فرضت تطورات الأوضاع، المتمثلة فى تحولات الصراع فى اليمن، ومفاوضات حوض النيل، على الخارجية المصرية أن تتجه جنوبًا، إلى جيبوتى وأوغندا، فى جولة ناجحة استغرفت 3 أيام، التقى خلالها المسئولون المصريون برئيسى الدولتين وعدد من قياداتهما، وذلك بالتزامن مع زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى «روسيا»، فى إطار سعى مصر لإعادة صياغة علاقتها مع الشرق والجنوب. وبينما توجه الرئيس السيسى، إلى موسكو لمشاركة رؤساء 30 دولة احتفال روسيا بعيد النصر، قصدت طائرة الجهاز الدبلوماسى المصرى، برئاسة الوزير سامح شكرى، عُمق الأمن القومى المصرى، لتكسر حواجز الجمود بيننا وبين جيبوتى ومن بعدها أوغندا. وبعد أن وقعت مصر إعلان المبادئ الخاص ب«سد النهضة» مع إثيوبيا والسودان، كان لا بد من تحركات أوسع مع الدول الأفريقية فى إطار تصحيح المسار وإعادة العلاقات التى تجمدت بفعل سياسات نظام حسنى مبارك طوال 30 عامًا. بدأت الزيارة من جيبوتى، الدولة الواقعة فى منطقة القرن الأفريقى، والمطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، ما يجعلها الأقرب لمسرح العمليات فى اليمن، فكانت قضية أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أحد أبرز الملفات التى طرحت على أجندة الحوار. وجرت مناقشات مطولة بين وزير الخارجية سامح شكرى، ورئيس دولة جيبوتى عمر جيلة، حول تأمين حرية الملاحة الدولية فى منطقة باب المندب والبحر الأحمر، مع قرب افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، باعتبارها شريان التجارة فى العالم. كما تمت مناقشة تطورات الأوضاع فى اليمن مع تدفق النازحين منها إلى جيبوتى، والتعاون مع الأزهر الشريف فى مواجهة الأفكار المتطرفة. ونقل الوزير شكرى رسالة شفهية من الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الرئيس جيلة، تؤكد حرص مصر على مزيد من تطوير العلاقات ودعوته للمشاركة فى قمة التجمعات الاقتصادية الثلاث، التى تعقد فى شرم الشيخ يوم 10 يونيو القادم، لإقامة منطقة تجارة حرة فيما بينها. وقابل الرئيس جيلة الوفد الدبلوماسى المصرى بحفاوة بالغة، وطلب نقل تحياته وتقديره للرئيس السيسى والتمنيات له بالتوفيق. ومن القصر الرئاسى انتقل الوفد إلى السفارة لمقابلة وزيرى الأوقاف والثقافة والتعليم العالى، بالإضافة إلى داليتا محمد داليتا مبعوث الاتحاد الإفريقى إلى ليبيا، وبدا واضحًا أن وزير الأوقاف الجيبوتى يحمل حنينًا كبيرًا للأزهر، ووصفه بأنه منارة وقبلة، مؤكدًا أن مشاعره تهتز عند سماع تلاوة القرآن، من قراء ومشايخ الأزهر. وبعد يوم حافل من المقابلات التى استمرت حتى منتصف الليل، أنهى الوزير يومه الأول، وفى الصباح الباكر التقى شكرى برئيس البرلمان فى جيبوتى محمد على حوميد، الذى أعرب عن ترحيب بلاده بهذه الزيارة بالغة الأهمية وتقديرهم لعودة مصر للاضطلاع بدورها القيادى والتاريخى فى محيطها العربى، فى ظل التحديات الخطيرة التى تواجه الأمة العربية. المحطة الثانية للزيارة كانت دولة أوغندا التى تعرف بأنها «لؤلؤة أفريقيا»، وما إن هبطت الطائرة فى المطار، حتى علم الوفد أن برنامج الزيارة تغيّر، وأن الرئيس الأوغندى قرر أن يلتقى الوفد المصرى فى مزرعته الخاصة كنوع من التكريم. ورغم صعوبة المهمة ومشقة الوصول لتلك المنطقة الوعرة، التى تبعد عن المدينة أكثر من أربع ساعات ونصف ذهابًا ومثلها إيابًا، إلا أن شكرى أصر على إتمام عمله، وتوجه بالوفد إلى «كوتاكا» مزرعة الرئيس، التى تمر فى الطريق إليها بطبيعة خلابة، حيث تضم أوغندا أكثر من 60 محمية طبيعية. ووصل الوفد إلى مزرعة الرئيس الأوغندى يورى موسيفنى، الذى رحب بشدة بدعوة الرئيس السيسى وبسعادته لزيارة مصر، وتناقش مع الوفد الدبلوماسى فى الكثير من القضايا والملفات التى تمس الإرهاب ومكافحته وأمن مصر المائى، والوضع فى ليبيا واليمن، وغيرها من الملفات الشائكة التى تحتاج إلى تكاتف الدول الإفريقية. ونقل شكرى تحيات وتقدير الرئيس عبدالفتاح السيسى لرئيس أوغندا، ورغبة مصر فى تعميق علاقات الأخوة والصداقة بين البلدين والشعبين الشقيقين فى مختلف مجالات التعاون الثنائى.