-1- لا يعلم الكثيرين أن الحركة الرهبانية لم تبدأ منذ القرن الرابع كما هو سائد، فبينما كان الأنبا انطونيوس هو أول من نظم الحركة الرهبانية، كانت السيدة العذراء مريم هي رئيسة أول بيت مكرسات عذارى وراهبات، في القرن الأول الميلادي كما تطرح لنا المراجع المبكرة، لذا يعلن لنا تاريخ الكنيسة أن النساء سبقن الرجال في العصر المسيحي المبكر لوضع النظام الرهباني والتكريسي، وحملت قوانين الرسل من القرن الثاني الميلادي تنظيماً واضحاً لعمل المكرسات والعذارى ودورهن، بل أنها شجعت المؤمنين المبكرين على أن يكون في كل بيت (عذراء) نذيرة للرب. ويميز الطقس الكنسي (نظام ترتيب الصلوات) بين طقس المكرسة، والتي كان يطلق عليها قديما شماسة، والذي يتم مع التأكيد أنه ليس درجة كهنوتية كالرجال، وفي قداس خاص لا يحضرة عامة الشعب، وإن كان قد سمح المجمع المقدس في لائحة المكرسات أن يحضر أهل المكرسة لحضور طقس التكريس إحتفالاً منهم بوهب إبنتهم للخدمة كعذراء بتول، للخدمات النسائية والعجائز والأطفال. وفي الجانب الآخر نجد أن طقس الرهبنة يتمحور حول صلاة جناز للمترهبنه (ومثله للرجال)، حيث تموت العذراء عن العالم وتنذر بقية حياتها لأجل الصلوات. وكما اختلف الطقس اختلف الزي، فيلبسن الزي الأسود للأم الراهبة والتي يطلق عليها (تاماف) - كلمة قبطية تعني أمنا - أو الزي الرمادي وفي بعض الأحيان البني للمكرسة والتي تنادى (تاسوني) - كلمة قبطية تعني أخت. وبينما تخدم الشماسة المكرسة في العالم -بين الناس- تعتزل الراهبة في ديرها، وتكون خدمتها قاصرة داخل حدود الدير، وفي بعض الأحيان ولظروف خاصة قد تقدم خدمات محددة بين عامة الشعب. وإن كانت هناك وسيلة نستطيع أن نرى بها النظام الذي كان في أول بيت مكرسات برئاسة السيدة العذراء مريم، فلن تكون أفضل من أن نلقي نظرة على دير القديسة دميانة للراهبات. -2- يعد دير القديسة دميانة للراهبات، وبحق، نموذجا لحياة التكريس والرهبنة، فحمل بين جدرانه سماء أرضية، بها ملائكة من الراهبات والمكرسات، خلية نحل تنتج عسل الصلوات والإبتهالات، مكللة بخدمة بلا حدود وعطاء لا ينتهي. من مخطوطة تعود إلي سنة 1449ش، أى سنة 1732م، يظهر لنا تاريخ الدير الذي تم بناؤه على يد الملكة هيلانة بعد (هلاك) الملك دقلديانوس الذي أذاق المسيحيين أهولاً، زادت من إيمانهم وتمسكهم بعقيدتهم. "وللوقت جهّز - (الملك قسطنطين) والدته المباركة هيلانة وقال لها: قومى خذى أكفاناً غالية وكساوى مثمنة، وتوجّهى إلى أن تصلى إلى الزعفرانة بوادى السيسبان وابنى هناك كنيسة للست العفيفة دميانة ومن معها من العذارى الشهيدات. وللوقت جهّز لها عسكراً، وسافرت إلى أن حضرت إلى ذلك القصر فوجدت جسد الست دميانة..فقبّلتهاوتشفعت بها وبأجساد الشهيدات العذارى الأربعين، لأنهن كن حول جسدها فى القصر(أى الدير الذى بناه والد الشهيدة الوالى مرقس) منفردات عن أجساد الشهداء. ثم كفّنتهم بأكفان حسنة جميعهن، ثم كفّنت الست دميانةبكفن غالى القيمة، وجمعت الصناع وكل المهندسين.. وبنت.. قبواً ماكناً فى الأرض، بكل بناء وثيق حسن.. ووضعت سائر الأجساد(أجسادالأربعين عذراء) تحت القبو مرصوصين كما كانوا تحت القصر أولاً، وعملت للست دميانةتختاً فى ذلك القبو بترتيب حسن جداً، ووضعت جسدها عليه، وعملت عليها ستارة ستراًحريرياً.. مرقوماً بالذهب الأحمر، وبنت فوق القبو كنيسة لطيفة بقبة واحدة ومع الكنيسة بنيت ديراً جديداً للإعتناء بالمزار وكرس الأب البطريرك أنبا ألكسندروس بطريرك الإسكندرية التاسع عشر هذه الكنيسة فى اليومالثانى عشر من شهر بشنس." تم تعمير الدير بضعة مرات القرن التاسع عشرفى عهد نيافة الأنبا باسيليوسفى سنة 1871 ،وفي القرن العشرين، فى عهد نيافة الأنبا بطرس ،وفى عهدنيافة الأنبا تيموثاوسفى سنة 1935، وفى عهد نيافة الأنباأندراوس1969 وفي عهد نيافة الحبر الجليل الانبا بيشوي - أدام الله حياته - تم توليه حبرية رئاسة الدير إلى جوار إيبارشية دمياط وكفر الشيخ والبرارى على يد مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث، والذي إهتم بالبنيان الروحي والمباني للدير بعمل نظام روحى لطالبات الرهبنة فى الدير من حيث وجود جرس لصلاة نصف الليل، ومجمع التسبحة، ومجمع صلوات الغروب، وتخصيص أب اعتراف للدير، والاهتمام بالعمل اليدوى المتنوع؛ تمهيداً للاعتراف بالدير رسمياً. واهتم نيافة الأنبا بيشوى بحياة الراهبات الروحية؛ فقام بنفسه بتسليمهن بعض ألحان التسبحة، واستعان بالقمص بيسنتى الأنبا بيشوى (حالياً نيافة الأنبا بيسنتى أسقف حلوان) لاستكمال هذا الأمر. كما اهتم نيافة الأنبا بيشوى بعمل اجتماعات روحية للراهبات وطالبات الرهبنة لإلقاء كلمة روحية أو محاضرة عقائدية عليهن. وكذلك باشر بنفسه الإرشاد الروحى لهن على مدى سنوات طويلة وحتى يومنا هذا. إلى جوار تخصيص بعض الراهبات فى الوقت الحاضر لإرشاد المقبلات حديثاً للرهبنة أو لطالبات الإرشاد الروحى؛ وذلك إلى جوار دور أب الاعتراف فى الاعترافات والإرشادات الروحية. واهتم نيافته أيضاً بأن يشرف بنفسه علىمركز الكومبيوتر والأبحاث الروحية والكتابية والعقائدية بالدير. وأنشأ موقعاً علىالإنترنيت. وأنشأ نيافته أرشيفاً فى مبنى الديرلكثير من الأوراق والمستندات؛ تشرف عليه بعض الراهبات مع الاستعانة بالتكنولوجياالحديثة. وقامت الراهبات فى مركز الكومبيوتروالدراسات بدير الراهبات بمعاونة نيافة الأنبا بيشوى فى إعداد ونشر كثير من أوراقالحوار اللاهوتى والأبحاث اللاهوتية التى يقوم بها نيافته، وكذلك فى إعداد كثير منالكتب التى قام بإعدادها أو تأليفها للنشر؛ مع ترجمة كثير من هذه المواد إلى اللغةالإنجليزية ووضعها على الإنترنيت. يحكي بعض شهود العيان قائلين "كان قد مضى على الكثير من مبانى الدير زمن طويل دون أن تمتد لها أيادى التعمير؛ فقد أكمل نيافته ما بدأه نيافة المتنيح الأنبا أندراوس وزاد عليه بحسب ما أعطته نعمة الرب أن يعمل. وكل من يعرف نيافة الأنبا بيشوى يستطيع أن يلمس بقوة يد الرب التى تعمل معه وبه بصورة تُقوِّى الإيمان والثقة فى مواعيد الله ومحبته وقدرته. فلا يوجد مكان فى الدير لم تمتد إليه يد نيافة الأنبا بيشوى بالتعمير والترميم.. هذا بالإضافة إلى كثير من المبانى العديدة المستجدة التى تم إنشاؤها.." وظهر هذا في أعمال جليله كتوسيع الكنيسة الكبرى، وبناء هيكل خرساني لها، وإنشاء مبنى من ثلاث طوابق يحوي معمودية، ومدفن جديد للآباء الاساقفة، ومركز كمبيوتر للشباب الساكنين فى بلدة بلقاس خامس المجاورة للدير للعمل البحثي والدراسي. كما تم بناء مبنى جديد للضيافة لإستضافة محبى القديسة دميانة، كما تم تخصيص مبنى للخوة للشابات محبات الرهبنة ومبنى آخر للمكرسات. ومع زيادة عدد الراهبات تمت تشييد مبنى جديد لهن يسع حوالى تسعين قلاية لكل راهبة قلايتها الخاصةوالقلاية مجهزة بدورة مياه خاصة وكل لوازم المعيشة. هذا المبنى إفتتحه قداسة البابا شنودة الثالث فى 28 نوفمبر 1998. ثم زاد عدد الراهبات أيضاً فتم تشييد مبنى أحدث يسع حوالى سبعين راهبة إفتتحه قداسة البابا تواضروس الثانى فى 23 مارس 2015. وكلا المبنيين به مناطق عمل لأشغال الراهبات المختلفة وأماكن ضيافة ومطابخ. أما حجرة الصلاة والكنيسة الخاصة بالراهبات فهى قاعات واسعة تصل بين المبنيين. وهناك أيضاً حديقة خلفية خاصة بالراهبات.ويبلغ عدد راهبات الدير وطالبات الرهبنة حالياً 160 أغلبهن من خريجات الجامعة. وسيذكر التاريخ أن أول كنيسة في العالم بإسم الشهيد الوالي مرقس والد القديسة دميانة، افتتحها نيافة الأنبا بيشوى بقداس خاص حضرته راهبات الدير والمكرسات فى يوم الأحد الموافق 29/5/2005م. وتستمر رحلة التعمير في الدير بين بناءالكنائس وترميمها، وترميم كنيسة القبر الخاص بالقديسة دميانة، والأعمال الأثريةبالتنسيق مع وزارة الأثار ... لخ وإندهش البعض من كل تلك الإنجازات، لتأتي لهم الإجابة أن بركة يد الرب العاملة بيد الأنبا بيشوي، دبرت كل احتياجات الدير، بل وفاضت حتى منحت بركات عدة على المناطق المحيطة.