آل الزمر يترحمون على السادات وفوبيا التخوين أصابت الفريقين «من كان منكم بلا وثيقة فليُفرط فى قضيته»، هكذا يمكن تلخيص الصراع الدائر بشأن أحقية كل من مصر والسعودية فى جزيرتى تيران وصنافير، وبينما يتمسك السعوديون بمخاطبات ومكاتبات، يقدم المصريون شهادات وخرائط ووثائق، وبين الفريقين تتوارى الحقيقة ويدخل الأشقاء فى جدل لا نهاية له، غير أن وضع الحجج والمبررات أمام بعضها يمكن أن يمثل حلاً للأزمة ويضىء الطريق أمام كل حائر، ويبقى الرأى الأول والأخير للشعب المصرى باعتباره صاحب السيادة القائمة الآن على الجزيرتين، وهو وحده صاحب الخيار فى الاستفتاء على مصير أى ذرة رمل من تراب الوطن الغالى. المتابع الجيد لما حدث خلال الأيام القليلة الماضية بخصوص جزيرتى تيران وصنافير، سيفاجأ بموجة تحولات وتبادل للأدوار شملت كثيرين من فئات المجتمع، وكأن كرة من النار تحركت بينهم ذابت خلالها مواقفهم وآراؤهم، فأصبح المؤيد معارضًا، والسلبى صار ثائراً، والإخوان أحبوا عبد الناصر، والثوار اعتذروا للفلول، والخبراء استقوا معلوماتهم من كتب ابتدائى. فور إعلان بيان رئيس مجلس الوزراء، الذى أقرت مصر خلاله أن جزيرتى تيران وصنافير أراض سعودية، وجدنا زلزالاً ضرب الإخوان فاستشهدوا ببعض أقاويل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، على الرغم من الكراهية الشهيرة من الإخوان لزعيم ثورة يوليو، فامتلأت صفحات الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعى بمقولة عبدالناصر الشهيرة التى يعود تاريخها إلى ما قبل حرب 67: «مضايق تيران، مياه إقليمية مصرية، وطبقنا عليها حقوق السيادة المصرية، ولن تستطيع أى قوة مهما بلغ جبروتها، وخليج العقبة أرض مصرية، وعرضه أقل من 3 ميل موجود بين ساحل سيناء وجزيرة تيران المصرية، وما بينهم مياه إقليمية مصرية»، وأكد ناصر رفضه لمرور السفن الإسرائيلية من المياه الإقليمية المصرية من خلال مضيق تيران. الفلول أما الفلول وهو اللقب الذى اشتهر به أتباع الحزب الوطنى (المنحل) ومؤيدو مبارك، فقد تحولوا فجأة من الكره الشديد للدكتور، محمد البرادعى، نائب رئيس الجمهورية الأسبق، والدكتور عمرو حمزاوى أستاذ العلوم السياسية والنائب البرلمانى السابق، لدور الاثنين فى ثورة 25 يناير التى أنهت حكم مبارك، إلا أن الفلول اتخذوا من شخصى البرادعى وحمزاوى مرجعية لهم، بخصوص أزمة تيران وصنافير، واستشهدوا بأحد مقالات البرادعى، الذى نقله موقع «سى.إن.إن»، ذكر خلاله أن «جزيرتى صنافير وتيران سعوديتان»، فى مقال كتبه بصفته محاميًا دوليًا منذ أكثر من 30 سنة، يتناول تقسيم مناطق السيادة بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ونُشر فى يوليو 1982 فى المجلة الأمريكية للقانون الدولى، كذلك استشهدوا بتصريحات لحمزاوى، عبر صفحته الشخصية بموقع (تويتر)، قائلاً: «جزيرتا تيران وصنافير سعوديتان، وبيان رئاسة الوزراء دقيق أيضا فى إشارته إلى إخطار مصر للأمم المتحدة بقياس البحر الإقليمى المصرى فى 1990، وبعدم ادعاء مصر السيادة على الجزيرتين». وأشار حمزاوى إلى أن الجزيرتان وصفتا كمناطق متنازع عليها بين مصر والسعودية لتأخر تحديد الحدود البحرية بين البلدين، وبسبب الإدارة المصرية للجزيرتين منذ 1950، وشدد على أن توجيه الاتهام بالتنازل عن الأرض دون استناد إلى فهم لتاريخ ووضعية صنافير وتيران ليس من الموضوعية فى شيء، ولا من المعارضة فى شيء. آل الزمر أما آل الزمر، وهم عائلة عبود وطارق الزمر، المتهمين بالمشاركة فى قتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فوفقًا لأحد أفراد العائلة، فإنهم يترحمون على السادات بعد أكثر من 35 سنة على قتله، ووقع عدد كبير منهم على بيان معارض ورافض للتنازل عن الجزيرتين، واعتبروا أن أيام السادات هى الأفضل على الإطلاق، مستشهدين بموقفه الحاسم من موضوع سيادة مصر على أراضيها، كما أن الجزيرتين ذكرتا ضمن اتفاقية كامب ديفيد، التى تمت فى عهده. ثوار يناير أما عن النخبة، كما يطلقون ويسمون أنهم وممثلى حقوق الإنسان والنشطاء وثوار يناير، ففجأة وبدون مقدمات أخذوا من «المخلوع»، كما يطلقون على الرئيس الأسبق مبارك، فعرضوا فيديو لمبارك، نزل من قبل على صفحة «آسفين يا ريس»، وقال خلاله «مقدرش أتنازل عن شبر واحد من أرض مصر، دى مش عزبة». الاستراتيجيون أما الخبراء الاستراتيجيون ففجأة شعروا بأن الفرصة أصبحت سانحة للظهور الإعلامى من جديد، وعرضوا أنفسهم، كالعادة، جهابذة فى عالم ترسيم الحدود البحرية بين الدول، وخبراء فى علوم التاريخ والجغرافيا، وكان دليلهم على مصرية الجزيرتين مجرد أنهما مذكورتان ضمن تعريف الجُزر فى كتاب الجغرافيا المقرر على الصف السادس الابتدائى. فوبيا التخوين المصطلح الأقرب لما نحن عليه الآن، هو «فوبيا التخوين»، فمعظم من أيدوا الصفقة أطلقوا لقب خائن على كل من عارضها، واتهموه بأنه إخوان حتى لو كان قبطيًا. وعلى النقيض، اعتبرت جماعة الإخوان كل من وافق على هذه الصفقة «خائن وعميل ولا يستحق ان يعيش على أرض مصر»، وأطلقوا حملة شرسة من كتائبهم الإلكترونية يترحمون خلالها على أيام الرئيس الأسبق محمد مرسى، بأنه أخطأ وأنهم يعلمون أخطاءه إلا أنه «لم يكن خائنًا ولم يبع الأرض».