عادة ما يهوى الناس الأشياء الجميلة التي تلفت الأنظار، لكن عندما يهوى الإنسان ما ينفر منه كل الناس تكون هوايته هي الأغرب وسط الآخرين. هذا ما ينطبق على نقيب الزبالين الحالي «شحاتة مقدس»، الذي يعمل في مهنة يأنف منها الكثيرون، لكنه استطاع من ورائها أن يحول التراب حرفياً إلى ذهب. زرناه في «فيلّته» المبنية على رأس أكبر قرية لجمع القمامة في مصر، التي يعمل بها مايقرب من مليون زبال. يقول نقيب الزبالين عن نفسه، أنه مواطن بسيط خرج للدنيا لا يعرف إلا مهنة والده، وبعد حصوله على الثانوية العامة لم يكمل مسار التعليم وعمل مع والده الذي علمه أن جمع القمامة ليس شيئا قبيحاً كما يراه الآخرون، بل هو مفتاح رزق للإنسان. شحاتة يقول أن الزبال ليس كالحمار يحمل أسفاراً على ظهره، بل إنسان له فكر وحياة، قائلاً "هذا ما حدث معي عندما وجد والدي كبير الزبالين ويجمع أكثر من 3 ملايين زبال مصري تحت إرشاده"، بل يعترض أيضاً على مصطلح «زبال» نفسه، ويقول أن أصحاب البيوت هم المسئولون عن تراكم الزبالة، وأن دوره هو ومن يعملون تحت إمرته هو تنظيف هذه القمامة، لذلك فهو يفضل وصف «عامل النظافة» لأن له وقعاً أفضل من الزبال. وعن روتينه اليومي قال شحاتة : «أخرج ككل العاملين منذ الساعة الخامسة فجراً، مصطحباً أدواتي البسيطة داخل السيارة التي سأحمل بها الزبالة، أعمل طوال الوقت بيدي وقد يندهش البعض إذا عرفوا أني أخشى الميكروبات وأحاول ألا أتلوث لكي لا أصاب بالمرض، لأن هذا سيمنعني من العمل، لكني أظن أن مرافقتي للميكروبات لزمن طويل جعلها هي أيضاً تخاف مني!». «شحاتة» قدّم لنا شرحاً علمياً لتقسيم محتويات الزبالة، وقال أنها ليست فقط مجرد مهملات متناثرة، بل عند جمعها يتم فرزها إلى نوعين مواد صلبة ومواد عضوية، ويتم التخلص من المواد العضوية لأنها قد تسبب الأمراض ولا فائدة تعود منها، أما المواد الصلبة فيتم إعادة تدويرها، وقال أن دخل الزبال يأتي من محتويات الزبالة نفسها، ودخل الزبال في الشهر قد يتجاوز 2500 جنيه، وهذا لا يحلم به موظف عادي يعمل وراء مكتب. وعن أسباب اختياره نقيباً للزبالين قال: «كنت الأكثر قرباً من زملائي، وأقوم بمساعدتهم على حل مشاكلهم، كما أنني قمت ببناء بيتي معهم في نفس المكان ولم أتبرأ منهم بعد أن امتلكت الثروة، لهذا عندما قررت الدولة أن تكون هناك نقابة للزبالين تم اختياري لأمثلهم وأدافع عن حقوقهم مثلما كان والدي». النقيب طموحه كبير لمستقبل الزبالين، وقال أنه ينوي أن يضمن لهم التأمينات والرعاية الطبية والترفيهية، لأن لهم دور مهمّا في الدولة، ويكفي أنهم يرفعون ما يقرب من 8 ملايين طن زبالة يومياً من المنازل والمؤسسات، وأثناء أزمة القمامة الأخيرة قام النقيب بوضع روشتة للتخلص من أزمة تكدس المخلفات في الشارع المصري، وشارك هو ورجاله في مبادرة «وطن نظيف» للرئيس محمد مرسي، وفي الختام قال شحاتة: «سوف أظل أجمع الزبالة حتى لو أصبحت وزيراً».