«3 تريليونات جنيه إجمالى ديون مصر».. عنوان سيتصدر الصفحات الأولى لكل الصحف المصرية، وكثير من الصحف العالمية بنهاية عام 2016، يعبر عن التطور الطبيعى لديون مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، حيث توقفت عجلة الإنتاج فى مصر، وساد التخبط حكومات مصر، وحتى الآن. ويحذر العديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين من أن مصر تمر بمرحلة اقتصادية خطيرة صعبة للغاية نتيجة غياب حركة الاستثمارات المحلية والأجنبية وعدم قدرة الحكومة على تمويل مشروعاتها القومية إلا عن طريق القروض المحلية والخارجية، التى ترجمت إلى ارتفاع خطير فى ديون مصر الداخلية والخارجية، لا سيما فى السنوات الثلاث الأخيرة، بنسبة 150 فى المائة، لتزيد من تريليون جنيه إلى 2.4 تريليون جنيه حتى كتابة تلك السطور. ومنذ أيام أقر البنك المركزى بهذا الوضع الحرج عبر الإعلان عن أن إجمالى الدين المحلى تجاوز 2 تريليون جنيه فى نهاية مارس الماضى، بما يعادل 93.8 فى المائة من إجمالى الناتج المحلى، لافتًا إلى أن فوائد خدمة الدين فى موازنة العام المالى الماضى بلغت 195 مليار جنيه، وهو ما يمثل خطورة كبيرة على الاقتصاد القومى، دفع كل الخبراء الاقتصاديين إلى مطالبة الحكومة بالعمل على خفض الدين الداخلى فى أسرع وقت ممكن. مسلسل ديون مصر وسرد الخبير الاقتصادى المهندس عمرو على ل«الصباح» تاريخ ديون مصر منذ حكومة الدكتور كمال الجنزورى وحتى حكومة المهندس إبراهيم محلب الحالية، فقال: «عندما خرج كمال الجنزورى من رئاسة الوزراء عام 1999 كنا أفضل حالًا إداريًا وماليًا من كل المراحل التالية، وكانت الديون 244 مليار جنيه فقط، ثم جاءت حكومة عاطف عبيد، وزادت الديون المصرية للضعف، من 244 إلى 488 مليار جنيه، وطبع الجنيهات بلا حدود، وارتفع سعر صرف الدولار من 3 إلى 6 جنيهات، فى أفشل وأغبى مرحلة اقتصادية، فزاد التضخم وزادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ورحل عام 2006، ليأتى الدكتور أحمد نظيف، وترتفع الديون فى عهده إلى تريليون جنيه، ليخرج عام 2011، مع ثورة 25 يناير، وكان يقترض كل عام من أموال المودعين فى البنوك 100 مليار جنيه، بالإضافة إلى اقتراض أموال المعاشات التى لم ترد حتى الآن». ويضيف: «فى كل الحكومات السابقة كان الرئيس حسنى مبارك يشجب ويدين أداء الحكومة، ويطلب منهم تحسين الأداء، ولم يخطر بباله أن يستدعى بعضًا من أصحاب الخبرة والعلم لحل المشكلة، وظل متفرجًا شامخًا إلى النهاية، حتى جاءت ثورة 25 يناير، وتولى المشير حسين طنطاوى مقاليد الأمور مع المجلس العسكرى طوال 17 شهرًا، ارتبط خلالها الشعب بالجيش أكثر بعد زيادة المرتبات فى القطاع العام عدة مرات، وزاد الإنفاق الحكومى، وزاد الفساد، فزادت الديون من تريليون جنيه إلى 1.5 تريليون جنيه خلال تلك المدة.. حتى جاءت فترة حكم الإخوان الذين استمروا على نفس الإنفاق الحكومى بدون أى وعى اقتصادى، فزادت الديون من 1.5 إلى 1.8 تريليون جنيه فى 12 شهرًا». وأوضح المهندس عمرو على أن سعر الدولار ارتفع تدريجيًا إلى 8 جنيهات فى عهد محمد مرسى بسبب طباعة العملة المحلية، وبسبب سحب الحكومة للدولار من السوق، ومن البنوك لسد الديون الخارجية، وهو نفس ما فعله هشام رامز محافظ البنك المركزى فى 2 يوليو الماضى بدون تغيير فى الأداء، إلى أن جاء الرئيس عدلى منصور، فارتفعت ديون مصر إلى 2 تريليون جنيه. ولفت إلى أن ديون مصر زادت منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السياسى مقاليد الحكم، أى خلال عام واحد، بحوالى 400 مليار جنيه، فارتفعت الديون تقريبًا من 2 إلى 2.4 تريليون جنيه، محذرًا من أن سعر الدولار سيواصل الصعود، بينما ستتواصل الديون فى التزايد، حتى تدخل مصر «فعليًا» فى مرحلة الإنتاج والتصنيع والاستثمار بشكل جاد يحقق الطموح المصرى المأمول للقضاء على كل هذه الديون، وتحقيق التنمية المنشودة. من جانبه، حذر الدكتور حمدى عبد العظيم، الخبير الاقتصادى، من الارتفاعات المتتالية للديون المحلية والخارجية، مؤكدًا أنها تشكل خطورة على قدرة مصر على الوفاء بمديونياتها فى المستقبل، مشيرًا إلى أن عجز الموازنة العامة أحد أسباب ارتفاع معدلات الاقتراض، فضلًا عن استسهال الحكومات المتعاقبة مسألة الاستدانة دون النظر إلى المخاطر التى تلحق بالاقتصاد. وحذر من أن ذلك يعمل على إعاقة الاستثمار المحلى ومصادر تمويله، نتيجة ابتعاد البنوك عن دورها الحقيقى، وهو تمويل مشروعات القطاع الخاص لزيادة معدلات التنمية، والاتجاه إلى ضخ السيولة المتاحة لديها فى أذون الخزانة والسندات الحكومية، للاستفادة من هامش الربح المرتفع 5 روشتات للإنقاذ. ورصت «الصباح» 5 توصيات طرحها خبراء الاقتصاد لكى تخرج مصر من أزمة ديونها المحلية والخارجية. وتتمثل التوصية الأولى فى تقليل الإنفاق الحكومى، وفتح المجال أمام موظفى الحكومة للعمل فى القطاع الخاص، عبر تقديم حوافز لهم، تكون على سبيل المثال فى صورة إعفاءات من الضرائب لمدة 5 سنوات لكل من يخرج من القطاع العام ويعمل بالقطاع الخاص، خاصة لكل من يعمل فى الصناعة والزراعة والتصدير. ويؤكد الخبراء أن هذه الخطوة وحدها توفر ما يقرب من 150 مليار جنيه من موازنة الحكومة. أما التوصية الثانية فتدعو إلى تقليل فائدة البنك المركزى حتى تصل إلى 1 فى المائة على مدى 4 سنوات، مما سينتج عنها ضخ أموال بالسوق المحلية تصل إلى 1.5 تريليون جنيه، ستؤدى إلى توفير أكثر من 15 مليون فرصة عمل، وهو ما يعنى توجيه ضربة قاصمة لمعدلات البطالة فى الدولة، تكون بمثابة حقنة تنشيط فاعلة للاقتصاد المصرى. وتتمثل التوصية الثالثة فى تقديم إعفاءات ضريبية على نطاق واسع، لتشمل المشروعات الصناعية والزراعية والتصدير، لضم مشاريع جديدة إلى القطاع الاقتصادى الرسمى للدولة، من أجل حل مشكلة توفير الدولار، على أمل أن نصل بسعر الدولار ليعود إلى 5 جنيهات على سبيل المثال. ويشدد الخبراء على أن هذه الخطوة لن تتحقق إلا بتحويل الناس إلى الصناعة والتصدير، وتوقف طباعة العملة المحلية قليلًا، ووقتها سيكون الدولار المعروض فى السوق أكثر من الطلب بكثير، وسينخفض سعره، إذا أرادت الحكومة ذلك. أما التوصية الرابعة فتتضمن منح الأراضى للمواطنين، بغرض استغلالها فى الأنشطة السكنية والزراعية والصناعية، بسعر تكلفة المرافق فقط، بالإضافة إلى دعم الأراضى المخصصة للمشروعات الصناعية على وجه الخصوص، فى ظل تقديرات تتوقع أن يؤدى هذا الإجراء إلى توفير ما يقرب من 10 ملايين فرصة عمل جديدة، سيتحولون إلى دافعى ضرائب لاحقًا. ولعل التوصية الخامسة هى التى تثير الكثير من الجدل فى الشارع المصرى، حيث تقضى بإلغاء الدعم تدريجيًا، لتصل إيرادات الحكومة بعد كل ما سبق إلى ضعف الإيرادات الحالية، وستنخفض المصروفات، لنصل تدريجيًا إلى سداد الديون الحكومية، ورفع مستوى دخل الفرد وتوفير فرص العمل، وتحسين كل مناحى الحياة، خاصة فى مجال الصحة والتعليم.