سفراء تواضروس أظهروا أداء باهتًا ودعايتهم أخذت شكلًا طائفيًا تدخل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية منعطفًا خطيرًا، متهمة بالتفريق بين رعاياها، على خلفية أزمة بيان الكنيسة، الذى أصدرته بالاشتراك مع المقر الباباوى فى أمريكا وإبراشية نيويورك ونيو إنجلاند، وتدعو فيه رجال الكنيسة إلى حشد من يستطيعون من الأقباط ليكونوا فى استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدةالأمريكية لإلقاء كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأكدت الكنيسة، فى بيانها، اهتمام البابا تواضروس بنجاح هذه الزيارة، وأن البطريرك انتدب الأنبا يوأنس أسقف أسيوط والأنبا بيمن أسقف نقادة وقوص للإعداد لهذه الزيارة المهمة، وأن البابا قام بتوجيه رسالة تحث على عمل كل شئ ممكن لإنجاح هذه الزيارة، الأمر الذى يعود بالخير على مصر وكل المصريين. وكشف البيان الكنسى عن توفير كل كنيسة وسيلة مواصلات لنقل المواطنين المصريين الذين سيحتشدون أمام مبنى الأممالمتحدة فى موعد إلقاء الرئيس السيسى كلمته، قبل أن ينهى البيان فقراته بالتنويه إلى أن «هذه الخطوة تأتى لدعم القيادة والدولة المصرية فى مواجهة عمليات التربص التى يخطط لها أعداء الوطن». لم يكد يظهر البيان للنور حتى تفجرت حالة من الجدل بين نشطاء الأقباط حول الدعوة التى فتحت باب الصراع السياسى بين المسيحيين المؤيدين للسيسى والمعارضين له. ومع تداول البيان عبر الهواتف المحمولة و(السوشيال ميديا)، دعا معارضون أقباط ومسلمون فى الولاياتالمتحدة وكندا إلى الاحتشاد فى نفس المكان ونفس التوقيت للتظاهر ضد الرئيس. بيان الكنيسة الذى فرّق بين الأقباط، ما بين مؤيد ومعارض، أصاب كثيرين بالانزعاج من خطورة انزلاق الكنيسة فى الصراع السياسى، معتبرين أن ما أقدمت عليه الكنيسة يعد نوعاً من المتاجرة بالدين وتوظيفه لخدمة أغراض سياسية، وبدا أن السؤال الذى يتردد على ألسنتهم وينتظر إجابة: ما دخل الكنيسة فى تنظيم المظاهرات السياسية المؤيدة أو المعارضة لرئيس الجمهورية؟، وهل تحوّلت الكنيسة إلى حزب سياسى أو ائتلاف شعبى ثورى؟، واشتعلت صفحات التواصل الاجتماعى بالغضب والاستنكار ليزداد عدد المتفاعلين مع الحدث وليزداد انقسام أبناء الكنيسة الواحدة حول البيان، لدرجة أن أحد الرافضين للدعوة للتظاهر تساءل: من الذى خوّل البابا تواضروس لأن يصنف معارضى السيسى بأنهم أعداء الوطن، من منحه الحق فى إصدار هذا «الصك الإلهى»؟. وتملكت حالة من الغضب عدد كبير من أقباط الداخل ونشطاء المهجر، معلنين رفضهم للدعوة، معتبرين أنها دعوة سياسية بحتة لا ينبغى على الكنيسة أن تتبناها، خاصة بعدما «خذلتهم الدولة فى قانون بناء الكنائس» على حد وصفهم. وصرح إيليا مقار، شقيق إبرام مقار، القيادى بجماعات أقباط المهجر أن «الدعوة للتظاهر عمل سياسى ما كان يجب على الكنيسة أن تقوم به تأييداً أو رفضاً»، مؤكدًا أن «الكنيسة عملها الأساسى، هو خلاص النفوس وليس تأجير أتوبيسات وحشد الناس بأعلام للاحتفال بالحاكم»، معتبراً أن «تصدى الكنيسة للعمل السياسى التوجيهى معناه استغلال سلطانها الروحى على أبنائها لإملاء موقف سياسى. ولم ينته المشهد عند هذا الحد بل «زاد الطين بلة» الغضب العارم من أقباط المهجر على الأداء الباهت الذى ظهر به رُسُل البابا (الأنبا بيمن والأنبا يوأنس) والتى أدت إلى نتائج عكسية وأساءت لزيارة الرئيس، بعد أن قام يوأنس عن طريق جمعية أهلية لصديقه نبيل مجلع بعمل بانارات ترحيب لرئيس الدولة أُقحمت فيها صورة البابا تواضروس، فأضفت شكلًا طائفيًا مقيتاً وجعلت منه صيداً ثميناً للهجوم على زيارة الرئيس، وتلقفت فضائيات الإخوان الإرهابية المشهد، الذى كان لها بمثابة هدية من السماء، لتبث أكاذيبها وتمارس هويتها فى القص واللزق والتزييف واللعب بعقول المصريين لتهييج الرأى العام ضد الأقباط. سقطات الأساقفة كانت صادمة لأقباط الداخل قبل الخارج، حيث بدأها الأنبا بيمن مخاطباً أبناءه أقباط المهجر، مفسراً لهم ما يحدث لإخوتهم فى صعيد مصر قائلاً: «إن 60 بالمائة من مشاكل الأقباط سببها الأقباط أنفسهم وعدم حكمتهم وكلامهم وعلاقات عاطفية كما حدث فى إسنا وأرمنت..وأن أمريكا نفسها ليس بها أمن»، ليأخذ منه الكلمة الأنبا يوأنس مكملاً مسيرة أخيه بيمن على نفس الدرب قائلاً لأقباط المهجر: «لابد أن يعلم الجميع أن الأقباط هنا قوة، وإذا خرج عدد صغير منا فسنظهر ضعفاء»، ليندهش الحضور من تلك العبارات متسائلين فى ذهول: «هل هى حرب أم هى استعراض وإظهار قوة الأقباط فى المهجر.. فلمَن وأمام مَن، ولماذا»؟! الأنبا يوأنس لم يكتف بذلك بل راح يوصّف العلاقة بين رئيس الدولة ومهمته بأنها علاقة «خد وهات»، وهو ما كان بمثابة الصدمة على عدد كبير من الأقباط. رُسُل البابا غاب عنهم أن للمهجريين ثقافة وتعليمًا رفيعًا، وتحديدًا جيل الشباب منهم، ولذا هم فى حاجة لمن يخاطب عقولهم، ويجيب عن أسئلتهم الحائرة، وفى حاجة إلى حوارات شفافة وصريحة تحترم عقولاً تربت فى بيئات لها طبيعتها الخاصة التى قطعًا لم يفهما رسولا البابا. وأمام تلك السقطات، كان طبيعياً أن تأتى المبادرة بنتائج عكسية، حيث أحجم كثيرون عن الاستقبال بسبب تصريحات الاثنين المفوضين من البابا وهو ما أضر بالحشد وأضاع جهود أساقفة أمريكا، فأعلن عدد من شباب الأقباط فى المهجر عن رفضهم واحتجاجهم لدى الأساقفة قولاً وفعلاً، وأعلنوا رفضهم لدعم الرئيس السيسى رافعين شعار «لا للترحيب بالرئيس»، حيث قال مجدى خليل، عضو منظمة التضامن القبطى، عبر صفحته على فيسبوك: إن «السيسى لم يفعل شيئًا للأقباط يجعلنا نرحب به، فلا تشاركوا فى هذه الزفة الرخيصة بعد انكشاف سياساته تجاهنا».