقة للشروط الصحية منتشرة فى قرى ونجوع مصر، تعتمد فى أسلوب عملها على «البركة»، أما المحطات الخاصة المنشأة بتمويل من الجمعيات الأهلية لمساعدة فقراء القرى والنجوع فهى أكثر أمانا، بعد أن عجزت أجهزة الدولة عن مد خطوط مياه نقية تفتقر إلى الحد الأدنى من المعالجة الصحية، مشيرا إلى اختلاط مياه الصرف الصحى بمياه الشرب. وأكد أن اتهام الجمعيات الأهلية بالتقصير وتعمدها إنشاء محطات غير مطابقة للمواصفات هو نوع من إلصاق التهم بمن يحاول رفع المعاناة عن كاهل الفقراء فى القرى والنجوع التى تنقطع المياه عنها دون اهتمام أجهزة الدولة بوضع خطة تطوير لمياه الشرب. وتساءل متعجبا: «إذا كان حفر بئر لرى الأراضى الزراعية لا يتم إلا بموافقة مسبقة من وزارة الرى، أليس من الأولى تطبيق ذلك على الراغب فى إنشاء محطات لمياه الشرب سواء كانت الجهات المتبرعة جمعيات أهلية أو جمعيات خيرية؟!». لافتا إلى أن تراخى الرقابة وعجز الحكومة عن أداء دورها بالإشراف على تلك المحطات، أدى إلى انتشار حالات التسمم الميكروبى بسبب بدائية عمل تلك المحطات فى التنقية والتكرير، رغم وجود 100 ألف كيلو متر من شبكات المياه النقية تغطى بر مصر، وهذا التقصير فى الدور الرقابى أدى إلى انتشار عدوى إنشاء محطات مياه، خاصة فى القرى والنجوع انتقلت بين الجمعيات الأهلية على حساب الشروط الصحية للمحطة، التى لا تخضع لأى جهة رقابية قبل دخول المحطة الخدمة، فى الوقت الذى غضت الحكومة طرفها عن مراقبة عمل تلك المحطات أو حتى الإشراف عليها لعجزها عن توفير مياه شرب نقية أو مد شبكات مياه لتلك القرى المحرومة، بوجود محطات خاصة لمياه الشرب وهى مسألة خطيرة للغاية، لأنها تمس كوب الماء وإذا لم يكن مطابقا للاشتراطات الصحية فسوف يكون مصدرا للأمراض والكوارث. «مش كفاية» أوضح عادل عامر، أن حل تلك الأزمة يكمن فى مراقبة عمل تلك المحطات وتطوير سعة المحطات الحكومية، مع استمرار الضخ بكميات أكبر تكفى النجوع والقرى، مع الالتزام بالوقف الفورى لكل من يخالف ذلك ومراقبة مشروعات الجمعيات الأهلية فى مجال انتشار المحطات بالقرى على وجه التحديد وعدم السماح بإنشاء محطات تنقية للمياه إلا بعد متابعة الوزارات المعنية وضرورة وجود محطات للمياه تتوافر فيها اشتراطات فى كل مرحلة من مراحل المعالجة بدءا من سحب المياه من النيل أو من خطوط المحطات الحكومية، مرورا بمراحل المعالجة والضخ فى مواسير للمواطنين. وشدد على ضرورة أن يكون لكل مرحلة اشتراطات واختبارات ولابد أن تجتازها، وكان من المفترض أن تكون تلك المحطات الخاصة مرخصة وخاضعة لرقابة وزارة الصحة حتى لو كانت تابعة للمحليات أو المحافظة، نظرا لأن المسألة تتعلق بالخطورة على الصحة العامة للمواطنين، مشددا على أن وجود محطات مياه شرب خاصة غير مرخصة ولا تخضع لمتابعة أو رقابة، تشبه إلى حد كبير «أدوية بئر السلم» فى خطورتها، مؤكدا ضرورة إلزام الجهات المعنية بإنشاء محطات مياه أهلية بعد الحصول على ترخيص من وزارة المرافق ومياه الشرب والصرف الصحى، خصوصا أن معظم المحطات التى أنشأتها الجمعيات الأهلية لا تتوافر فيها الشروط الصحية، مقارنة بالمحطات الحكومية رغم النوايا الطيبة لتلك الجمعيات فى تنمية المجتمع المحلى والعمل على سد احتياجات القرى من المياه.