فضيحة مدوية كشفت عنها أوراق رسمية حصلت «الصباح» على نسخة منها، فبين عشية وضحاها باتت شركات التأمين الصحى الأجنبية مطالبة بدفع مئات الآلاف من الدولارات لصالح بعض المستشفيات الاستثمارية الكبرى فى شرم الشيخ، بعد تلقى السائحين المؤمن عليهم من قبل تلك الشركات خدمات علاجية بمبالغ ضخمة، حسبما أفادت إيصالات الكشف والعلاج.. غير أن الواقع يؤكد أن كل المرضى لم يكونوا فى حاجة لتلك الخدمات، كما لم يتلق أغلبهم الخدمة العلاجية من الأساس. الأوراق تقول إن مندوبى بعض شركات السياحة من الأجانب، ينتظرون بلهفة اللحظة التى يطلب فيها السائح الاجنبى علاجًا لأى أزمة صحية ربما لا تتعدى فى أغلب الأحيان نزلة البرد العادية، ومن هنا يلتقطه المندوب ليصحبه إلى مستشفى خاص، وتبدأ إجراءات «الصفقة الحرام»، حيث يتم علاج السائح من أمراض لا يعانيها ثم يتم حقنه بمخدر «البنج»، وعقب إفاقته يتم إخباره أنه خضع لعملية جراحية ضخمة –وهمية بطبيعة الحال- ومن ثم يحصل المندوب على 50% من فاتورة علاج سوف تحصلها المستشفى من شركة التأمين الأجنبية. وقائع هذه الجريمة بدأت تتكشف ل«الصباح»، بعد وفاة السائحة الإنجليزية «بروادهرست باتريشيا»، البالغة من العمر أربعة وثمانين عامًا، متأثرة بضيق فى الشريان الأورطى وارتفاع بالضغط الرئوى، وتضخم فى القلب وارتجاف فى عضلات الأذين والتهاب رئوى، وكانت تخضع منذ سنوات لعلاج منتظم لجلطات الدم، لكنها أصرت على مرافقة أسرتها فى رحلة سياحية إلى مصر، واختارت بنفسها أحد منتجعات شرم الشيخ. القدر لم يمهل السائحة الإنجليزية أكثر من يومين عقب وصولها لتسقط فى صباح اليوم الثالث من فوق كرسيها المتحرك بأحد فنادق منطقة «نبق» فكسرت عظمة فخذها اليسرى، وعلى الفور فحصها طبيب الفندق، وتم نقلها إلى مستشفى شرم الشيخ الدولى حتى ينظر المتخصصون فى حالتها وفق ظروفها الصحية، وعمرها المتقدم حفاظًا على حياتها، غير أن مندوبتى شركة «طومسون» السياحية للشئون الطبية، كارول مكنيل، و،دانيلا بليك، وهما بريطانيتان لا تحملان أى مؤهلات علمية فى مجال الطب وتعملان بدون ترخيص عمل، قررتا منفردتين نقلها إلى مستشفى استثمارى خاص بعد أن أوهمتا المريضة بأن مستشفى شرم الدولي- مقر علاج الرئيس الأسبق حسنى مبارك - متواضع الحال والإمكانيات، وما هى إلا ساعات، وقرر أطباء المستشفى الخاص إجراء عملية كبرى لزرع مفصل فخذ صناعى للعجوز المقعدة منذ سنين، فبكت السيدة بكاءً مرًا، وتوسلت للجميع -بحسب شهادة مرافقيها وذويها فى الشكوى التى تقدموا بها - فالأمر لا يستدعى الجراحة الخطيرة- فهى لا تستخدم قدميها فى السير أصلا، كما أن حالتها الصحية لا تتحمل، وأطباؤها فى إنجلترا حذروها من ذلك عدة مرات. تمكنت مندوبتا شركة السياحة الأجنبية الكبرى من إقناع المريضة بالتوقيع على إقرار بإجراء العملية، وأوهمتاها بأن تأمين السفر الصحى سيتحمل مصروفات الجراحة باهظة التكاليف، فكانت النتيجة المأساوية هى وفاة السيدة المسكينة بسكتة قلبية بعد دقائق فى غرفة العمليات، وأصدر المستشفى تقريره - الذى حصلت «الصباح» على نسخة منه - ليتضمن فاتورة بأتعاب الضمير الميت، وثمن الروح البريئة، بلغت أربعة وعشرين ألف يورو، وبالطبع حصلت مندوبتا «طومسون» على عمولة بلغت عشرات الآلاف. ولم تمضِ أسابيع قليلة حتى أصيبت «ساندرا باوس» النزيلة بفندق «كلب ازور» بمنطقة نبق بنزلة شعبية، وتم تحويلها إلى نفس المستشفى الاستثمارى بواسطة نفس الأشخاص «Carol McNeil» و«Daniella Blick» ليتم حجزها فى العناية المركزة، وإجراء قسطرة تشخيصية لها رغم أن جميع فحوصاتها الطبية -والتى حصلت «الصباح» على نسخة منها- سليمة، ليتم علاجها فى النهاية بواسطة مهدى سعال ومضاد حيوى وكورتيزون، وتخرج بفاتورة بلغت ستة عشر ألف يورو. ثم تتكرر المأساة مع ضحية ثالثة «باربرا فرنسفارى» التى تتبع نفس الشركة والنزيلة بفندق«جاز ميرابل»، حيث أصيبت بضيق فى التنفس وسعال فتم تحويلها بواسطة الطبيبتين المزيفتين إلى نفس المستشفى، ورغم أن الحالة يمكن علاجها دوائيًا لتجنب القسطرة حيث إنها مصابة بجلطة دماغية سابقة - كما ذكر التقرير - ورغم أنها مريضة بالسكر ونوبات سكتات دماغية إلا أن المستشفى قرر إجراء قسطرة وكررها عدة مرات لمضاعفة الأتعاب، لكن القسطرة فشلت وتدهورت حالة السائحة حتى أوشكت على الموت. وحسب التقرير الذى حصلت «الصباح» على نسخة منه، أصيبت السائحة بقئ دموى وفشل كلوى وجلطة دماغية وشلل نصفى واحتشاء فى عضلة القلب وتشنجات وارتفاع فى ضغط المخ وأنيميا، فأدرك المستشفى المصيبة، وقبل أن تسلم السائحة روحها لخالقها طلب المستشفى الإسعاف الطائر لنقلها إلى المملكة المتحدة، وهى شبه متوفاة، لترافقها هذه المرة فاتورة قيمتها خمسون ألف يورو! ! وكشفت تقارير الوفاة الصادرة من مستشفى «ج.س» للحالات السابقة أن من يقوم بكتابتها ليس طبيبًا لأنها وبحسب وصف الدكتور، ضياء شلبي، إخصائى القلب بمستشفى شرم الشيخ الدولى غير وافية ومبهمة، كما إن لغتها غير علمية بالمرة، وخالية تقريبًا من المصطلحات الطبية التى تصف الحالة وغامضة فى وصف التطور الطبى والعلاجى، وتخفى أكثر ما توضح، مضيفًا أن خطورة العمليات التى تمت للمرضى كان يجب تحديد المسئول عنها، وكيف بنى قراره رغم ظروف بعض الحالات الصحية الحرجة. واعترف الدكتور أحمد مهدى الشبراوى أحد الأطباء العاملين فى مجال العيادات الخاصة بمدينة شرم الشيخ بوجود ما يسمى ب«بيزنس» العملات السرية غير القانونى بين مندوبى الشركات السياحية وبين العيادات والمستشفيات الخاصة.