منذ سنوات ظهرت موضة الخطوط الساخنة، التى خصصتها الهيئات والمؤسسات الحكومية للمواطنين، بزعم تمكين المواطن من الوصول إلى المسئولين فى أى وقت، لكن هل جربت مرة تتصل بأحد هذه الأرقام، هل تركت يدك تعبث ب«زراير الهاتف» وأطلقت لخيالك العنان فى أن أحدهم سيجيبك على الطرف الآخر ويلبى النداء، وربما ينقذك من كارثة أو مأزق وقعت فيه، أو يحل لك مشكلة؟. بالتأكيد لو جربت لاكتشفت أن الطرف الآخر لن يقول لك إلا عبارة «هذا الرقم ليس موجودًا بالخدمة»، أو لن يرد عليك من الأساس، فقد أصبحت تلك الخطوط وسيلة للتعجيز لا التيسير على المواطنين، كما أن معظمها إن رد يتركك على الخط فى طابور طويل حتى يأتى دورك. «الصباح» جربت الاتصال بعدد كبير من الأرقام الساخنة، نحو 12 خطًا ساخنًا، خصصتها هيئات ومؤسسات حكومية مختلفة للتواصل معها، واكتشفنا عددًا من المفاجآت، على رأسها صعوبة الوصول إلى الرقم الصحيح لكل هيئة، بسبب كثرة الأرقام وتعددها وتغييرها من وقت لآخر، وأن بعضها لا يتم الرد عليه، أو ينهى الخط المكالمة دون أن يجيبك أحد، أو تضطر إلى الاتصال من أكثر من مرة حتى تصل لمن يرد عليك. «غير موجود بالخدمة».. هذه العبارة سمعناها كثيرًا، ونحن نجرب الاتصال بالخطوط الساخنة التى جمعناها لهيئات مختلفة، ومن بينها الأرقام المخصصة من قبل المجلس القومى للمرأة، لمساعدة المرأة وتلقى الشكاوى ممن تتعرضن لأى شكل من أنواع العنف سواء داخل الأسرة أو خارجها. وشاركه فى ترديد العبارة أيضًا الخط الساخن للحوادث المرورية، وقد اتصلنا بعد إعداد نص رسالة مفادها وجود حادثة على الطريق الدائرى، كالتى نسمع عنها كل ساعة، وربما كل دقيقة، لنرى ما هو التصرف الذى يتم فى هذه الحالات، إلا أن محاولتنا باءت بالفشل ف«الرقم غير موجود بالخدمة». الأمر أيضا تكرر عندما اتصلنا بالخط الساخن للإبلاغ عن زواج الأطفال، وأردنا الإبلاغ عن حادثة وقعت بالفعل، لطفلة لم يتجاوز عمرها العاشرة، يعمل والدها حارس لأحد العقارات بمنطقة العجوزة، وأجبرها على الزواج من أحد البوابين أصدقائه. لكن عند الاتصال اكتشفنا أن الرقم خارج نطاق الخدمة، وليس هناك من ينقذ الطفلة. «عفوا الرقم خاطئ».. عند سماع هذه العبارة، ريما تظن أنك طلبت الرقم بطريقة خاطئة، لكن مع الخطوط الساخنة الأرقام خاطئة دون سبب ودون توضيح ما البديل، وهو ما اكتشفنا عند الاتصال بالرقم الساخن لمبادرة «شفت تحرش»، وهى المنوط بها استقبال استغاثات الفتيات اللاتى تتعرضن لمحاولة الاعتداء الجنسى سواء باللفظ أو بالفعل، ليتحرك نشطاء الحركة لحماية الضحية، ومساعدتها نفسيًا وقانونيًا. جرس ولا أحد يجيب.. البعض اختار ألا يرد من الأساس، فلما يجيبوا ويتكبدوا عناء التحدث مع من يحتاج إليهم، مثل «الخط الساخن للمياه والصرف الصحى»، الذى اتصلنا به ورد أحدهم وقال لنا نحن لا نغطى هذه المنطقة، وإليكم برق آخر يغطى منطقتك، فى البداية ظننا أنه يساعدنا فى إطار تنظيم الخدمة، واتصلنا بالرقم ولا أحد يجيب، ثم عدنا إلى الموظف مرة أخرى فلم يرد هو أيضا. فى الأقاليم والقرى يصعب على الكثيرين معرفة تلك الخطوط الساخنة للوزارات والمؤسسات والهيئات المختلفة، التى تخصص كل منها أكثر من رقم، بل وتغير أرقامها من وقت لآخر، فمثلًا عند البحث عن الخط الساخن الخاص بمشاكل النظافة، وتلقى شكاوى تجميع القمامة، كان الرقم المخصص من فترة هو (114)، وهو ذاته الرقم المخصص لتلقى شكاوى مشاكل الصرف الصحى والكهرباء، ثم تم تخصيص خط منفصل لمشاكل النظافة هو (152)، لكن هذا الرقم متعطل ولا يعمل، رغم أن الهيئة كانت قد نشرته فى الصحف، لمساعدة المواطنين. وعلى الرغم من أن معظم الأرقام كانت بها مشاكل، ولم يجيبنا أحد، إلا أننا لا نستطيع إنكار أن بعض هذه الخطوط الساخنة، كان يعمل، وقدم لنا من أجابونا المساعدة، فمثلا «صندوق مكافحة الإدمان»، دلنا الموظف على أقرب مستشفى، لأننا طلبنا منه أن يدلنا على طريقة نعالج به إحدى الحالات لدينا. بالإضافة إلى الخط الساخن الخاص بذوى الإعاقة من الأطفال، وخط نجدة الطفل، وكذلك الخط الساخن لذوى الاعاقة، الذى أخذ مجيبه بيانات حالة مريضة ولديها إلإعاقة بالفعل، ورفض أن يغلق الخط إلا بعد استكمال بيانات الطفل المعاق بالكامل، واستوضح المنطقة الجغرافية التى يسكن فيها، واتصل بعدها لتقديم أسماء وعناوين المراكز التأهيلية التى يمكن أن تخدم الحالة. ويشكو المواطنون من مشاكل الخطوط، فتقول مريم محمد، وهى أم لخمسة أطفال، من محافظة الإسكندرية، أنها لا تعرف تلك الأرقام من الأساس، وعندما حدثت مشكلة فى إحدى المرات بسبب مياه الأمطار، حاولت الاتصال بأكثر من رقم تم الإعلان عنها أنها مخصصة لتلقى الشكاوى من الأمطار لكن أحدًا لم يرد. وأكدت أنه عندما تواجهها أى مشكلة تلجأ إلى المؤسسة أو الوزارة نفسها، من أجل حلها، وهو الأمر الذى ربما يعطل حل المشكلة. أما إسلام فودة، 24 عامًا من محافظة القاهرة، فيقول إن المشاكل لا تحتاج إلى خطوط ساخنة من الأساس، لكن تحتاج نظامًا داخل تلك الهيئات، ولو كانت الحكومة ومؤسساتها تؤدى أدوارها جيدًا ما حدثت مشكلات وما احتاج المواطنون إلى الشكوى. ويؤكد لاشين سامى، أنه سبق واتصل بالرقم الساخن الخاص بمشاكل الكهرباء، ولم يجبه أحد، ما اضطره إلى الذهاب إلى مقر الوزارة، بينما يقول شريف أحمد إنه حاول الاتصال بالخط الساخن الخاص بمشاكل المياه ولم يجبه أحد، واضطر فى النهاية إلى دفع 500 جنيه، لأحد الموظفين لحل مشكلته.