«الحلو» عائلة تعيش ب«قلب أسد».. هذا هو أبسط ما يمكن أن نصف به هذه العائلة التى بدأت علاقتها بعالم السيرك، وترويض الحيوانات المفترسة وخصوصاً «الأسود» منذ ما يقرب من 200 سنة، فاستطاعت عائلة الحلو أن تتعامل بحب مع «ملك الغابة» القوى، فحولته إلى إنسان كامل السمات البشرية، يحب ويفرح ويحزن ويخاف ويثور، كل هذا برمشة من المدرب يستجيب لها الأسد بكل سلاسة وتلقائية وكأنه طفل مطيع. وعلى الرغم من علاقة الصداقة والتفاهم الكبير بين مدربى الأسود من عائلة الحلو وهذا الحيوان المفترس، إلا أن النجاح الذى حققته هذه العائلة والشهرة الواسعة فى مجال السيرك، لم تكن ب«المجان»، فبعض أبناء العائلة دفع حياته ثمناً أمام أنياب الأسد. تربت عائلة الحلو على عشق الحيوانات المفترسة وتوارثتها جيلاً بعد جيل، حياتهم مغامرة يومية، إذ تميزوا بقدرتهم على تحويل كائن خلق ليفترس، إلى حيوان ينفذ أوامرهم دون تفكير، لكنهم دفعوا ضريبة ذلك غالياً، فلم يخل تاريخ «عائلة الحلو» من الحوادث التى أودت بحياة بعضهم، فيما تمت السيطرة على الأخرى، حتى أن شهرة الحلو كانت سبباً فى نحت عدد من الأمثال الشعبية مثل «أصل حلو أكل القطة»، كما تمت الاستعانة بهم فى كثير من الأفلام، فعائلة الحلو أشهر العائلات التى تعمل مع الأسود، وتعيش معها منذ أكثر من 200 عام، عندما بدأ الجد الأكبر الحلو بشراء نمر صغير عمره شهر، وقام بتربيته وصار صديقاً له وبعدها ورث أبناء العائلة حب الأسود وباتوا المسئولين عن تدريبهم فى مصر حتى تم تأسيس السيرك القومى الذين يتولون إدارته بوصفهم متخصصين. «الصباح» قررت أن تدخل «عرين الأسد» وتقترب من عالم الحيوانات المفترسة بعد ترويضها على يد عائلة الحلو، وكانت هذه العبارة هى أول ما قاله مدرب السباع عصام الحلو: مافيش حادثة تخلينا نتراجع عن حياتنا اللى بتتلخص فى كلمتين «ترويض الأسود». عصام الحلو، هو خال المدرب مدحت كوتة، الذى هاجمته الأسود مؤخرًا أثناء تقديم فقرته بالسيرك القومى بالعجوزة، وقد قال ل«الصباح»: أفراد العائلة لا يتأثرون بهذه الحوادث، لإيمانهم بأنها قضاء وقدر، مضيفاً: «عمرنا اللى قضيناه وسط السباع والنمور، قتل الخوف جوانا وخلانا نتعامل معاهم على أنهم بنى آدمين، حتى إذا تعرضنا لهجمات مفاجئة، لا نعطى الموضوع أكبر من حجمه، لأنه حتى الإنسان يغدر يبقى ننتظر إيه من الحيوان»، مشيراً إلى أن هذه الحادثة لم تكن الأولى فى تاريخ العائلة، فأول حادثة حصلت تقريبا فى السبعينيات، لمحمد الحلو الكبير، الذى بدأت شهرته وانتهت بماسأة. وداخل مستشفى الشرطة بالعجوزة التقينا مدحت كوتة الذى قال: اشتهرت عائلة الحلو بتدريب الأسود والنمور منذ 200 عام، الأسود مثل الإنسان لها طباع وعادات وتقاليد، الأسد يتعصب ويثور عندما يستيقظ من النوم، ويشعر أن مزاجه «مش رايق» فيصبح ثائراً طول اليوم، وغير قابل للتدريب، وأكثر أسد يفعل ذلك هو ضرغام، فالأسد ضرغام جاء السيرك منذ أن كان عمره شهراً وكان بمثابة الفتى المدلل، حتى بدأ الاهتمام يقل به بعدما وصل عمره 16 عاماً، فضرغام لا يتعامل مع أحد غير ابنتى «أنوسة كوتة»، لأنها كانت تعيش معه داخل المنزل وتأكل معه، وبعدما أصبح عمره ثلاث سنوات، تم وضعه داخل عرينه وأصبح يشارك فى الاستعراضات، فبدأ الاهتمام يقل به وأصابه الاكتئاب، وذات مرة وقعت فى خطأ أثناء التدريب فقفز علىّ أربعة أسود وكادوا يفتكون بى، بسبب شعور «ضرغام» بالغيرة من باقى الأسود. وتشعر الأسود أيضاً بالحزن وقد تتضامن فى ذلك مع الإنسان، حيث يقول كوتة: لدينا أسد روسى اسمه «ليث»، ومنذ فترة كنت مريضاً ولذا كنت أخوض التدريبات بحزن، وحين شعر «ليث» بذلك امتنع عن التدريبات وتقديم العروض. ويملك مدحت كوتة أكثر من عشرين أسداً ونمراً، ولديه داخل السيرك القومى فقط 15 أسداً وابنته «أنوسة» تملك أكثر من 15 أسداً ونمراً وتعتبر أصغر مدربة أسود على مستوى العالم، موضحاً أن الأسد يتناول وجبة واحدة فقط هى الغداء ويتناول كمية كبيرة من اللحوم سواء لحوم ماعز أو حمير أو غيرها من الحيوانات، وعندما تقل وجبته أو تتأخر يهيج الأسد، ومن الممكن أن يكتئب. وهذا ما حدث مع أسد اسمه «ريتشارد» عندما شعرت أن وزنه زاد فقمت بتقليل وجبته فحينها دخل فى حالة اكتئاب ورفض الطعام لمدة يومين، وعدم التحدث لى وعندما قمت بزيادة الوجبة عاد مثلما كان، فالأسود تشعر بالحب فأسود ابنتى «أنوسة» تعيش معنا فى المنزل وتنام بجانب ابنتى وتخرج وتلعب وتلهو معها، ولابد أن تلهو وتلعب مع الأسد دوماً عندما يلد حتى يعتاد على وجودك معه وكأنك والده. سيناريو تعرض مدربى العائلة لهجوم من جانب الأسود تكرر عدة مرات، حيث تعرضت مدربة الأسود محاسن الحلو وابنها مدحت كوتة لموت محقق أثناء مشاركتهما فى عرض للأسود والنمور أقامه السيرك القومى بالإسكندرية، وهاجم 15 نمراً وأسداً المدرب مدحت كوتة أثناء العرض، وعندما تدخلت والدة المدرب محاسن الحلو لإنقاذ ولدها، هاجمتها الأسود أيضاً، لكن بعد إصابتها هى وابنها نقلا إلى المستشفى، وحينها كان الحادث يعود إلى الأسد «تومى» الذى أخطأ أثناء العرض، فخاف أن يضربه مدربه بالسوط فانحرف ناحية النمر وزوجته فنشبت معركة بين الأسود والنمور هاجمت خلالها مدحت وعندما تدخل كوتة لإنقاذه هاجمته الأسود من الخلف فسقط على الأرض. كما أن المدرب ممدوح الحلو، عندما تعرض لهجوم من أحد أسود السيرك أثناء تقديم عرض بمدينة العريش فى أغسطس 2001، استطاع المدرب الإمساك بالبندقية الخرطوش المخصصة للحراسة، وأطلق منها عدة أعيرة على الأسد الذى يهاجمه حتى تمكن من الإفلات منه بأعجوبة. وفى نوفمبر 1997، التهم الأسد «طارق»، الصبى أحمد محمد سليمان الذى يبلغ من العمر 16 عاماً كانت مهمته أن يقوم بوضع الماء فى أقفاص الأسود، وحينها ترك حارس الأسود مهمة تقديم الطعام للأسود وتنظيف أقفاصها، وقبل أن تمر أيام، وبينما كان أحمد يضع الطعام للأسد «طارق» هجم عليه بشراسة لينشب فى جسده أنيابه ومخالبه، وقبل أن يصرخ الطفل كان الأسد قد تمكن من الإجهاز عليه ليلتهمه تماماً، ولا يبقى منه سوى قطع من ملابسه الممزقة. من جانبه قال الدكتور هاشم بحرى أستاذ الطب النفسى: إن الأسد يتعامل نفسياً بتطبيق نظرية تقدير الذات وتقدير الآخر، بمعنى أن النمر لو عرف أن مدربه يميز أحداً عنه، ينقلب سيكولوجياً ويصبح مجبراً على التخلى عن مدربه، لأنه يشعر بأنه سيتعرض لمحاولة غدر، لذا تجده يبادر بالغدر والخيانة، ولذلك فالأسد حيوان مفترس بطبعه فلا يمكن أن نعتبره صديقاً.