منذ حوالي 112 رحل عن عالمنا الزعيم الكبير مصطفى كامل باشا، حيث توفي في مثل هذا اليوم من عام 1908، وهو من مواليد عام 1874، ووضع بصمته على التاريخ المصرى الحديث واستحق لقب الزعيم. ولد مصطفى كامل في قرية كتامة التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية وكان أبوه "علي محمد" من ضباط الجيش المصري، وقد رُزِقَ بابنه مصطفى وهو في الستين من عمره، وعُرِف عن الابن النابه حبُّه للنضال والحرية منذ صغره؛ وهو الأمر الذي كان مفتاح شخصيته وصاحبه على مدى 34 عامًا والمعروف عنه أنه تلقى تعليمه الابتدائي في ثلاث مدارس، أما التعليم الثانوي فقد التحق بالمدرسة الخديوية، أفضل مدارس مصر آنذاك، والوحيدة أيضًا، ولم يترك مدرسة من المدارس إلا بعد صدام لم يمتلك فيه من السلاح إلا ثقته بنفسه وإيمانه بحقه. وفي المدرسة الخديوية أسس جماعة أدبية وطنية كان يخطب من خلالها في زملائه، وحصل على الثانوية وهو في السادسة عشرة من عمره، ثم التحق بمدرسة الحقوق، التي كانت تعد مدرسة الكتابة والخطابة في عصره، فأتقن اللغة الفرنسية، والتحق بجمعيتين وطنيتين، وأصبح يتنقل بين عدد من الجمعيات؛ وهو ما أدى إلى صقل وطنيته وقدراته الخطابية. وقد استطاع أن يتعرف على عدد من الشخصيات الوطنية والأدبية، منهم: إسماعيل صبري الشاعر الكبير ووكيل وزارة العدل، والشاعر الكبير خليل مطران، وبشارة تقلا مؤسس جريدة الأهرام، الذي نشر له بعض مقالاته في جريدته اللواء. كان أهم أهداف مصطفى كامل هو الجلاء وعدوًا واحدًا وهو الاحتلال، ولذلك كان على اتم استعداد للتعاون مع كل القوى الداخلية والخارجية المعارضة للاحتلال، ووضع حزب الأمة فيما بعد في الاعتبار الأول كمسألة الحياة البرلمانية وعلاقة مصر مع دول خارجية وغيرها فكلها مسائل يمكن أن تترك حتى يتخلص المصريون من الاحتلال. سافر مصطفى كامل إلى برلين في خلال حملته السياسية والدعائية ضد الاحتلال البريطانى وسار من الشخصيات المصرية اللامعة في أوروبا، والتقى مصطفى كامل وأحمد لطفى السيد وعدد من الوطنيين بمنزل محمد فريد وتم تأليف "جمعية الحزب الوطنى" كجمعية سرية رئيسها الخديوى عباس. وكان مصطفى كامل يعالج من المرض في باريس أثناء وقوع حادثة دنشواي عام 1906 فقطع رحلة العلاج وسافر إلى لندن وكتب مجموعة من المقالات العنيفة ضد الاحتلال والتقى في لندن برئيس الوزراء البريطانى الذى عرض عليه تشكيل الوزارة غير انه رفض العرض. قام مصطفى كامل في أكتوبر 1907، بعد حادثة دنشواى وهو في حالة شديدة من الاعياء والمرض بالقاء خطبة من أجمل وأطول خطبة اطلق عليها "خطبة الوداع" حيث القاها بالإسكندرية، وقد أعلن فيها تأسيس الحزب الوطنى الذى تألف برنامجه السياسى من عدة مواد اهمها: المطالبة باستقلال مصر كما أقرته معاهدة لندن 1840، وايجاد دستور يكفل الرقابة البرلمانية على الحكومة وأعمالها، ونشر التعليم، وبث الشعور الوطنى، غير أن الجلاء والدستور كانا أهم مطلبين للحزب. ومن أبرز وأشهر أقواله المأثورة والتي تتردد حتى الآن "لو لم اكن مصريا لوددت ان اكون مصريا". شاع عن الزعيم مصطفى كامل الذي مات عازبا، أنه وقع في غرام الأميرة شيوه كار (شويكار)، وأجاب الرافعي في حوار قديم نشر بمجلة الإذاعة والتليفزيون عام 1958، عن حقيقة ارتباطه بها. وقال المؤرخ الرافعي أن ارتباط مصطفى كامل بالأميرة شويكار غير صحيح، ولم تكن إلا شائعات رددها الناس والصحف، ودافع الرافعي عن أستاذة مصطفى كامل قائلا: "القصة غير حقيقية ولم يدق قلب مصطفى كامل إلا بحب مصر، ووالدته، وأمه الروحية، وإخوته". أما الأميرة شويكار فهي ابنة الأمير إبراهيم فهمي، وجدها الأكبر هو محمد علي باشا الكبير، وهي الزوجة الأولى للأمير أحمد فؤاد ابن الخديوي إسماعيل (الملك فؤاد فيما بعد)، ولكنها انفصلت عنه بعد إنجابها للأمير إسماعيل الذي مات صغيرا والأميرة فوقية. الموقف الأبرز للزعيم الراحل، هو هجومه الشديد على كتاب المفكر الراحل قاسم أمين، الذى جاء بعنوان "تحرير المرأة"، وظهر بحسب ما يقول الدكتور محمد حسين هيكل: "خصماً لدوداً لقاسم وأفكاره، وكانت ميدانا لأشد المطاعن عليه"، واتخذ موقفا مماثلا لأغلب المشايخ المسلمين، حيث كان الكتاب بمثابة تحد صريح للرأى الإسلامى العام وقتها. وكتب الزعيم الراحل فى مقالة نشرت فى جريدة اللواء بتاريخ 31 يناير عام 1901: "عندى إن حرية المرأة لا تكون في مأمن من كل خطر وضرر إلا إذا اجتمعت شروط ثلاثة: كمال وأدب عند النساء، وتعليم وتهذيب عند الرجال، وحكومة شديدة الشكيمة في المحافظة على الآداب العامة، ومحال أن تجتمع هذه الشروط الآن في بلد كمصر" .