*مصادر صيدلانية: أكثر من 60 نوعًا من الدواء يتم تهريبها.. إما لعدم توافرها أو لنقص المتوافر منها يعانى المصريون من أجل الحصول على علبة دواء «فعالة» تقضى على الأمراض التى تمكنت منهم، خاصة أن سوق الدواء المصرى يعانى- بدوره- العديد من أشكال الفساد على رأسها «مافيا الأدوية المهربة» والتى أصبحت تباع بشكل علنى فى كبرى الصيدليات وبأسعار مرتفعة جدًا، بعد أن غابت رقابة أجهزة وزارة الصحة وتحكم فى السوق رجال الأعمال وشركات الأدوية العالمية التى وجدت فى مصر أرضًا خصبة لتحقيق المكاسب الطائلة، حتى إن بعض الشركات ترفض تسجيل أدوية بعينها حتى لا يتم تسعيرها، علمًا بأن أغلب هذه الأدوية المهربة يعالج أمراضًا خطيرة ليس لها أدوية موازية مسجلة فى الوزارة! وحسب مصادر صيدلانية، فإن هناك أكثر من 60 نوعًا من الدواء يتم تهريبها إلى البلاد، إما لعدم توفرها فى مصر أو لنقص المتوفر منها فى الصيدليات، وأغلب هذه الأدوية مخصصة لعلاج الأورام السرطانية والضعف الجنسى والتهاب الكبد وبعض الأمراض النادرة مثل التصلب العصبى. وتعد سلسلة صيدليات (ع. ى) من أشهر السلاسل التى توفر الأدوية المهربة، وكذلك (ع. ه) و(ب.ر)، خاصة أن هذه السلاسل تفتقر للرقابة نظرًا لاقتراب أصحابها من صناع القرار بوزارة الصحة. وقال محمود فؤاد، رئيس «المركز المصرى للحق فى الدواء»: إن «الأدوية المهربة انتشرت بعد قرار الدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة الأسبق، والذى أعطى من خلاله الشركات مهلة سنة لتسجيل الأدوية وإلا طبقت عليها غرامة تقدر قدرها 50 ألف جنيه، حيث امتنعت الشركات عن التسجيل حتى لا يتم تسعير الأدوية ولضمان عدم خضوعها لتكاليف التسجيل التى تصل إلى 200 ألف جنيه». وأضاف «فؤاد» ل«الصباح» أن «هناك أكثر من 100 نوع دواء ما بين أدوية سكر وأورام وفيتامينات ومنشطات يتم تهريبها إلى مصر، مع العلم أن أدوية أخرى يجرى إنتاجها فى مصانع (بير السلم) والتى انتشرت فى كل مكان خاصة فى منطقة الدلتا، ويتم توزيعها على السلاسل على أنها عقاقير مستوردة من الخارج»، مؤكدًا أن «السلاسل محصنة بسبب علاقات أصحابها بصناع القرار فى وزارة الصحة، وأذكر أن أحد رؤساء الهيئة المركزية لشئون الصيادلة ويدعى (ك. ص) كان شريكا فى مجموعة من سلاسل الصيدليات الكبرى، ويعلم المفتشون هذا الأمر، لذلك فمنذ 10 سنوات لم يتم ضبط حالة تهريب واحد فى هذه السلاسل»! وأشار «فؤاد» إلى أن «التقارير الدولية تقدر حجم بيزنس الأدوية المهربة فى مصر الآن ب 800 مليون جنيه، حيث إن العبوة تباع ب20 ضعف سعرها الحقيقى، وهذه المبالغ لا تخضع للضرائب أو الرقابة، لذلك فنحن نطالب بإنشاء هيئة دوائية تتولى أمر الدواء فى مصر من تسعير ورقابة وتفتيش ورصد لتبعاته لأن هذا السوق يعانى فوضى غير مسبوقة». ووفقًا لما قاله محمود فتوح، رئيس اللجنة النقابية للصيادلة الحكوميين، فإن «الأدوية المهربة أصبحت أمرًا عاديًا بعد أن تخاذلت وزارة الصحة فى توفير أنواع معينة من الدواء تعالج نحو 30 مرضًا أشهرها أنواع من السرطان، ومؤخرًا دخل عقار (السوفالدى) لعلاج الكبد دائرة التهريب، حيث لم يعد أمام المرضى سوى اللجوء للأدوية المهربة، ومن هنا انتعش سوق التهريب، على الرغم من أن ارتفاع أسعار الدواء المهرب حصر وجوده فى كبرى الصيدليات والسلاسل بالمعادى ومصر الجديدة ووسط البلد، ولم يعد الأمر سرًا، خاصة أن عقوبة التهريب هى توقيع غرامة قدرها 10 آلاف جنيه فقط». من جهته، كشف الدكتور ياسر خاطر، رئيس «التجمع الصيدلى» ل«الصباح» عن أن هناك سلاسل يمتلكها رجال أعمال كبار فى الدولة، تضم السلسلة الواحدة أكثر 30 صيدلية أو أكثر، فهناك سلسلة تصل فروعها إلى 40 صيدلية، ولديها رأس مال قوى، وهناك موظفون فى هذه الصيدليات يتولون مسئولية هذه السفريات إلى الخارج لجلب الأدوية، كما أن هناك طرقًا أخرى منها الاستعانة بالمضيفين الجويين فى شركات الطيران، وعن طريق الحدود مثل الموانئ ومنذ فترة تم ضبط شحنات فى موانئ بورسعيد والإسماعيلية». وأوضح «خاطر» أن «هناك أنواعًا أخرى من العقاقير ذات القيمة السعرية العالية مثل الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية ومنها الترامادول، بالإضافة إلى علاجات الكبد والسرطان، وهذه الأدوية هى الأكثر انتشارًا فى أسواق التهريب، وهى تدخل إلى البلاد من بعض الدول مثل ليبيا التى ليس لديها منظومة صحية خاصة بالأدوية، ومعظم العقاقير هناك مستوردة». فيما قال الدكتور صالح منصور عضو نقابة الصيادلة ل«الصباح» إن «معظم هذه الأدوية تأتى مهربة من دول جنوب شرق آسيا، ومنها الصين والهند على الخصوص، لأنها تكون رخيصة فى هذه البلاد عن الدول الأوروبية، أما ليبيا فهى تعتمد على الأدوية المهربة فقط، وهناك أدوية تفقد فعاليتها خاصة عند تعرضها لدرجات الحرارة العالية نتيجة التهريب، فتتعرض بالتالى للتلف رغم احتفاظها بالغلاف الخارجى، وهى تؤثر على صناعة الدواء الوطنية فى مصر، وتفتح بابا للسوق السوداء، كما أن الصيدليات التى تبيعها لا تدفع ضرائب أو أى رسوم استيراد أخرى». ولفت «منصور» إلى أنه « من الناحية القانونية، فإن تلك الأدوية المهربة تؤدى إلى حدوث نوع من البلبلة فى سوق الدواء المحلى، حيث إن معظمها يدخل عن طريق (بالات) الملابس وبالتالى تتعرض لظروف قاسية تؤدى إلى تردى مفعولها، ونحن نطالب وزارة الصحة بالتركيز على سلاسل الصيدليات الشهيرة فى القاهرة و6 أكتوبر والإسكندرية إذا أرادت محاربة هذه الظاهرة الضارة بالصحة العامة». وفى المقابل، قال الدكتور طارق سلمان- رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة- ل«الصباح»: إن «هناك مشروعًا للميكنة فى إدارة الصيدلة، لضمان سرعة إجراءات تسجيل الدواء والترخيص والتسعير، ومشروع آخر هو سلسلة الإمداد الدوائى يهدف إلى حل مشكلة الأدوية فى المستشفيات ووحدات وزارة الصحة التى وجهت جميع الإدارات لأن تعمل معًا بروح الفريق للتسهيل على الشركات والمصانع والمنتجين لتوفير الدواء فى السوق المحلى». ونوه «سلمان» إلى أن «إدارة التفتيش الصيدلى بالوزارة تشن حملات تفتيش مفاجئة على كل الصيدليات فى جميع المحافظات، وفى حال ضبط أى من هذه الأدوية المهربة يتم تحرير محضر بالواقعة فورًا».
وأكدت مصادر خاصة فى وزارة الصحة ل«الصباح» أن مفتشى وزارة الصحة للرقابة على الصيدليات هم المستفيدون فى المقام الأول من عدم الرقابة على الصيدليات، خاصة أن بعضهم يحصل على مبالغ مالية ضخمة مقابل التساهل وعدم التفتيش على الصيدليات، علما بأن المفتش يحمل صفة الضبطية القضائية، وهو يستطيع أن يغلق أى صيدلية، ويحول مالكها للتحقيق فى أى مركز شرطة إذا لزم الأمر».