بحثاً عن لقمة العيش التى تاهت فى وطنهم، اضطر شباب مصريون كُثر، إلى خوض مغامرات غير محسوبة العواقب، اتجهوا غرباً حيث الجماهيرية الليبية، لعلهم يجدوا ما يعوضهم بطالة طالت سنوات من دون عمل وربما حياة. مصائر هؤلاء الشباب باتت محفوفة بالمخاطر، وبخاصة أن أحداً منهم لم يولد تحت نجمة حظ، بل إن غالبيتهم ضربه الفقر وضيق الحال، حزموا حقائبهم وسافروا إلى ليبيا وهناك وقفوا على أطراف أصابعهم خوفاً وتأهباً، مما قد يحدث لهم على أيدى ميليشيات أنصار الشريعة، فالمعاناة التى يعيشها هؤلاء بسبب الضغوط والتضييقات التى تمارسها القبائل الليبية كفيلة بأن تعيدهم إلى بلادهم موتى فى نعوش! فى هذا التحقيق استطعنا التواصل مع عدد من العمال المصريين المتواجدين فى ليبيا ويعيشون أيامهم جحيما بلا مأوى، وبالرغم من خوفهم الشديد على حياتهم التى قد يفتقدونها بسبب الحديث إلا أنهم خاطروا بالحديث عن الوقائع المأساوية التى يكابدونها فى كل لحظة. «محمد صلاح» عامل مصرى فى ليبيا ومقيم بمنطقة الزاوية، يقول إنه مثل باقى الشباب الذى لم يجد العمل المناسب كى يوفى احتياجاته داخل بلده، اضطر إلى الذهاب إلى بلد آخر كى يستطيع تأمين مستقبله وتحسين مستواه المعيشى ومن ثم وقع اختياره على ليبيا عندما أخبره صديقه أن لديه استوديو تصوير هناك، ويمكنه أن يشاركه العمل فيه. يتابع محمد: «ذهبت تاركا ورائى أسرتى وحياتى التى تعودت عليها مقبلا على حياه أخرى وبلد آخر لا أعرف فيه أحداً ولا أحد يعرفنى غير صديقى، على الرغم مما كان يقوله عن ليبيا بأنها دولة تعامل العمالة المصرية بشكل سيئ.. لكننى توكلت على الله». تتدفق تفاصيل الرحلة على لسان محمد: «فى أول يوم لى بعد سفرى إلى ليبيا جلست مع مجموعة من المصريين فى منزل صغير هناك وبعد مرور ساعات قليلة وجدت جرس المنزل يدق ودخل علينا مجموعة من الأشخاص يقولون إنهم من الشرطة وقاموا بتفتيش المنزل ولا نعرف أسباب ذلك ولكن عندما غادروا لم نجد نقودنا التى كانت معنا أو هواتفنا المحمولة، أو أية متعلقات ثمينة كانت بحوزتنا، ومنذ ذلك الوقت علمت أن الأيام المقبلة ستحمل لى كل ما هو غير متوقع». «المصريون ليس لهم سعر فى ليبيا، كما أن الشعب الليبى يعتقد أن المصرى حرامى وأنه يأتى لهذا البلد لسرقتها وسرقة خيراتها»، قالها محمد قبل أن يسترسل فى حديثه قائلاً: ذات مرة جاءت إلينا بعض الميليشيات المسلحة وأخذونا لا نعلم إلى أين وكان المكان مجهولاً بالنسبة لنا وقاموا بالتعدى علينا بالضرب والإهانات المسيئة ثم بعد وقت قليل من اختطافنا حضر أشخاص آخرون ولدى اقترابهم منا توقعت الموت على أيديهم وبالفعل رددت الشهادتين، لكن فوجئنا أنهم قاموا بمساعدتنا وطلبوا ممن قاموا باختطافنا أن يتركونا وقبل ذهابنا أجبرونا على التوقيع على أقرارا ينص على أنهم لم يفعلوا فينا شيئاً وبعد ذلك عدنا إلى المنزل دون تصعيد المشكلة، لأننا نعلم أننا لن نأخذ لا حق ولا باطل. وتتوالى المشاكل تباعا فلا توجد هنا خدمات طبية جيده ولا نستطيع هنا أن نسير فى الشارع بعد الساعة التاسعة مساء حفاظا على أرواحنا من الموت الذى ينتظر المصرى تحديدا دونا عن الجنسيات الأخرى، كما أن الغلطة هنا تؤدى إلى الموت الفورى وضرب النار دائم هنا ليل نهار والسفير المصرى لا يقدم لنا أى خدمات ولا يحمى حقوقنا رغم أنه معين هنا من أجلنا ومن أجل أن يوفر لنا احتياجتنا، ولكن ماذا نفعل لقد حضرنا إلى هنا كى نعمل حتى نستطيع تحسين مستوى معيشتنا ومضطرين أن نتحمل كل أنواع الإساءة وأن أدى ذلك إلى موتنا. ومن قصة محمد الذى يعيش أيامه فى حالة خوف وقلق دائم دون التأكد من العودة إلى أهله سالماً، إلى أحد العمال المصريين فى ليبيا فى منطقة بنى غشير «أبو رزق» والذى يقول: أعمل مدرب «كونغ فو» ومتواجد فى ليبيا منذ فترة طويلة، لكن الحياة هنا صعبة للغاية فالمصريون مضطهدون دائما من قبل الشعب الليبى فكل شىء هنا غير متاح البنوك مغلقة فى وجوهنا وتحديدا الجنسية المصرية ولا نستطيع تحويل الأموال إلى أهلنا لرفض المؤسسات الخاصة بالتحويل تحويلها إلى أهلنا فى مصر، والخدمات الطبية شبه معدومة، والأمان ليس له مصطلح فى حياتنا لأننا ندفع أرواحنا فى أى لحظة مقابل الأموال التى نعمل بها هنا فى ليبيا، وغير ذلك ليس لنا هنا أى حقوق، فلقد ذهبت للسفير المصرى لأخبره أن هناك حادثا توفى فيه خمسة أشخاص مصريين من أصدقائى وأريد منه خطابا لترحيل جثثهم إلى مصر أجاب السفير أنه يجب أن أذهب إلى الجوازات لكى أحضر تصريح خروج، وكنت على علم أن هذا التصريح نقوم بإخراجه عند سفرنا إلى إجازة شهر أو شهرين، وكان ردى عليه: «يا سيدى الفاضل ما هذا الذى تقوله هؤلاء أشخاص قد وافتهم المنية وذهبوا دون رجعة» كيف أقوم بإخراج تصريح لهم، فيقول لى لابد من عمل التصريح من أجل أن نعلم هل عليه مستحقات مالية أو أشياء أخرى، ثم أخبرته أن التصريح يستغرق أكثر من عشرة أيام، فيقول هكذا القوانين، ثم خرجت من مكتبه غاضبا وقمت بدفع مبلغ مالى كبير كى أستطيع أن أخرج التصريح سريعا. يتابع: وعندما انتهيت جاء معى كى يختم التوابيت ثم قال لى قم بدفنهم هنا وقم بتوفير التكاليف على نفسك، فقلت له هذه التكاليف مقررة على السفارة لأنهم مؤمن عليهم فيجيب السفير قائلا: إذن يجب أن تنتظر حتى أرسل خطابا للخارجية ثم تتطورت المناقشة بيننا إلى أن قام الأمن لديه بالتعدى علىّ وأرسلت الجثث على تلكفتى الشخصية، كما نواجه عمليات الخطف المستمرة والتعدى بالضرب وإساءة لأى شخص يعرف أن جنسيته مصرية، وفى حالة مرض أحد منا بوقت متأخر فى الليل لا يستظيع الخروج من منزله لأنه لن يعود حيا وفى كلتا الحالتين لن يبقى حيا، وأتساءل دائما: ماذا فعلنا لكل هذا؟ فلقد حارب هذا الشعب الديكتاتورية واليوم يمارسها علينا، وكأنه لم يقم يوما بثورة وثورته اليوم علينا وعلى غيرنا من ممارسة الاضطهاد والعنف المستمر كأننا أعداؤهم بالرغم أن حالنا أصعب من المتوقع وهدفنا الرئيسى هو البحث عن الأموال لتكوين مستقبلنا وإرسال النقود إلى ذوينا. مأساة أخرى بطلها إبراهيم سعيد، المقيم بمدينة طبرق الليبية، قرب الحدود المصريه قائلاً: الحياة هنا كالمنفى فالليبيون يتعاملون مع المصريين كأنهم حيوانات مفترسة جاءت لتنقض عليهم ومن ثم هم يدافعون عن أنفسهم بالانقضاض عليهم أولا، مضيفاً أن كل شىء هنا أسوأ من السيئ لا يوجد خدمات لا تستطيع المطالبة بحقوقك، المصالح الحكومية هنا تعتبر خطا أحمر لا يمكن الاقتراب منه، كما لا يمكن أن أشتكى مواطناً ليبياً تعرض لى أو أن أقوم برد إهانته لى، ولا أستطيع الخروج بعد المغرب وإلا لن أعود سالما، وكلمة الليبى الشهيرة «المصرى حرامى وجاء أرضى ليسرقنى» ولن أعطى له الفرصة ليفعل ذلك»، وبالتالى يقوم باضطهاد أى مصرى يوجد على أرضه خاصة فئة العمال فهم يعانون هنا أسوأ معاناة، ولكن نحن نستحق ذلك فالسفير المصرى لا يقدم هنا أى خدمات، ولكن ماذا نفعل فلقد قمنا ببيع كل غال حتى نستطيع القدوم إلى هنا من أجل تحسين معيشتنا ولا نستطيع العودة خالين مما أتينا إليه حتى وإن كان الثمن ما نتعرض له اليوم. على الوتيرة ذاتها، يقول ربيع محمد، المقيم بمدينة صرمان فى ليبيا: تواجدت منذ فترة ليست بالقصيرة واضطهاد الشعب الليبى للمصريين شىء طبيعى تعودنا عليه، ولكى نحافظ على حياتنا بأننا نقضى معظم الوقت لا نتحدث مع أحد، فالمصريون هنا لا يتحدثون مع أحد وجميعهم مرتبط ببعضه البعض، فى محاولة لمساندة بعضنا، كى لا نموت بغدر العصابات المسلحة المجهولة. كما أن كل شخص هنا جاء من أجل أن يحسن دخله المعيشى الذى لم يجده فى بلده فكان مضطرا للذهاب لبلد آخر كى يجد فيه ما لم يجده فى دولته، وعليه أن يتحمل كل أنواع الإساءة التى يمر بها من اضطهادات واعتداءات وصلت إلى الضرب، نحن جئنا هنا لنعمل وسنعمل مهما كانت الظروف. ولم يضف ربيع شيئا خوفا على حياته وعلى من معه قائلا: «أنتم لا تعرفون الحياة هنا وكم نعانى» فالحياة سيئة للغاية، ولن أستطيع الحديث أكثر من ذلك وانتهى حديثه عندما علم أننى أقوم بعمل تحقيق عن أوضاع العمالة المصرية فى ليبيا بأن الحياة جميلة ولا يوجد شىء سيئ خوفا فقط على حياته وخوفا مما قد يحدث له أو للمصريين المقيمين هناك ويقول: «إن الغلطة هنا بموته فورا». أوضاع العمالة المصرية فى ليبيا دفعتنا إلى التواصل مع السفير الليبى فى القاهرة محمد فايز جبريل، والذى قال إن العمالة المصرية فى ليبيا تقدر بحوالى مليونى شخص وقد تزيد عن ذلك لدخول آخرين بطرق غير مشروعة، وبالنسبة لتعرض العمالة المصرية لاضطهادات فهذا غير صحيح ومبالغ فيه، لكن ما يحدث الآن هو أن ليبيا تمر بفترة انتقالية تشهد فراغاً أمنياً، ونتيجة الفراغ الأمنى الذى حدث فى المنطقة ككل حدثت اختراقات كثيرة مثل ما يحدث فى مصر وهذه الاختراقات تعرض لها الليبى والمصرى فى ليبيا على حد سواء، والشكوى الحقيقة ناتجة على أن الكثير من المصريين يتواجدون على الأراضى الليبية بتأشيرة مزورة وبشهادة صحية مزورة وهذه هى الإشكالية الأولى حاليا للمصريين فى ليبيا، وعندما ينضبطو فى البوابات فى المداخل أو على الحدود يتم عودتهم وهنا تكون العودة مربكة جدا وهذا هو سبب الربكة وغير ذلك لا يوجد أى شىء، وتواجد ذلك العدد من المصريين داخل ليبيا يدل على المبالغة فى الأحداث وهناك مبالغات فيها إساءة، وإذا حدث شىء فيعود للفراغ الأمنى وليس مقصودا به المصرى. الخبير الأمنى أحمد الفولى علق على ما يتعرض له المصريون فى ليبيا بقوله: أعتقد أنهم استمعوا إلى معلومات تقول إن الجيش المصرى سوف يهاجم ليبيا وطبعا هذا غير وارد فالجيش المصرى لن يقوم بذلك إلا دفاعا عن بلده فقط، فهو جيش لحماية بلده ولا يعتدى على أحد أو يخرج خارج حدودنا ولا نتدخل فى أى أمور داخلية لأى دولة غير بلادنا وهما عليهم المثل عدم التدخل بالمثل فى عدم تصدير الإرهابيين أو أسلحة أو مواد ضارة فلهم حقوق وواجبات نحن لا نهاجم أحدا، ونحن نهيب بأى مسئول فى ليبيا لعدم وجود سيطرة على الأمور فى البلد فجميعها جماعات متطرفة كل جماعة تسيطر على مكان وللأسف الوضع فى ليبيا غير مرضٍ، وهناك جماعات تحتجز المصريين وتحتجز السيارات وتسىء معاملتهم وتحاول تصعيب عليهم الموافق وهذا شىء غير مقبول إطلاقا لا من أشقاء عرب أو غيرها لأن هؤلاء ذهبوا للخدمة والعمل وليس للعنف والأذى، وهناك سفارة مصرية لابد من اللجوء إليها ومن يشعر بالاضطهاد لابد له من العودة إلى مصر.