-المحامى العام لنيابات المنيا: سنطعن على الحكم ولا توجد مخالفات بالمحاكمة والقاضى لم يسب المحامين -طبيب حاول إنقاذ مأمور القسم ضمن المحكوم عليهم بالإعدام وزغلول طفل لا تجوز محاكمته وجوه شاحبة.. نظرات محدقة.. وحالة ذهول تهيمن على عقول أهالى المدينة السوداء- كما أطلق عليها أهلها.. شوارع تسكنها الأشباح.. وصمت جارف تلحقه همسات حديث سريعة كى لا يسمعها أحد، هذا هو حال مدينة «مطاى» بمحافظة المنيا بعدما تم إصدار قرار من محكمة جنايات المنيا بإحالة أوراق 528 متهمًا من أبنائها إلى فضيلة المفتى لتورطهم فى اقتحام مركز شرطة «مطاى» وقتل نائب المأمور والتمثيل بجثته وإرهاب المواطنين.
«الصباح» زارت «مطاى» وقضت بها يومًا كاملًا، فى محاولة لفهم حقيقة تلك القضية التى تعد سابقة فى تاريخ القضاء المصرى والعالمى بالحكم بالإعدام على هذا العدد الكبير فى قضية واحدة، وكذا لرصد حالة أسر وأهالى المتهمين، خاصة بعد أن نمى لعلمنا أن 147 متهمًا هم الموجودون فقط بالحبس فى الوقت الحالى، بينما هناك 381 متهمًا هاربًا، بجانب مناقشة محامىّ المتهمين ومعرفة موقفهم وخطواتهم فى الفترة المقبلة.
ومنذ أن وطأت أقدامنا مدينة مطاى لاحظنا صورًا وملصقات كبرى لتأييد المشير عبدالفتاح السيسى فى الترشح للرئاسة، وأيضًا لافتات «نعم للدستور» برغم تأكيد العديد ممن التقيناهم من المنتمين للمدينة أنها تحوى نسبة كبرى من المنتمين لجماعة الإخوان حيث إن نتيجة الانتخابات الرئاسية السابقة فى 2012 فى هذه المدينة كانت لصالح الرئيس المعزول محمد مرسى بنسبة 80%، وأن معظمهم يتقلد وظائف تعليمية ودينية.
البداية كانت بلقائنا مع أحمد شبيبة المحامى عن 30 متهمًا من المحكومين بالإعدام فى تلك القضية، والذى يروى لنا التفاصيل غير المعلنة عما دار خلال جلستى المحاكمة، مفيدًا بأن أحد المحامين قام خلال الجلسة الأولى قرأ مادة من الدستور المصرى، وعندما سمع القاضى كلمة «دستور» ثار قائلًا «مالناش دعوه بالدستور»، الأمر الذى جعل ما يقرب من 80 محاميًا وقفوا مطالبين برد المحكمة، فرد عليهم القاضى قائلًا «إنتم هترهبونى»، وطلب من الأمن إحاطة المنصة بالسلاح، مستطردًا «والله لأحكم عليهم يوم الاثنين وهحجز الدعوى»، وفى الجلسة الثانية فوجئنا بقراره بمنع المحامين من دخول القاعة وإصدار حكمه بتحويل أوراق جميع المتهمين للمفتى وحجز الدعوى، كما أننا لم نترافع من الأساس فى القضية، بل إن القاضى قام بإثبات حضور 4 فقط من المحبوسين على الرغم من أن المتواجدين بالقفص كانوا 74 متهمًا.
وأضاف شبيبة بأن أخاه يعمل «طبيب بشرى»، واسمه ضمن المتهمين فى القضية وصدر ضده حكم بالإعدام أيضًا، ويدعى حسام، ولكنه يستعجب كيف وضعوا اسم أخيه فى القضية على الرغم من أنه هو من كان يحاول إسعاف وإنقاذ نائب مأمور المركز من الموت خلال تواجده بالمستشفى أثناء إصابته فى الأحداث، وبسؤاله عن محاولتنا لمقابلة أحد المحكومين بالإعدام وهاربين من القضية رد قائلًا «اخرجوا إلى الشارع وقولوا مين اللى محكوم عليه بالإعدام ستجدون المئات يردون عليكم» مشيرًا إلا أن معظم شباب المنطقة متهمون رغم أنهم ليس لهم علاقة بالقضية.
فى السياق ذاته التقينا هناء جلال زوجة الشيخ أحمد قرنى إمام مسجد ومدرس بالأوقاف المتهم بالقضية والمحكوم عليه بالإعدام غيابيًا، مؤكدة بأن زوجها لم يكن له انتماء سياسى لأنه كان خطيبًا لأكبر مسجد بالمدينة، وهو «المجمع الإسلامى» وسيكون عليه حظر فى ذلك وليس له علاقة بالإخوان، كما أنه غير ملتحٍ ويرتدى الزى الأزهرى والعمامة، موضحة بأنه خرج ليشترى خبزًا لابنته الصغيرة صبيحة أول يوم فى العام الدراسى، والذى كان بعد حادث حريق المركز ب 4 أيام، فتم القبض عليه، ووجهت له تهم بحرق القسم وقتل نائب المأمور على الرغم من أنه لم يكن متواجدًا يوم الحادث حيث كان مصابًا بجرح فى قدمه، ولم يستطع الخروج وهو ما أكده جيراننا من الشهود فى النيابة، وتم حبسه 3 شهور داخل القسم ثم تم إخلاء سبيله بكفالة مالية، ولكنه توقع أن يتم الحكم عليه دون ذنب فحمل أمتعته وجواز سفره وخرج من المنزل قبل الحكم ب3 أيام، واصفة الحكم بأنه «شبه موتى» وقوبل بالصريخ والعويل من الجيران والأقارب، كما أنهم كانوا يعزوننى فيما حدث.
راجح صلاح شاب عشرينى يعمل بمحل حلويات بمطاى، يروى كيف تورط أخوه الأكبر «سمير صلاح» مدرس، بتلك القضية، قائلا إن أخاه ذهب يوم الحادث للبحث عن نجله ذى ال18 عامًا خوفًا عليه من الإصابة، لأنه كان أحد المشاهدين لما يحدث، لكنه تم القبض عليه وتم حبسه لمدة 3 شهور، وأخلى سبيله بكفالة، وفوجئ بالحكم الصادم، ومن حينها «والبلد كلها فى حالة غضب وذهول»، تدخل معنا فى الحديث محمد ابن عم المتهم رجب محمود عبدالله الذى يعمل «غفير نظامى» بمركز مطاى قائلًا كيف سيخرب المركز وهو يعمل به فى الأساس، وعلى أى أساس تم الحكم بالإعدام!، مضيفًا بأن الفاعلين الأساسيين للحادث تجار مخدرات وسلاح ومعروفون بالاسم للجميع، لكن تم تركهم ولم تكتب أسماؤهم فى القضية لأسباب لا يعلمها أحد.
من منزل متهم إلى منزل متهم آخر، قادنا القدر أن نصل له، هو منزل المتهم رضى محمد محمد 38 سنة، قالت زوجته التى بدا عليها الإرهاق الشديد بسبب الولادة القيصرية: يوم 29 ديسمبر 2013 وجدنا قوات الشرطة تدق باب المنزل فخرج لهم زوجى ليسألهم عما يريدونه، فأكدوا له أنه مطلوب فى قضية سرقة تيار كهربائى، وسيتم استجوابه وإعادته مرة أخرى، لكنه من حينها وهو بحوزتهم ولم يخرج، مؤكدة بأن يوم النطق بالحكم فى القضية بالإعدام بدا عليها إعياء شديد وقامت بإجراء عملية ولادة ووضعت مولودًا سموه «حمزة»، مضيفة «حمزة اتولد يوم لما اتحكم على أبيه بالإعدام»، موضحة بأن تهمته فى القضية هى التجمهر فقط فكيف يكون عقاب التجمهر هو الإعدام !
أصررنا على الدخول إلى مبنى محكمة مطاى الجزئية للتعرف على رأى القضاة والمحامين فى القضية، وبدخولنا لغرفة المحامين جلسنا بصحبة محامين يحملون بعض أوراق القضية هم محمد شعبان المحامى عن 50 متهمًا منهم 20 داخل السجن ومنهم 30 هاربين، وهيثم نجاد المحامى أيضًا عن بعض المتهمين بنفس القضية ومحامين آخرين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، - موضحين فى البداية أنهم اطلعوا على تحقيقات النيابة، والذى أوضح فيها الضابط كريم، أحد المصابين فى حادث المركز، أن الخيانة تمت من داخل المركز ومتورط بها عناصر أمنية فتحوا الباب الخلفى للمركز على مصراعيه للبلطجية، على حد قولهم.
وبخصوص الأخطاء الفادحة الموجودة بملف القضية وقرارات النيابة، أولها وجود أسماء مكررة بالقضية فالمتهمان على عبدالرحمن محمد عبدالرحمن، وحسين محمد عبدالغنى الصادر حكم بالإعدام ضدهما واللذان كانا رقمهما بالقضية 159، و160 على التوالى، تكرر اسمهما الشهرة مرة أخرى «على عبدالرحمن حسن الشريف، وحسين حسنى جمعة عبدالباقى» وجاءا من جديد برقمين آخرين فى القضية ذاتها 281، و282 وهو الأمر الذى يعد عوارًا فى القضية، الثغرة الثانية بملف القضية كانت من نصيب المتهم رقم 115 وهو طفل «حدث» لايزيد سنه على 16 سنة ويدعى محمود أحمد زغلول، وتم أيضًا الحكم عليه بالإعدام، على الرغم من أن القانون لا يجيز محاكمة الحدث «الطفل» بمحاكم الجنايات.
الحالة الثالثة للمتهم عيسى محمد عيسى والمدون برقم 423 فى القضية ذاتها تم استجوابه فى التحريات، وتم إخلاء سبيله بصحبة 26 فردًا حيث لا يوجد له قصد جنائى، ولم يشارك فى التخريب، وفوجئ بعد إخلاء سبيله أن اسمه موجود مرة أخرى بالقضية ومحكوم عليه بالإعدام، أما الحالة الرابعة فكانت كارثة كبرى حيث ضمت القضية أسماء لثلاثة أشخاص متوفين وهم عبدالرحمن إسماعيل، وبدوى فراج محمد، وسلطان حيدر.. فكيف تم الحكم على الموتى؟!، وعن الحالة الخامسة فكانت ل«رضا شاذلى» موظف بالأرصاد الجوية وكان متواجدًا يوم حريق القسم بمقر عمله منذ الثالثه مساءً وحتى التاسعة صباحًا، وذلك مثبت بدفاتر العمل، كما أن مقر عمله يبتعد عن مطاى ب 40 كيلو مترًا، ولكنه فوجئ باسمه ضمن المحكوم عليهم بالإعدام.
والثغرة السادسة كانت ضبط وإحضار للمدعو ناجح رمضان عبده، لكن قوات الضبط أخذت أخاه رجب رمضان عبده - يعمل محاميًا- بدلًا منه رغم اختلاف الأسماء والمهن، وتم الحكم عليه أيضًا بالإعدام، كذلك ضمت القضية أسماء 4 محامين آخرين حكم عليهم بالإعدام رغم عدم صدور قرار ضبط لهم، وهم أحمد عميد طلب، خلف محمد الأنصارى، خالد محمد أحمد، معتمد عبدالحليم، أما عن الثغرة السابعة، والتى تعد بمثابة الطامة البرى كانت للمتهم عصام محمد 30 سنة، وهو مصاب بشلل نصفى ولا يستطيع الحركة بسبب عجزه منذ الصغر وتهمته إلقاء مولوتوف واقتحام المركز، وتم الحكم بالإعدام عليه أيضًا دون الرجوع لعجزه.
آراء وروايات مختلفة، تعرفنا عليها بعدما انتقلنا إلى غرفة أخرى داخل محكمة مطاى الجزئية، والذى رواها المحاميان طارق العطار ومحمد صقر، حيث أكدا أن الإخوان المسلمين هم المتورطون الأساسيون فى القضية، موضحين بأن يوم حادث حريق المركز واقتحامه الذى تزامن مع فض اعتصامى رابعة والنهضة، تجمع قيادات الإخوان فى المساجد واستخدموا مكبرات الصوت منادين «حى على الجهاد» فى الصباح الباكر من يوم الحادث، واتصلوا ببعضهم البعض وتجمهروا بعدما احتشدوا أمام القسم ودخل معهم البلطجية وظلوا يهتفون ضد الشرطة والجيش، ولحظات وتم اقتحام المركز ووجدنا الملازم كريم هنداوى الضابط بالمركز يستغيث بأحد زملائنا المحامين، فحاولنا إنقاذه من يد الإخوان الذين كانوا يعذبونه ووضعناه داخل أحد المنازل لحمايته من القتل، لكننا فوجئنا بتجمهر الإخوان والبلطجية وبعض المشاهدين يهددون صاحب المنزل بإخراجه وإلا حريق المنزل، فقمنا بإخراجه ووضعه فى سيارة ملاكى لنقله للمستشفى، لكن الكارثة أن السيارة كانت تابعة لقيادى جهادى يدعى هوارى عثمان، ورفض إنزاله من السيارة هو ومن معه، فتواصلنا مع مباحث المنيا، وأرسل قوات إضافية للدعم وتفريق المتجمهرين، واستطعنا إنقاذ كريم فى إحدى السيارات نصف نقل.
ويؤكد المحاميان، أن الإخوان كانوا يسيطرون على سطح مدرسة مجاورة للمركز وكانوا يحملون الأسلحة الآلية ويطلقون النيران لقتل المتظاهرين وتوريط الشرطة بها، كذلك كان هناك بعضهم يقف على شريط السكة الحديد ويطلق النيران ضد الشرطة، وتسببوا فى قتل 9 أفراد خلال الحادث.
الطعن على الحكم على صعيد آخر استطاعت «الصباح» التواصل مع المستشار عبدالرحيم عبدالملك، المحامى العام لنيابات شمال المنيا، والذى أكد فى تصريحات خاصة أن النيابة ستتقدم بالطعن على الحكم إذا تأكد، وأنه لا توجد أية مخالفات بالمحاكمة، ولم تخطرنا النيابة العامة بأن القاضى رفع صوته أو ثار داخل الجلسة ضد المحامين، وتعقيبًا على وجود حدث داخل القضية «أعمارهم لا تزيد على 18 سنة» والذى لا يجوز محاكمتهم جنائيًا، أكد أن الحدث يطبق عليه نفس العقوبة عندما يشترك مع شخص بالغ فى أى جريمة.
من داخل مركز شرطة مطاى الذى تم تجهيزه وتطويره بعد أحداث قتحامه وهدمه، كان هناك «محررا الصباح» اللذان لاحظا وجود مدرعات عسكرية ودبابات وحواجز من كل اتجاه لإغلاق الشوارع، كما أن شارع القسم تم تسميته على اسم العقيد الشهيد «مصطفى العطار» نائب المأمور السابق تقديرًا لخدمته فى المنطقة، ووضعوا صورته أيضًا أعلى المركز ليراها جميع المارة، التقينا نائب المأمور الحالى، والذى أوضح أن حكم الإعدام على 529 متهما صحيح 100% وعادل من وجهة نظره، وأنهم يقومون الآن بملاحقة الهاربين فى تلك القضية، كما أنهم على أتم استعداد لتأمين القسم فى حال تنفيذ تلك الأحكام إذا ما حاول أهالى المتهمين اقتحام المركز من جديد، منوهًا بأن الحادث الأول لن يتكرر مرة أخرى، وأن الإخوان لن يجرأوا من الجديد الاقتراب ناحية المركز.