تأتي آن باترسون السفيرة الأمريكية بالقاهرة في مقدمة اللاعبين الأساسيين علي المسرح السياسي المصري باعتبار أن جميع خيوط اللعبة السياسية تلتقي في يدها تحركها كيفما تشاء ومتي تريد وفقا لمصالح دولتها.. وقد أدركت جماعة الإخوان المسلمين هذه الحقيقة فقامت بمد جسور الاتصال بالسفيرة من أجل حماية الرئيس مرسي وجماعته من غضب الرئيس الأمريكي باراك أوباما.. حيث تقوم هذه السفيرة -التي يصفها بعض معارضي السياسية الامريكية بالجاسوسة- بزيارات سرية إلي قصر الرئاسة كما انها ترسل تقارير تفيد برضا الشعب المصري عن حكم الرئيس والجماعة بالرغم من الغليان الذي يسوي الشارع المصري وهو ما يؤكد وجود صفقة بين الطرفين. وقد أثارت لقاءات باترسون بالقوي السياسية بعد الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر ردود فعل متباينة لدرجة أن البعض اتهمها بتحريض جبهة الإنقاذ علي النزول إلي الشارع والاحتجاج ثم الاعتصام حتي إسقاط الإعلان الدستوري ،إلا أن باترسون أسرعت ونفت هذا الأمر ،واصفة إياه بأنه "أمر سخيف يدعو للسخرية" موضحة أن هذه الشائعة - وفقا لوصفها - تدخل في نطاق نظرية المؤامرة ،وطالبت كل من يدلي بمثل هذه التصريحات بأن يتحلي بالمسئولية.. وأكدت أنها تلتقي بكل الأطراف وتستمع لهم حتي تستطيع معرفة كل ما يدور في مصر ، مشددة علي أن هذا الأمر يدخل في نطاق عملها ولا يعد تدخلا في الشأن المصري الداخلي. وكانت باترسون قد عقدت اجتماعًا مع عدد من قيادات القوي السياسية المختلفة مثل قيادات حزب الوفد للتعرف علي رؤية الحزب وقيادات جبهة الإنقاذ الوطني للأحداث الجارية في مصر.. ولم تتردد في زيارة مقر جماعة الإخوان المسلمين رغم إدراكها لما ستثيره هذه الزيارات من جدل.. وتكرر ذلك أكثر من مرة سواء بنفسها أو مع مسئولين أمريكيين، كان علي رأسهم جون ماكين رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس، ثم وليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية، والتقت الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين، ثم زارت وزير العدل المستشار أحمد مكي وهو ما نظر إليه كثيرون باعتباره تدخلا سافرا في الشئون الداخلية المصرية، خاصة أن الزيارة جاءت في أعقاب التحقيق مع 17 منظمة مصرية وأجنبية في اتهام الحصول علي أموال من جهات خارجية من دون ترخيص من الحكومة. ترويض الإسلاميين ويري المحللون أن "باترسون" نجحت في مهمتها الأولي بمصر وهي ترويض التيارات الإسلامية والدليل علي ذلك تعهد جميع فصائل التيار الإسلامي باحترام معاهدة كامب ديفيد والحفاظ علي علاقات متينة مع أمريكا رغم الخلافات الشديدة بين البلدين بعد الثورة، إضافة إلي بناء علاقات جيدة بين الرئيس المصري محمد مرسي والرئيس الأمريكي باراك أوباما ظهرت آثارها خلال أزمة غزة الأخيرة حيث أجري أوباما اتصالات عديدة بالرئيس المصري في دلالة قوية علي أن مرسي أصبح حليفا مهما للإدارة الأمريكية التي كان عليها رد "الجميل" في أسرع وقت بعد تدخل مرسي السريع ونجاحه في عقد هدنة بين إسرائيل وحركة حماس وهذا ما ظهر جليا في تردد إدارة أوباما في مطالبة الرئيس المصري بالتراجع عن موقفه من الإعلان الدستوري استجابة للضغوط الشعبية.. بل علي العكس بدا الموقف الأمريكي رخوا وضعيفا للغاية الأمر الذي عرض إدارة أوباما للانتقاد الشديد من قبل الإعلام الأمريكي. وفي إطار عملية ترويض الإسلاميين حرصت "باترسون" علي زيارة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع في مقر الجماعة بالمقطم لتقديم التهنئة له عقب فوز الإخوان بأغلبية البرلمان، ما مثل نقلة نوعية كبيرة علي صعيد العلاقة بين الإدارة الأمريكية وبين الجماعة التي كثيرا ما كانت تطلق تصريحات معادية ضد الولاياتالمتحدة.. وقد أكدت الجماعة في ذلك الوقت أن اللقاء لم يتطرق للشئون الداخلية مشددا علي أن هذه الأمور تترك مناقشتها لحزب الحرية والعدالة. كما حرصت باترسون علي لقاء خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، في مكتبه بمدينة نصر عقب إعلان رفض اللجنة العليا للانتخابات ترشحه للرئاسة، وكان هذا اللقاء هو ثاني لقاء غير معلن بين الشاطر وأحد المسئولين الأمريكيين بعدما التقي في وقت سابق بعضو مجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور جون ماكين، وهو لقاء أثار جدلا كبيرا.. وقد استغرق لقاء الشاطر ب"باترسون" أكثر من ساعتين، حيث أوضحت تأكيد الإدارة الأمريكية وأعضاء السفارة بالقاهرة أن بلادها لن تتدخل من قريب أو بعيد بما يجري في مصر ، خاصة تلك الأحداث المتعلقة بالانتخابات الرئاسية.. ولم يستطع ياسر علي، المنسق الإعلامي لمشروع النهضة حينذاك، أن ينكر عقد هذا اللقاء الذي كشفته وسائل الإعلام الأمريكية ،موضحا أن السفيرة الأمريكية بالفعل زارت الشاطر لكنه ليس لديه تفاصيل عن اللقاء. كما التقت باترسون قيادات حزب النور السلفي الذين حرصوا علي عدم التطرق لقضية الشيخ عمر عبد الرحمن الموجود بالسجون الأمريكية خشية تكرار خطأ الرئيس مرسي الذي تعهد في أول خطاب له في ميدان التحرير بالإفراج عن الشيخ الضرير وهو ما قوبل باستهجان واضح من قبل دوائر صنع القرار الأمريكية. وأثارت "باترسون" جدلا عندما اجتمعت ببهاء أنور، المتحدث الرسمي باسم الشيعة المصريين في لقاء حضره دبلوماسيون ومستشارون وإعلاميون بالسفارة الأمريكية بهدف توصيل صورة كاملة للسفيرة عن وضع الشيعة في مصر في بداية أكتوبر الماضي. قطع المعونة ورغم تأكيدها علي قوة العلاقات المصرية الأمريكية إلا أنها لن تتردد في التهديد بقطع المعونة إذا رأت أن هناك تهديدا لأعضاء السفارة أو تهديدا لمصالح بلدها، وهذا ما حدث بالفعل عندما ألمحت بإمكانية قطع المعونة الأمريكية لمصر بعد تظاهر عدد كبير من المصريين أمام السفارة الأمريكية اعتراضا علي إنتاج الفيلم المسيء للرسول الكريم. وعلقت باترسون علي تضارب ردود فعل بعض رموز جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة علي مواقع التواصل الاجتماعي مع تصريحاتهم الرسمية حول الفيلم المسيء للرسول، إلا أنها أكدت أنها لن تضع في الاعتبار إلا التصريحات الرسمية التي صدرت عن خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، ورسالته في صحيفة "نيويورك تايمز،الأمر الذي يؤكد وجود صلات قوية بين الجماعة والولاياتالمتحدة وأن الوسطاء الرئيسيين في هذه العلاقات هما "باترسون" و"الشاطر". مرحلة حرجة وقد جاء تعيين آن باترسون في مرحلة حرجة جدا تمر بها مصر.. ووفقا لتأكيد العديد من المصادر الأمريكية فقد قررت الولاياتالمتحدة تعيينها بدلا من السفيرة السابقة مارجريت سكوبي التي فشلت في إعداد تقارير صحيحة تمكن الولاياتالمتحدة من الوقوف بشكل صحيح علي حقيقة الأوضاع في مصر خلال ثورة 25 يناير 2011 ،حيث اتضح أن موقف الولاياتالمتحدة المتردد في البداية كان بناء علي تقارير السفارة الأمريكية التي أكدت رسوخ النظام السابق وقدرته علي قمع المظاهرات ،وكان لابد من اختيار بديل ل"سكوبي" يتمتع بقوة الشخصية والقدرة علي التعامل مع كل الأطراف المتناقضة.. ووقع الاختيار علي باترسون صاحبة الخبرة في هذا الشأن،والمعروفة أنها تتعامل بحدة مع كل معارضي السياسة الأمريكية،كما أن لها خبرة كبيرة في التعامل مع الجماعات الإسلامية لتاريخها المهني السابق في أفغانستانوباكستان.. وبالفعل عملت باترسون منذ وصولها إلي مصر علي فتح قنوات اتصال عديدة مع الإخوان المسلمين والتيار السلفي إضافة إلي دعم التيارات الليبرالية.. ويعتبرها البعض المسئولة عن تفجير قضية التمويل الأجنبي والتي أدت إلي حدوث توتر كبير في العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة حين كشفت باترسون بكل وضوح أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في جلسة عقدت في يونيو الماضي عن أن واشنطن أنفقت 40 مليون دولار لدعم الديمقراطية في مصر منذ ثورة 25 يناير، وقالت إن المنظمات الأمريكية تعمل في مصر علي تشجيع الديمقراطية ودعم وتنمية قدرات منظمات المجتمع المدني المصري في المرحلة المقبلة. تاريخ مخيف وتشير وثائق ويكيليكس إلي أن باترسون لها تاريخ مخيف باعتبارها أحد العناصر المنفذة لخطط الاغتيالات في عدة دول نامية, فضلا عن كونها أداة رئيسية لإقامة إعلام مواز لإعلام الدولة التي تتواجد بها يعتمد علي الدعم الأمريكي وينحصر دوره في المشاركة في زعزعة الاستقرار وإحداث فوضي وبلبلة بها. وقد أظهرت برقيات دبلوماسية أمريكية سرية نشرت بموقع ويكيليكس أن قوات أمريكية خاصة رافقت قوات باكستانية في مهمات جمع معلومات أثناء صيف 2009, وهذه القوات شاركت مع القوات الباكستانية في عمليات في إسلام أباد.. وقالت البرقيات إن آن باترسون السفيرة الأمريكية لدي باكستان آنذاك ساعدت الباكستانيين علي جمع وتنسيق ملفات المخابرات بالدولة.. كما أظهرت برقيات أخري حرص الولاياتالمتحدة علي نشر قوات أمريكية مع الجنود الباكستانيين وأجرت توسيعا للخطط الخاصة بأنشطة المخابرات المشتركة لتشمل مقار الجيش الباكستاني. كما تم اكتشاف وثيقة بخط يد باترسون تقول بها إن باكستان بدأت قبول دعم الجيش الأمريكي في المخابرات والاستطلاع والمراقبة لعمليات مكافحة التمرد،وكانت هذه الوثيقة قبل عامين من مقتل بن لادن, كما أن هناك اعترافا علنيا في باكستان بوجود مدربين أمريكيين لكن لم تعترف بمثل هذه العمليات المشتركة.. وتشير البرقيات أيضا إلي أن قائد الجيش الباكستاني "أشفق كياني" طلب من رئيس القيادة المركزية الأمريكية الأميرال مايك مولن وقتها تكثيف وتنشيط عمليات الاستطلاع علي مدار الساعة لمدينة وزيرستان الشمالية والجنوبية والتي تعد من معاقل متشددي جماعة طالبان وكل هذا أدي لتوجيه انتقادات لاذعة للجيش الباكستاني عقب هجوم القوات الأمريكية الخاصة علي منزل بن لادن في مدينة أبو أباد. وكشفت الوثائق التي تم تسريبها أن السفيرة كانت تقوم بكتابة وثائق حول العلاقات الأمنية بين البلدين شخصيا, وأشارت إلي أن الفترة التي تولت خلالها باترسون منصب سفير الولاياتالمتحدة كانت إحدي أنشط فترات التعاون الاستخباراتي بين البلدين. في حين كشفت وثيقة أخري مسربة أن باترسون عندما كانت سفيرة أمريكا في كولومبياوباكستان قامت بتجنيد بعض الأشخاص العاملين بوسائل الإعلام الأجنبية بتلك الدول في وكالة الاستخبارات الأمريكية, بهدف تنفيذ أعمال الفوضي والشغب في هذه البلاد, فضلا عن عمل توترات دبلوماسية وتنفيذ عدة اغتيالات لشخصيات مهمة. ورغم أن باترسون أكدت أن إسلاميي مصر ليسوا مثل إسلاميي باكستان، حيث تراهم معتدلين نسبيا مقارنة بإسلاميي باكستان وأن مصر تختلف عن باكستان جملة وتفصيلا إلا أن هناك مخاوف عديدة من تكرار سيناريو نشاطها الاستخباراتي الذي قامت به بباكستان في مصر.