كانت أشعة الشمس تتسرب إلى منزلهم على استحياء، وكأنها تدرك أن الضوء الذى يرسل سيكون سببًا فى ميلاد يوم كارثى لهذه الأسرة، وكانت مشاعر الغضب التى تجتاح الزوج أقوى من حالة البرودة المتسربة من حوائط المنزل الرطبة، طلب من الزوجة تجهيز وجبة الإفطار، وقبل أن تنهى جملتها الرافضة لإطعام زوج تفنن فى تعذيبها.. كانت يديه تنزع «الإيشارب» الذى تختبئ داخله خصلات شعرها، ليلفه حول رقبتها.. وما هى إلا لحظات حتى سقطت جثة هامدة. قبل ثلاث سنوات قرر «سيد» أن يتوج قصة حبه بالزواج، وسرعان ما اجتمع مع حبيبته فى «الكوشة» وسط زغاريد وجمل تهانى تنهال عليهم من جميع سكان قريتهما بعرب الصف فى الجيزة، لكن مشاعر الحب.. لم تصمد أمام مشاكل الزواج ، وبدأت فصول الخلاف، الزوج يدعى أن شخصية الحبيبة تبدلت بمجرد تربعها على عرش عش الزوجية، لم تعد تهتم بطلباته.. أو رغباته، وأهمها من وجهة نظره.. العلاقة الجنسية. كان العام الأول ثقيلًا على كلا الزوجين، لكن سرعان ما خفف الطفل الأول من وطأة الخلافات، وتحسن العلاقة بفعل الاهتمام بالوافد الجديد فى حياتهما، وتوقع الزوج أن تكون مشاعر الأمومة بداية لتهذيب سلوكيات الزوجة.. وإحساسها بالمسئولية، تجاهها.. وتجاه طفلهما، لكن النوايا الطيبة التى أظهرها الزوجان عقب ميلاد الطفل.. لم تصمد لأكثر من عام. عاد الزوج للشكوى من إهمال زوجته، وإصرارها على تعكير صفو حياتهما، وفى المقابل كانت الزوجة تشكو من سوء معاملة الزوج، وعدم حرصه على بيته وطفله، واتسعت دائرة الخلاف.. والمشادات، ووقعت بينهما مشاجرة تفوق المعتاد، قام على أثرها الزوج بالتعدى بالضرب على زوجته، فتركت المنزل وهربت إلى منزل والدها، واحتمت بجدرانه لأكثر من شهر، إلى أن تدخل كبار الأسرتين للصلح بين الزوجين، ووفقًا للعادات الريفية.. كانت الزوجة مجبرة على العودة إلى عش الزوجية، وحاولت تجاوز المشكلة، واستبشرت خيرًا حين جلس معها الزوج وأبلغها أنه يرغب فى أن يعيشوا حياة كريمة.. وهادئة بدون مشاكل، ووعدها بأن يحاول التخلص من عادته التى تضايقها.. وأن يكون رحيمًا بها، فأبلغته أنها عادت لتربى ابنها.. فقط، ولا ترغب فى الحياة معه، وكان رد فعله بأن طلبها لفراش الزوجية، ورفضت، فصفعها على وجهها، وترك المنزل وذهب ليقيم فى منزل أحد أصدقائه، ثم عاد بعد أسبوع. ظنت الزوجة أنه عاد ليطلب منها الصفح مرة أخرى، لكنه ظل صامتًا، توقعت أن يكون غيابه بدافع مراجعة نفسه.. والتفكير فيما وصلت له علاقتهما، توقعت أن يذكرها بقصة حبهما، بلقائهما الأول، كانت تتمنى لو أنه عاد ليكرر على مسامعها عبارات الغزل التى كانت تذيبها عشقًا قبل زواجهما، لكنه كان متجهمًا وعابثًا.. كما هو حاله فى العامين الأخيرين. تدخل الطفل الصغير ليقطع الصمت الذى يغلف المنزل، أطلق صرخات متقطعة.. لعل أبويه ينتبهان لهذا الكائن الذى يفترض أنه أكثر الأشياء التى تربطهما، لكن المشهد ظل على حاله، والفارق الوحيد أن الأم حاولت أن تقنع الطفل بالتزام الصمت، وجاءت أول جملة ينطقها الأب، طلب من الزوجة، تحضير الإفطار، لكنها رفضت، وقبل أن تنهى جملتها، قفز الزوج ناحيتها، وأمسك «الإيشارب» الذى تختبئ فيه خصلات شعرها، تركته يفعل ما ظنت أنه محاولة جديدة لإقناعها بمشاركته فراش الزوجية، لكنه كان يرغب فى شىء آخر.. لف الزوج «الإيشارب» حول رقبة الزوجة، ولم يتركها إلا جثة هامدة. وقال الزوج فى اعترافاته أمام النيابة، إنه كان يعشق زوجته، لكن الحياة معها أصبحت شبه مستحيلة، ادعى أنه حاول كثيرًا الإصلاح من شأنها، وكانت ترفض الاستجابة لرغباته، أكد أنه لم يكن ينوى قتلها، وحين رفضت تحضير الإفطار له، زين له الشيطان التخلص منها، لكنه شعر بفداحة ما ارتكبه حين أدرك أن طفله فقد الأم.. وسيفقد والده بدخوله السجن. تلقى العميد محمود شوقى مأمور مركز شرطة الصف بلاغًا من الأهالى بمقتل ربة منزل، تدعى «زينب . و» 30 عامًا، وانتقل المقدم محمد رفعت رئيس المباحث بإشراف العميد عاطف الإسلامبولى مفتش المباحث للمعاينة، وتبين أن الجثة لسيدة لقيت مصرعها خنقًا.. وكشفت تحقيقات اللواء محمود فاروق مدير المباحث واللواء محمد أبو الفتوح رئيس قطاع جنوبالجيزة، أن مشادات كلامية اندلعت بين المجنى عليها وزوجها الذى يبلغ من العمر 35 عامًا، أدت إلى قيامه بخنقها.. وفر هاربًا، وتم ضبطه وإحالته إلى اللواء كمال الدالى مدير أمن الجيزة، وتسلمته النيابة العامة التى باشرت التحقيقات فى الواقعة.