يوماً بعد الآخر تظهر أمام أعيننا وقائع جديدة، تفضح مسئولي قطاعات وزارة الآثار الذين اعتادوا على الإدلاء بتصريحات رنانة ونفي مسئوليتهم عن كل كارثة تحدث لأي أثر، وتأتى هذه الوقائع لتوضح مدى الإهمال الذى لحق بالعديد من المناطق الأثرية.. والملاحظ أن هذا الإهمال لم يعد قاصرا على قطاع معين بل شمل كل أركان الوزارة، وهو ما يدلل على فشل وزير الآثار الدكتور ممدوح الدماطي، في التصدي لأغلب الملفات الشائكة.. وتستعرض "الموجز" فى هذه السطور عددا من الملفات التى عجز الوزير فى التصدى لها مما أدى إلى استفحالها وتفاقمها بشكل ينذر بوقوع كثير من الكوارث خلال الفترة المقبلة. 1- الفساد القبض على رئيس قطاع المتاحف بتهمة الرشوة يهدد عروش الكبار داخل الوزارة شهد الأسبوع الماضى القبض على رئيس قطاع المتاحف بوزارة الآثار، بتهمة طلب الرشوة من شركة موروس جروب الفرنسية، لإرساء مشروع ترميم فتارين متحف الفن الإسلامي عليها، بالأمر المباشر، بالمخالفة للقانون حيث كان يستوجب عليه الرجوع لقطاع المشروعات فى هذا الأمر. وكانت شركة "موروس" الفرنسية، قد تقدمت في فبراير الماضي بعرض أسعار ومواصفات لترميم فتارين متحف الفن الإسلامي، وشمل العرض عملية نقل وإصلاح وإعادة تركيب وتجهيز ونقل الفتارين. وأضافت الشركة فى عرضها أنه سيتم تقسم السعر حسب مقاس كل فاترينة، وسيبلغ إجمالى السعر عن كافة الفتارين المذكورة والبالغ عددها 29 فاترينة 2,686,000 فقط (إثنين مليون وستمائة ستة وثمانون ألف جنيهًا مصريا). كما حددت الشركة طرق السداد على أن تكون 25% عند التعاقد، والباقي على دفعات، طبقا لعدد الفتارين على أن تشمل كل دفعة كامل ثمن عدد الفتارين التي يتم توريدها وعلى أن يتم سداد الدفعة قبل توريد العدد التالي. كما تقدمت الشركة بكشف بالأعمال التي ستقوم بها لكافة الفتارين بمقايساتها المختلفة، وتشمل أعمال النقل والتركيب مثل نقل الفتارين من المتحف إلي الشركة للإصلاح، وإعادة نقلها مرة أخرى بعد إصلاحها من الشركة الي المتحف الإسلامى وتركيبها به. وتضمن كشف الأعمال أيضا أعمال الإصلاح والصيانة التي تتضمن تصليح طريقة الفتح والغلق، إضافة إلى وحدة الكترومياكنك، بدل الوحدة اليدوي (منيفيلا) ، وكذلك تركيب قطع معدنية لاصطفاف الزجاج، وعمل براويز "استانلس" للأرضية لمنع الصدأ، وفك وتركيب وتغيير الزجاج بالكامل، وعمل تجليد جديد على القواعد، ودهانات إليكتروستاتيك، بجانب عمل إكسسوارات داخلية، وإضاءة مستقلة لكل فاترينة باستخدام نظام IED ، بجانب تغيير أعمدة الدلائل التالفة التي اعتلاها الصدأ فضلا عن استخدام أعمدة من النيكل الكروم. واختتمت الشركة تفاصيل العرض بأنها تضمن جميع الأعمال سالفة الذكر وذلك لمدة سنتين من تاريخ التسليم بالموقع. فى السياق ذاته حصلت "الموجز" على مذكرة أرسلها أحمد شرف رئيس قطاع المتاحف إلي الوزير طالب فيها بضرورة إرساء المشروع بالأمر المباشر ونصت على، أنه نتيجة ما تعرض له متحف الفن الإسلامي من أضرار ناتجة عن التفجير الذي حدث أمامه وما نتج عنه من تدمير عدد من فتارين العرض ونظرا لما ترتب عليه من تغيير الفتارين المتضررة وحاجة المتاحف إلي فتارين مثل متحف كوم أوشيم، ومتحف المطار المقترح وغيرها. وقال "شرف" فى مذكرته أنه في ضوء عدم توافر الاعتمادات المالية لشراء فتارين جديدة، فقد جاء هذا العرض من إحدى الشركات لإعادة تصليح الفتارين المتضررة والاستفادة بأكبر عدد منها في عرض الآثار بالمتاحف الأخرى التي تحتاج الي فتارين عرض حديثة ومؤمنة . واختتم مذكرته قائلا، أنه "نظرا لما يتم من تطوير بالمتحف الإسلامي وما يتطلبه من إخلاء سريع للمتحف للبدء في أعمال التطوير،لذا نرجو من سيادتكم التفضل بالموافقة على إسناد الإعمال إلي إحدى الشركات المتخصصة بالأمر المباشر حتى نتمكن من رفع الفتارين وسرعة إصلاحها والاستفادة منها". وكشفت مصادر داخل قطاع المتاحف أنهم فوجئوا بحضور رجال الرقابة الإدارية للقطاع متوجهين إلي مكتب رئيس القطاع حيث كان يجتمع مع ثلاثة من مسئولي شركة " موورس الفرنسية"، المنوط بها ترميم فتارين عرض متحف الفن الإسلام. وأضاف المصدر أن مسئولى الشركة أجروا اتصالات ب"شرف" لإنهاء بعض الإجراءات المتعلقة بالفتارين المقرر ترميمه للمتحف، إلا أن "شرف" طلب منهم مبالغ مالية زائدة عن القيمة الأساسية لإنهاء الموضوع. وتابع أن الفرنسيين هم من قاموا بإبلاغ الرقابة الإدارية، وتم الاتفاق معهم على أن يذهبوا ل"شرف" في مكتبه وبعد دخولهم بنحو نصف ساعة، وصل رجال الرقابة الإدارية، وبرفقتهم عدد من رجال الشرطة ودخلوا على رئيس القطاع فى مكتبه ثم خرج الجميع ومعهم بعض الملفات التي قام "شرف" بإخراجها شخصيا من غرفة المشتريات وأخرى من غرفة الملفات ولا يعلم أحد ما هى تلك الملفات التي قامت الرقابة الإدارية بالتحفظ عليها. وقد أكدت مصادر أن حادثة "شرف" ستكون بداية لتفجير عدد آخر من ملفات الفساد لعدد من قيادات الوزارة خلال الأيام المقبلة. 2 - قطاع المتاحف 18 متحف مغلق منذ سنوات بسبب الفساد.. وقرارات إعادة افتتاحها مجرد حبر على ورق رغم الوعود الكثيرة من قيادات وزارة الآثار بإعادة افتتاح المتاحف التي أغلقت منذ سنوات طويلة، إلا أن هذه الوعود لم تعدو عن كونها مجرد تصريحات إعلامية فقط لا تسمن ولا تغنى من جوع.. فالأرقام الرسمية تشير إلى وجود 52 متحف على مستوى الجمهورية منها 18 متحفا مغلقا تحتوى على آثار فرعونية وقبطية ويونانية ورومانية وإسلامية فضلا عن المخطوطات نادرة، وكلها أصبحت حبيسة بين جداران المتاحف المغلقة بسبب الفساد. ويأتي المتحف البحري بالإسكندرية فى مقدمة المتاحف المغلقة إضافة إلى متحف ملوي الذي وعد الوزير بافتتاحه في العيد القومي للمحافظة، ولم يحدث، وكذلك المتحف اليوناني الروماني، والمتحفان يعدان من اكبر المتاحف فى مصر حيث يوجد بهما 100 ألف قطعة أثرية، وتم اغلاقهما منذ 9 سنوات بهدف الترميم. ضمن القائمة يأتى أيضا متحف طنطا الأثري الذي وعد الوزير بافتتاحه فى أوائل هذا العام الجارى،ولكن لم يتم افتتاحه، والمتحف مغلق منذ نوفمبر عام 2000، ويحتوي على آثار فرعونية وقبطية وإسلامية ويونانية ورومانية ومخطوطات نادرة تراجع إلي عام 1913. أما متحف النسيج الذي تم أغلق خلال الأيام الماضية بحجة الترميم، فإنه يقابل مصيرا مجهولا ولا نعرف ما إذا كان سينضم إلى قائمة المتاحف المغلقة أم لا؟!. 3 - الآثار الإسلامية المساجد تتحول لأسواق تجارية تخصص "آندر وير".. ورؤساء المناطق "لا بيهشوا ولا بينشوا" يبدو أن المساجد الأثرية، التي تمتلكها وزارة الأوقاف وتشرف علية وزارة الآثار، خارج اهتمامات وزير الآثار الذي وعد بإعادة القاهرة التاريخية إلي أزهى عصورها، وتنظيف مناطق الدرب الأحمر والغورية وسوق السلاح ، إلا أنهى يبدو أن هذه الوعود قد ذهبت أدراج الرياح. ورغم أن منطقة الدرب الأحمر والغورية تعد من اكبر المتاحف الإسلامية المفتوحة، حيث تضم حولي 65 أثرا إسلاميا، إلا أنها تحولت إلي أسواق تجارية في غفلة من الوزير.. فهناك مسجد السلطان الغوري في بداية شارع المعز لدين الله الفاطمي بشارع الأزهر، وإلى جانبه مدخل القبة وسبيل يعلوه كتاب، تلك المجموعة التي أنشأها الملك الأشرف "قانصوه الغورى" في الفترة من 1503-1504 ميلادية، كانت آية في الجمال المعماري، إلا أن هذه المعالم الأثرية اختفت تماما بسبب تحويل جدران هذه الأماكن إلي معارض للملابس الداخلية، التي تحيطها من كل الجوانب، وجعلتها معرضا لبضاعتها في ظل غياب القانون وغفلة وزارة الآثار. وعلى بعد أمتار قليلة داخل شارع المعز يقع مسجد الأفخر أو الفكهانى، والذى أنشأه في الأصل الخليفة الفاطمي الظافر بنصر الله عام 1148ميلادية، وهذا الأثر لم يعد يظهر منه شي الآن فقد أخفتها الملابس و"العبايات" النسائية، رغم أن مسئولى وزارة الآثار يتواجدون داخل المسجد يوميا لترميمه، والمسجد له باب على شارع المعز يحتله بائع ملابس داخلية، أما الباب الآخر فيوجد بحارة "خوش قدم" فقد احتلها بائع العبايات الحريمي الذي اتخذ جدران المسجد فاترينة لعرض بضاعته. وعلى بعد مسافة قليلة من مسجد الفكهانى يقع سبيل محمد على باشا، الذي لم يختلف كثيرا عن حال المساجد الموجودة في الشارع فقد طالتها يد الغدر والإهمال مثل باقي الآثار الموجودة، وعلى خطوات قلية تجد بوابة المتوالي وعلى جانبه أكوم من الزبالة المتراكمة كما هو الحال بمسجد الصالح طلائع. لم يختلف الأمر كثير في منطقة درب سعادة حيث يقع مسجد المملوك "سعيد جكما" الذي يحتله تجار الأدوات المنزلية ويستغلون جدرانه لعرض بضائعهم وكذلك الأمر أمام جامع البنات، ومسجد خاير بيك، والجامع الأزرق،والسلطان حسن ، وغيرها من المباني الأثرية. 4 - الآثار المصرية أفلام إباحية وعبادات شاذة واحتفالات ماسنوية داخل الهرم.. وأخطاء في ترميم قناع الملك توت عنخ آمون.. وميت رهينة تدخل النفق المظلم لا يمر يوم دون وقوع كارثة كبرى لمسئولى قطاع الآثار المصرية توضح أن هذا القطاع يعوم على بحر من الفساد، ولعل ابرز هذه الكوارث ما حدث مؤخرًا من حادثة تشويه قناع توت عنخ آمون بالمتحف المصري وأيضًا الانتهاكات التى وقعت في منطقة الأهرمات وأبو الهول، فتارة يتم تصوير فيلم جنسي وتارة أخري تقام احتفالات ماسونية وعبادات داخل غرفة دفن الملك خوفو، علي الرغم من أن القوانين المصرية تحظر إقامة أي طقوس دينية بالمواقع الأثرية. منطقة ميت رهينة والعزيزية لم تكن أحسن حالا حيث شهدت منذ شهور قليلة ما وصفة وزير الآثار بأنه اكتشاف عظيم، حيث استطاع أحد أبنا القرية اكتشاف معبد تحتمس الثالث وقامت وزارة الآثار بانتشال بعض التماثيل والقطع الأثرية وتركوا هذا المعبد عرضة للدمار والنهب. وهناك أيضا تل العزيز أو "الكوم" كما يطلق علية أهالى القرية على أنه تل من الركام يخفي تحته "قصر العزيز" يوسف الصديق ، ورغم ذلك تتركه الوزارة عرضة للنهب من تجار الآثار. وعلى الرغم من نفي رئيس قطاع الآثار المصرية يوسف خليفة وقوع هذه الانتهاكات إلا أن الوزير أصدر نشرة عامة طالبت بإعادة النظر في توزيع أفراد ومشرفي الأمن في منطقة آثار الأهرامات، وأيضًا قيام منطقة آثار الأهرامات بالتنسيق مع شرطة السياحة والآثار الموجودة بالمنطقة باتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة خاصة بتلك الأماكن البعيدة عن زوايا كاميرات المراقبة إضافة إلى قيام رؤساء قطاعات الآثار المصرية والآثار الإسلامية والقبطية والمتاحف باتخاذ كافة التدابير التنسيق مع شرطة السياحة والآثار لتحقيق أقصي درجات الانضباط والأمن بالمناطق الأثرية والمتاحف بمختلف أنحاء الجمهورية.. وربما دفعت هذه القرارات والإجراءات البعض للتأكيد على أن الانتهاكات حقيقية رغم نفى "خليفة". 5 - قطاع التمويل 3,5 مليار جنيه عجزا فى موازنة الوزارة.. وقيادات الوزارة تطالببزيادة مستحقاتهم المالية فشل قطاع التمويل في إعداد مشروع يعيد للوزارة نشاطها، ويوقف عجز الموازنة العامة التي تتضاعف شهرا بعد الآخر، حتى بلغت 3,5 مليار جنيه وفقا لتصريحات الوزير، بسبب ضعف السياحة في مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 . وعلى الرغم من تضاعف الدين، ألا أن قطاع التمويل فشل أيضا في توفير الاعتمادات المالية اللازمة لاستكمال مشروعات الترميم وتوفير الحماية لمعظم الآثار. ومع أن وزارة الآثار أصبحت ملقبة ب"الوزارة المدينة" كما يطلق عليها معظم العاملين بها، ألا أن هناك قيادات يطالبون بزيادة مستحقاتهم المالية، كما يتم الاستعانة ببعض القيادات الخارجية التي تكلف الوزارة أعباء مالية أضافية. 6 - المشروعات شبهات الفساد وإهدار المال العام تحيط بإسناد ترميم الآثار لشركات المقاولات رغم وجود قطاع متخصص داخل الوزارة على الرغم من وجود قطاع كامل بالوزارة يطلق علية قطاع المشروعات، به آلاف العاملين من مهندسين وعمال وخبراء، وبه أيضا ورش مركزية، إلا أن هذا القطاع عجز عن ترميم أي أثر بنفسه ويقوم بالاستعانة بشركات المقاولات التي تكلف الوزارة أموالا باهظة، علما بأن معظم المشروعات التي أسندت لهذه الشركات لم تنتهي بعد منذ سنوات طويلة. ومن أمثلة هذه المشاريع، مشروع ترميم وتوثيق قصر إسماعيل المفتش، الذى خضع للترميم منذ عام 2002 وبدأت تكلفة المشروع بمبلغ 62 مليون جنيه، وتتابعت عليه ثلاث شركات مقاولات لترميمها، ورغم ذلك لم ينتهى هذا المشروع حتى الآن. هناك أيضا مشروع هرم زوسر الذي تم إسناده لشركة الشوربجى للمقاولات،وهى شركة غير متخصصة وليس لها سابقة فى ترميم الآثار إضافة إلى طول مدة المشروع عن المدة المقررة في العقد المبرم مع الشركة،وكذلك المبالغ الباهظة التي تقوم الوزارة بدفعها ليتم استيراد فتارين لعرض القطع الأثرية بالمتاحف، على الرغم من انه من الممكن تصنيعها داخل هذا القطاع على يد المهندسين الموجودين به ، وهو ما يوفر الكثير من الأموال المهدرة للوزارة.