فى الوقت الذى تمثل مياهه 90 فى المائة من أجسامنا، كان النيل وسيظل عنصر الحياة الأساسى لمصر، وعندما قال هيردوت إن مصر هبة النيل رد عليه محمد شفيق غربال مصر هبة النيل والمصريين كيف؟ لأن هم الذين روضوه وأقاموا عليه السدود وحفروا الترع لنقل مائه وأقاموا حوله قراهم ومدنهم بل وقدسوه وجعلوا له الآلهه. فهذا المعبود «حابى» الذى صوروه على هيئة رجل ضخم تجمع ملامحه بين الصفات الذكورية والأنثوية له أرداف وأثداء كبيرة رمز للخصوبة ويحمل مائدة قرابين عليها خيرات النيل من أسماك وزهور وطيور، وفوق رأسه رمزا مصر البردى واللوتس، و«حابى» هذا لم تكن له معابد ولا كهنة يخدمونه، فهو يعبد فى كل مكان. وهذا المعبود «سوبك» فى هيئة التمساح والكبش خنوم والضفدعة حقت والمياه الأزاليه نون، وكانوا يسمونه فى لغتهم (أيتوروعا) وكلمة النيل نسبة للكلمة اليونانية نيلوس وذكر ديودور الصقلى أنهم أسموه أيجبيتوس نسبة لذكرى ملك مصرى ثم الملك نيلوس الذى شق الترع والقنوات واهتم بالنهر، وكان من شروط دخولهم الجنة أن يعترف الفرد أمام الآلهه فى محاكمة الآخر أنه لم يلوث مياه النهر ولا يحبسه عن جاره. ونجد فى الخطابات الغريبة التى يرسلها الأحياء للموتى صيغة تهديد بالنسبة لهؤلاء الذين لم يطعيوا الأوامر الموجهة إليهم فلن (يصب إليهم الماء المطهر) لتهديدهم. وكان ماء النيل عنصرًا حيويًا بالنسبة لتأدية القرابين، هى قربان التطهير الأساسى ويطهر بمائه الملك والكهنة فى أوانى ذهبية قبل صلاتهم، وكان فى كل معبد بحيرة ماء للتطهير تسمى البحيرة المقدسة ليتطهر بها الكهنة قبل أى صلاة. ولم يكتف المصريون بتقديسه، لكنهم تعلموا منه الوفاء، وأقاموا له عيدًا خاصًا به أسموه عيد وفاء النيل فى النصف الثانى من أغسطس، فما هو وكيف بدأ وهل كانت عروس النيل حقيقة أم أسطورة ؟ نعود لعام 4241 ق. م ونشاهد الكهنة الفلكيين جالسين فى مرصدهم فى مدينة بر حعبى أى بيت الإله حابى، وهى منطقة الروضة الآن وتقع بين مدينتى أون ومنف وهم ينظرون بأجهزتهم نحو السماء فى اليوم الخامس عشر، وذلك قبيل شروق الشمس مباشرة ونراهم يهللون لرؤية نجمة الشعرى اليمانية التى أسموها سوبدة أو سوتيس، وهى تشبه فى شكلها الجروة أى الكلبة الصغيرة أو فى هيئة امرأة تحمل ريشتين تلمع وتحترق فى السماء، وهو ما يسمى بالاحتراق الشروقى. وهذا يبشر بمجئ الفيضان حيث تبدأ سنتهم الجديدة طبقًا لأول تقويم فى العالم وهو التقويم النيلى، وهو يسبق التقويم الشمسى والقمرى ويحتفلون بعيد النقطة أى نقطة أيزيس ودموعها على زوجها أوزريس حيث اعتقدوا أن النيل ينبع من نزول دموعها ثم ينتظرون إلى أن تلون مياه نهرهم باللون الأحمر من الطمى فى النصف الثانى من أغسطس ويبلغ ارتفاع مياهه ستة عشر ذراعًا، وهو الحد الكافى الآمن من المياه. ثم استمرت عادة الاحتفال بعيده فى العصر الإسلامى مع تغير الطقوس لتناسب الإسلام فبعد قياس النيل يوم 12بؤونة فى العصر العباسى تعم الاحتفالات خاصة إذا زاد على 16 ذراعًا، وفى العصر الفاطمى يجتمع المشايخ بجوار جامع مقياس النيل فى الروضة لختم القرآن، وصباحًا يعلن الخليفة لهم بدء العيد حيث تقام الأفراح فى البلاد لمدة ثلاثة أيام، واستمر الاحتفال فى العصر الأيوبى والمملوكى ووصفه المؤرخ بن أياس فى العصر المملوكى حيث يخرج دهبية السلطان من بولاق وهى متزينة بالزهور والأعلام حيث يستقبله الأمراء بالطبول واستمر حتى وقت قريب حيث تحتفل به فى النصف الثانى من أغسطس، وذلك على مراكب نيلية وفى حضور كبار رجال الدولة فى القارب ذى الشكل الفرعونى ويسمى العقبة وكانت تدوى طلقات المدافع ويقوم مفتى الديار المصرية بعد إقرار شهادة كبار العاملين الرسميين بأن النيل قد وصل لمنسوب 22 ذراعًا وقيراطين وأنه القدر الكافى للزراعة والرى تعلن حجة وفاء النيل لجمع الضرائب.